حضور ظهر جلياً في الحفاوة التي لقيها رئيس المكتب السياسي لحماس اسماعيل هنية (أبو العبد) عندما حلّ ضيفاً على لبنان أو بالأحرى على قيادة حزب الله خلال زيارته التاريخية إلى بيروت قبل قرابة العام، وتكرّس بالنار والموقف في حرب غزة أو معركة “سيف القدس” الأخيرة في أيار/مايو الماضي، التي “شكّلت قفزة استراتيجية في مواجهة المشروع الصهيوني”.
اليوم، وفي إطار فعاليات الذكرى الرابعة والثلاثين لانطلاقة الحركة، وفي زيارة مقررة منذ قرابة الشهر، وفق أوساط قيادية بارزة في حماس، وصل القيادي خالد مشعل صباح أمس (الأربعاء) إلى لبنان على رأس وفد قيادي ضم كلاً من نائبه موسى أبو مرزوق والقياديين فتحي حماد ومحمد نزال. هي الزيارة الأولى من نوعها منذ 11 سنة، وتحديداً منذ خروج مشعل من سوريا إثر إندلاع الحرب السورية في العام 2011 ومغادرة قيادة حماس العاصمة السورية. أيضاً هي الزيارة الأولى منذ انتخاب مشعل (أبو الوليد) رئيساً لإقليم الخارج الحمساوي، في الانتخابات الداخلية التي حصلت هذه السنة على صعيد الأقاليم الثلاثة: قطاع غزة والضفة الغربية والخارج (الشتات)، وشهدت أيضاً انتخاب الهيئة التنفيذية الأعلى في الحركة ممثلة بمكتبها السياسي، حيث فاز اسماعيل هنية برئاسته مجدداً، لدورة ثانية مدّتها أربع سنوات.
تأتي هذه الزيارة أيضاً “في سياق الدور الطبيعي والمسؤولية الملقاة على عاتق خالد مشعل، والمتمثلة بإدارة كافة الساحات خارج فلسطين المحتلة، ومنها أو على رأسها الساحة اللبنانية ذات التاريخ النضالي الحافل، والتي تضم عدداً كبيراً من اللاجئين والمخيمات الفلسطينية”. وتهدف الزيارة، وفق الأوساط القيادية البارزة في الحركة، “إلى معاينة الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمأساة التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون جراء الأزمة اللبنانية وظروفها الصعبة، وبالتالي محاولة تخفيف العبء عن هؤلاء، بالتوازي مع تعزيز أولوية المقاومة وتحشيد اللاجئين في مشروعها، والتأكيد على عناوين عديدة أبرزها حق العودة ورفض التوطين”. وفي هذا السياق، يلقي مشعل كلمة جماهيرية في صيدا يوم الأحد المقبل.
المصادفة الأبرز في توقيت الزيارة، أنها جاءت بعد وقوع انفجارٍ في أحد مساجد مخيم برج الشمالي (جنوب لبنان) الأسبوع الماضي، وما تبعه من أحداث وتطورات، أهمها حادثة إطلاق النار على موكب تشييع حمزة شاهين (عضو في حماس) الذي سقط في الانفجار المذكور، ما أدى إلى سقوط ثلاثة قتلى من عناصر الحركة، وما استتبع ذلك من اتهام واضح وصريح وجّهته قيادة حماس إلى جهاز الأمن الوطني الفلسطيني وقيادته في رام الله، مشيرةً إلى أن من يحاصر المقاومة في فلسطين “هو نفسه من يفعل ذلك في لبنان بغية التوتير الأمني إذا لم نقل الانفجار الأمني داخل المخيمات”، وفق الأوساط القيادية في حماس. وأكدت الحركة على مطلبها الوحيد القاضي بتسليم القتلة والمحرضين المعروفين ومحاكمتهم لدى السلطات اللبنانية.
تهدف زيارة مشعل، وفق الأوساط القيادية البارزة في الحركة، “إلى معاينة الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمأساة التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون جراء الأزمة اللبنانية وظروفها الصعبة، وبالتالي محاولة تخفيف العبء عن هؤلاء، بالتوازي مع تعزيز أولوية المقاومة وتحشيد اللاجئين في مشروعها”
من البديهي أن الاتهام المشار إليه وما تلاه من إعلان أو مبادرة لمقاطعة حركة حماس في لبنان من قبل حركة فتح و”وقف كل أشكال التواصل والاتصال” بها، سيزيل أو بالحد الأدنى لن يضع على جدول أعمال مشعل أية لقاءات مع السفير الفلسطيني أو مع قيادات حركة فتح في لبنان. وفي المقابل، سيعزز برنامجه بالاستناد إلى الحكمة التي تحلّت بها حماس في التعامل مع الحادثة وحالت بذلك دون وقوع حمام دم في المخيمات، بالتشديد أمام الأوساط الفلسطينية والشخصيات الرسمية اللبنانية (إلتقى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان وقيادة الجماعة الإسلامية في لبنان) على صيانة الأمن والاستقرار في لبنان وإبعاد الفلسطينيين عن الصراعات درءاً لتبعاتها الوخيمة سواء على القضية الفلسطينية أو على المشهد اللبناني الذي لا تنقصه وسط ظروفه الحالية تحديداً أي تعقيدات وصراعات إضافية.
وتضيف الأوساط القيادية في حماس أيضاً “أن الاقتتال الداخلي وبواقعية لا يؤدي إلى نتيحة ولا يصب في مصلحة الأهداف الأساسية المتمثلة بمشروع مقاومة الاحتلال وتحرير الأرض”.
جاءت زيارة مشعل أيضاً في توقيت أصبحت فيه حركة حماس وذراعها الضاربة “كتائب القسام”، التي لم تخضع للتهديدات الدولية والإقليمية، تشكل عنصر توازن وردع في معادلة الصراع مع العدو، وهي المطمئنة لتحالفاتها ولا سيما تعاونها القوي والشامل مع كل القوى المنخرطة في مشروع المقاومة..
وبالرغم من أن حضوره إلى لبنان وُصف بالخطوة الإضافية والجديدة استكمالاً لزيارة إسماعيل هنية (أبو العبد) التاريخية، سياسياً وشعبياً ولناحية العلاقة مع المقاومة في لبنان وتعميدها المبادئ الأساسية التي تحكم هذه العلاقة، من وحدة الموقف إلى التصدي والتحشيد ورفض التطبيع ومواجهة عملية التسوية، إلا أن الوقائع تشي بأن زيارة مشعل لا تضاهي زيارة هنية من حيث الوهج، وهي محصورة ضمن دوره في الإطار الفلسطيني الخارجي والتنسيق مع الجانب الرسمي اللبناني.
وربطاً بالتحريض القطري ـ التركي المستمر في وجه الانفتاح العربي على سوريا، لم تُرصد أي إشارات ـ حتى الآن ـ لإمكانية اجتماع مشعل في لبنان بمسؤولين من حزب الله أو من “محور المقاومة”، فما بالك بالقيادة السورية؟