يعتزم الرئيس الأميركي جو بايدن زيارة الرياض في أواخر حزيران/يونيو الجاري، على أن يتوقف قبل ذلك في إسرائيل للقاء رئيس الوزراء نفتالي بينيت. وأثناء وجوده في السعودية، التي تستضيف قمة مجلس التعاون الخليجي قبل نهاية السنة، من المرجح أن يلتقي بايدن بقادة دول عربية صديقة أخرى، مثل الإمارات والبحرين وقطر. لكن الحدث الأكثر أهمية، والذي سيحتل محور أجندة اللقاءات السياسة سيكون مد يد المصافحة المرتقبة من بايدن إلى (MBS) (كما يُعرّف محمد بن سلمان ولي العهد السعودي في الصحافة الأميركية والأجنبية).
احتضان لا بد منه
لطالما كان منتقدو السعودية يخشون هذه اللحظة (المصافحة). فهم يعتقدون؛ وبصراحة أنا أيضاً أعتقد؛ أن يد الأمير محمد بن سلمان مُلطخة بالدماء، بسبب ما تقوله وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) بأن بن سلمان هو من أعطى التفويض لتنفيذ عملية قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في اسطنبول، في تشرين الأول/أكتوبر 2018.
إسرائيل تدفع باتجاه تطبيع العلاقات بين واشنطن والرياض بهدف إحتواء إيران وتنشيط “اتفاقيات أبراهام”
لحظة احتضان الزعيم السعودي آتية لا محالة. ونحن، منذ عدة أشهر، نعلم أنها لحظة لا بد منها، وأنه لا خيار لنا سوى أن نفعلها. الأسباب كثيرة، وتشمل المخاوف البراغماتية المتوقعة: من المحتمل أن يحكم محمد بن سلمان المملكة العربية السعودية لعقود مقبلة، والولايات المتحدة لديها مصالح أمنية ومالية في الحفاظ على شراكتها الطويلة مع المملكة، فهي حليف في جهد مشترك لإحتواء سياسة إيران المزعزعة للإستقرار في المنطقة.
عاملان يغيّران سياسة واشنطن
ثمة عاملان جديدان أثبتا أنهما لعبا دوراً حاسماً في التغييرات التي طرأت على سياسة إدارة بايدن: الأول، الحرب الروسية- الأوكرانية وحاجة بايدن إلى مساعدة السعودية في تنظيم سوق النفط. والثاني، رغبة إسرائيل القوية في أن يعمل بايدن على تحسين العلاقات مع بن سلمان والمملكة كجزء من إعادة تنظيم عملية إصطفاف؛ واسعة النطاق؛ يمكن اختصارها بإعادة تنشيط “اتفاقيات أبراهام“.
فإسرائيل ترى في السعودية “لاعباً مهماً في المنطقة وخارجها”. وهي بالتالي “تؤيد بشدة توثيق العلاقات بين واشنطن والرياض، في سياق تحقيق الإستقرار في المنطقة، وإحتواء إيران، وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وتحقيق الإستقرار في سوق الطاقة”، بحسب مسؤول إسرائيلي كبير تحدث لـ”واشنطن بوست”.
وبالفعل، تجري هذه الأيام اتصالات أمنية مكثفة بين تل ابيب والرياض، لكنها في الغالب سرّية أو اتصالات غير مرئية. ومن المرجح أن تبقى كذلك في الوقت الحالي. وقد أثارت رحلة بايدن المرتقبة إلى الشرق الأوسط بعض الآمال في عقد لقاء ثُلاثي؛ بايدن وبينيت وبن سلمان؛ لكن الوقت لم يحن بعد. وفي الوقت الحالي، من المحتمل أن يكون الناتج الرئيسي لزيارة بايدن هو إتفاق رسمي تسمح بموجبه السعودية للطائرات الإسرائيلية بالتحليق في أجواء المملكة.
هواجس إسرائيل
إن سعي إسرائيل القوي لتحقيق تقارب عاجل بين واشنطن والرياض أمرٌ بالغ الأهمية وله دلالات سياسية قوية جداً. ذلك أن السعودية لديها اليوم عددٌ قليلٌ جداً من المؤيدين السياسيين في واشنطن. فقد أحرقت المملكة؛ تدريجياً؛ جسورها مع الجمهوريين والديمقراطيين على حدٍ سواء، بالرغم من عقود من ممارسة الضغط . فقد بدا أن الرئيس السابق، دونالد ترامب، يُعيد إحياء الصداقة الأميركية السعودية، لكن الذي تبين في ما بعد أن كل ما فعله ترامب طوال فترة ولايته لم يكن مبنياً على قاعدة صلبة.
هواجس إدارة بايدن تتلخص بـ: خفض أسعار الطاقة، تقويض روسيا وكسب فرصة سياسية جديدة
ثمة حلفاء رئيسيون آخرون للولايات المتحدة حريصون أيضاً على أن تُجدد واشنطن علاقاتها مع الرياض. فقد زار كلٌ من رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ولي العهد السعودي. وهما بذلك ارادا تشجيع الرئيس الأميركي على فعل الشيء نفسه.
وكان بايدن قد تجاهل بن سلمان لعدة أشهر، ورفض العام الماضي إجراء مكالمة هاتفية ودّية يريدها الزعيم السعودي، ثم عاد بايدن وطلب ذلك بنفسه. أعتقد أن أحد أسباب إزدراء بايدن كان شخصياً. فالرجلان مختلفان كثيراً. كان بايدن مستعداً للمصافحة في قمة “مجموعة العشرين” في روما في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، لكن بن سلمان لم يحضر، ما جنَّب بايدن لحظة محرجة.
أهداف واشنطن
إن الإجتماع المرتقب بين بايدن وبن سلمان سيكون جزءاً من تواصل واسع النطاق مع ما يصفها مستشار الأمن القومي السابق والمقرب من إدارة بايدن، توم دونيلون بـ”القوى الوسطى”. فقد قام الرئيس الأميركي برحلة إلى آسيا الشهر الماضي، وهو بصدد حضور “قمة الأميركيتين” في لوس أنجلوس الأسبوع المقبل، قبل أن يباشر رحلته المُخطط لها إلى إسرائيل والسعودية هذا الشهر، وقمة “حلف الناتو” المقررة في 29 و30 حزيران/يونيو 2022.. والهدف من كل هذه الزيارات هو تعزيز الشراكات الأميركية في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا.
والسؤال الأساسي بالنسبة إلى دُعاة السياسة الخارجية الأميركية البراغماتية هو: ما الذي ستحصل عليه إدارة بايدن مقابل الجلوس مع بن سلمان على طاولة حوار واحدة؟ من الناحية المثالية، من وجهة نظر واشنطن: قد تنفصل المملكة عن روسيا في ما يُسمى “كارتل منتجي أوبك بلس”، وتوافق على إنتاج المزيد من النفط ودعم زيادة إنتاج مماثلة من قبل الإمارات. ومن شأن ذلك أن يخفض أسعار النفط ويعزز الاقتصاد العالمي ويقوّض روسيا في وقت واحد.. وكل هذا سيمنح بايدن دفعة سياسية مهمة يحتاج إليها بشدة.
إن حرب اليمن، التي ربما تكون الخطأ الأكثر فداحة ودموية الذي ارتكبه بن سلمان، آخذة في التراجع. ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى الجهود الدبلوماسية التي تبذلها الولايات المتحدة. فالهدنة التي تم التفاوض عليها بمساعدة سعودية لا تزال صامدة. وهناك بالفعل رحلات طيران ركاب تقلع من صنعاء إلى عمَّان، وقريباً إلى القاهرة.
ولكن، من المُرجح أن يخرج بايدن خالي الوفاض من أي مسألة ذات مغزى أو تتعلق بمساءلة محمد بن سلمان بشأن مقتل خاشقجي أو غيرها من قضايا حقوق الإنسان المهمة. فقد سبق وعاقبت واشنطن العديد من المسؤولين الصغار عن تلك الحادثة، ولم يقدم ولي العهد السعودي سوى تصريحات لطيفة، ينفي من خلالها أي مسؤولية شخصية له عن العملية التي أدت إلى مقتل خاشقجي. ومن الواضح أنه خلص إلى أن أي تنازلات أكبر يقدمها في هذا الشأن سيُنظر إليها في الداخل على أنها علامة ضعف؛ وهي غير ضرورية.
لـ”السياسة الواقعية” مكانها الخاص جداً في السياسة الخارجية الأميركية، ولكن هذا الإفتقار إلى المُساءلة يشكل مأساة دائمة. بعبارات أخرى بسيطة، لقد أفلت محمد بن سلمان من العقاب.
النص بالإنكليزية على موقع صحيفة “واشنطن بوست“
(*) يكتب عن الشؤون الخارجية مرتين في الأسبوع في “واشنطن بوست”. آخر إصداراته هي”The Paladin”