“على الرغم من الارتفاع الكبير في حجم التصريحات والتسريبات إلى الصحف فيما يتعلق بالمفاوضات بشأن اتفاق جديد بين إيران والدول الكبرى، هناك حقيقتان لم يطرأ عليهما تغيير. أولاً، لم يجرِ التوصل إلى اتفاق على الرغم من التقدم الذي حققه الطرفان، وليس هناك ما يؤكد التوصل إلى اتفاق في وقت قريب؛ ثانياً، على الرغم من التمنيات، فإن التأثير الإسرائيلي في طبيعة الاتفاق – إذا وُقِّع في النهاية – سيكون ضئيلاً للغاية.
الصحافي باراك رابيد في موقع “والا” تحدث عن أن إدارة جو بايدن حاولت طمأنة إسرائيل في الأيام الأخيرة، مشددةً على أن الولايات المتحدة لن توافق على تقديم تنازلات إضافية، وتعهدت بأنه ليس من المتوقع توقيع اتفاق جديد في المدى الزمني المباشر. وكتب يهونتان ليس في “هآرتس” في الأمس أن رئيس مجلس الأمن القومي إيال حولاتا سيزور واشنطن هذا الأسبوع، في محاولة لفهم الموقف الأميركي الكامل من التسوية الأوروبية لتوقيع الاتفاق. في إسرائيل يشعرون بالرضا عن الإصرار الأميركي على عدم إزالة الحرس الثوري الإيراني من قائمة العقوبات، وهم يأملون بأن يتمسك الأميركيون بموقفهم بشأن “الملفات المفتوحة” المتعلقة بالوكالة الدولية للطاقة النووية التي تطالب إيران بتوضيحات تتعلق بانتهاكات سابقة لتعهداتها.
لكن هذه الأمور لا تستطيع أن تغير الصورة العامة كثيراً. وتميل تنبؤات الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية حالياً في اتجاه توقيع الاتفاق النووي، على الأقل في ما يخص الأميركيين. إذا اتخذ المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي قراراً إيجابياً، فمن المعقول أن توقّع الولايات المتحدة. وهذا الاتفاق سيكون أقل جودة من الاتفاق السابق العائد إلى سنة 2015، لأنه منذ قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق في سنة 2018، استغلت إيران تردُّد الإدارات الأميركية ولامبالاة معينة من جانب المجتمع الدولي لاجتياز جزء من الطريق المؤدية إلى الحصول على قدرة نووية، ومن الصعب على أي اتفاق جديد أن يعيدها إلى الوراء.
خط نصرالله
حدث التقدم في المفاوضات بشأن اتفاق نووي جديد في موازاة تطورات في مفاوضات أُخرى غير مباشرة لم تتوصل بعد إلى اتفاق. من المفترض أن يُجري الموفد الأميركي الخاص عاموس هوكشتاين قبيل نهاية الشهر جولة أُخرى بين القدس وبيروت، في محاولة لحل النزاع على ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان والسماح بالبدء بالتنقيب عن الغاز في المنطقة – أولاً في الجانب الإسرائيلي (منصة الغاز كاريش)، وبعدها في الجانب اللبناني- حيث أعمال التنقيب مؤجلة منذ أعوام.
تميل تنبؤات الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية حالياً في اتجاه توقيع الاتفاق النووي، على الأقل في ما يخص الأميركيين. إذا اتخذ المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي قراراً إيجابياً، فمن المعقول أن توقّع الولايات المتحدة. وهذا الاتفاق سيكون أقل جودة من الاتفاق السابق العائد إلى سنة 2015
الذي لا يزال يفاجىء الساسة الإسرائيليين هو الخط الحربي التصعيدي الذي ينتهجه الأمين العام لحزب الله (السيد) حسن نصرالله. حتى الوقت الأخير كانت الحكمة السائدة في المؤسسة الأمنية هي أن نصرالله لا يزال يحمل ندوب الحرب ضد إسرائيل في سنة 2006، وهو مشغول بالأزمات الاقتصادية والسياسية في لبنان، وسيكون حذراً جداً قبل أن يجرّ حزبه إلى مواجهة عسكرية إضافية. لكن منذ أكثر من شهرين، يهدد الأمين العام لحزب الله إسرائيل بالحرب إذا لم تستجب إلى كل المطالب اللبنانية بشأن ترسيم الحدود البحرية. في بداية تموز/يوليو أرسل مرتين مسيّرات اعترضتها إسرائيل بالقرب من منصة الغاز كاريش. ويستعد الجيش الإسرائيلي لمواجهة احتمال أن يحاول حزب الله القيام بخطوة مشابهة في الفترة المقبلة، لذا، شدد الحماية حول المنصة.
التصريح الأخير لنصرالله جاء يوم الجمعة الماضي، حين حذّر من أنه إذا لم يحصل لبنان على حقوقه في البحر، فمن المتوقع التصعيد. الأمين العام لحزب الله يرسل في تصريحاته رسالتين: الأولى، هي أن حزب الله مستعد للذهاب حتى النهاية والمخاطرة بحرب من أجل مساعدة اللبنانيين على الحصول على حقوقهم، والثانية، لا علاقة لهذه الأمور بالمفاوضات في فيينا.
الرسالة الأولى مُقلقة، لأن المنطقة سبق أن شهدت حوادث أدت فيها زوبعة التهديدات المتبادلة وسوء الحسابات إلى اندلاع الحرب. الرسالة الثانية ليست دقيقة بالضرورة. من المحتمل أن يكون هناك اعتبارات إيرانية لممارسة ضغوط على إسرائيل، على خلفية الجهد المبذول في إغلاق موضوع المحادثات النووية.
أحد المخاطر الحالية في التوترات على الحدود الشمالية هو تقدير الطرفين أن الخصم لا يريد أن يتحرك. إسرائيل تعتقد أن حزب الله لا يزال مرتدعاً؛ وحزب الله يعرف أن في القدس حكومة جديدة محدودة الخبرة، أنظارها موجهة نحو الانتخابات في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. لذا، من المحتمل أن يظهر تقدير بأن هناك هامشاً للمناورة وتبادُل ضربات من دون الدخول في حرب. لكن المشكلة في الكثير من الأحيان أنه من غير الممكن التنبؤ بردود الخصم بدقة وتحديد المواجهة بـ”يوم واحد” أو اثنين، من دون أن تتدهور الأمور إلى حرب.
لكن من غير المؤكد أن يكون نصرالله تأثر باعتداد الجيش الإسرائيلي بنفسه بعد عملية “مطلع الفجر” القصيرة في قطاع غزة. صحيح أن إسرائيل حققت إنجازات عملانية واستخباراتية ضد حركة الجهاد الإسلامي في غزة، لكن في لبنان يعرفون أن المواجهة بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله ستكون قصة مختلفة تماماً”. (المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية).