يرى أكثر من مراقب أن إسرائيل قد تحمل الموفد الأمريكى شروطا جديدة منها ما يتعلق بالحصول على ممر عبر البلوك ٨ اللبنانى لمد أنبوب الغاز الإسرائيلى إلى تركيا وبالتالى إلى أوروبا وهو ما يرفضه لبنان بشكل واضح وحازم. الأمر الذى يؤدى إلى مزيد من التعقيدات والمماطلة وبالتالى تأجيل التوصل إلى التسوية التى يعمل عليها الموفد الأمريكى.
ويرى آخرون أن إسرائيل قد تتجه فى خضم اشتداد المعركة الانتخابية النيابية إلى طلب تأجيل بت هذا الملف، بشكل أو بآخر، إلى ما بعد الانتخابات التى ستجرى فى الأول من شهر تشرين الثانى (نوفمبر) القادم. سبب ذلك حسب هذا الرأى أن ملف ترسيم الحدود البحرية مع لبنان صار جزءا من «أوراق» لعبة المزايدات الانتخابية فى إسرائيل.
بالطبع يستدعى تأجيل الترسيم، سواء تم بشكل مباشر أو عبر شروط غير مقبولة لبنانيا كما أشرنا سابقا، تأجيلا آخر يتعلق بأعمال الحفر من طرف إسرائيل لاستخراج الغاز من حقل كاريش كما كان مقررا. فعدم القيام بذلك التأجيل من طرف إسرائيل فى الحالة المشار إليها، قد يؤدى إلى توتر مفتوح على جميع الاحتمالات ولو أنه لا يوجد طرف فى الصراع القائم يود اللجوء إلى خيار الحرب. الخيار المكلف للجميع والذى يدفع الوضع القائم نحو المجهول فيما لو حصل.
لم تعد تكفى «مراهم» الهدنة ووقف القتال واحتواء النار القابلة لإعادة الاشتعال تحت الرماد كما شهدنا أخيرا فى غزة والتى قد تنتقل إلى الضفة الغربية، كما أنها قادرة أن تغذى الصراعات الأخرى فى الإقليم
الانتخابات الإسرائيلية المبكرة القادمة ستكون الخامسة التى تجرى فى السنوات الثلاث الأخيرة. الأمر الذى يدل على عمق الأزمة السياسية التى تعيشها إسرائيل، وكذلك على التحولات السياسية والعقائدية والحزبية التى شهدتها. طرفا المواجهة ينتميان إلى اليمين المتشدد بشقيه الدينى والاستراتيجى والذى يهيمن منذ سنوات على الحياة السياسية فى إسرائيل. رئيس الحكومة الحالية يائير لابيد يتهم من قبل خصومه بأنه يؤيد «حل الدولتين» (قيام دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل) لتشليحه أصواتا انتخابية، وبالطبع هو بعيد كل البعد عن ما يتهم به من قبل هؤلاء الخصوم.
الحرب التى شنتها إسرائيل ضد قطاع غزة من جهة واستمرار سياسة الاعتداءات المتكررة من الإسرائيليين على الأماكن المقدسة الإسلامية فى القدس وكذلك خارجها، من جهة أخرى، إلى جانب سياسة التوسع الاستيطانى تعبر عن هذا التوجه «الإلغاء للآخر الفلسطينى». يزيد بالطبع من حدة هذا التوجه تسجيل المواقف الانتخابية المرتفعة السقوف، التى تلاقى المزاج الشعبى العام عشية الانتخابات.
عدد من المؤشرات، فى خضم الحرب التى قامت بها إسرائيل على غزة وغداة التوصل إلى وقف إطلاق النار، أظهرت أن هنالك تبلورا لاهتمام دولى وإقليمى ما زال خجولا وفى بداياته لإعادة إدراج المسألة الفلسطينية على جدول الأولويات الإقليمية. الجدول الذى يحمل الكثير من التحديات والأزمات والحروب التى تستدعى العمل على احتوائها وتسويتها بشكل أو بآخر. ولكن رغم ازدحام الجدول الإقليمى لم تعد تكفى «مراهم» الهدنة ووقف القتال واحتواء النار القابلة لإعادة الاشتعال تحت الرماد كما شهدنا أخيرا فى غزة والتى قد تنتقل إلى الضفة الغربية، كما أنها قادرة أن تغذى الصراعات الأخرى فى الإقليم.
أحد دروس ما حصل أنه صار المطلوب العودة ولو التدريجية من خلال إيجاد صيغة تعاون، أيا كان شكلها وطبيعتها، بين القوى الدولية والإقليمية الفاعلة والمؤثرة لإعادة وضع «النزاع» على سكة التسوية. الأمر الذى يساهم بشكل كبير فى إخماد واحتواء عدد من الحرائق وفى صنع الاستقرار فى الإقليم.
(*) بالتزامن مع “الشروق“