قدم آموس هوكشتاين مؤخراً إلى الجهات اللبنانية المعنية في الترسيم البحري مع العدو الإسرائيلي احداثيات لـ”خط الطفافات” الذي يبدأ عملياً من النقطة 31 الواقعة شمال الخط 23، ويمتد حوالي سبعة كيلومترات في البحر لينحني لجهة الجنوب ويلتقي بالخط 23، إذ يقضم في طريقه قرابة 3 كيلومترات مربعة من المياه الإقليمية اللبنانية، وذلك، بحسب ادعاء الوسيط الأميركي، من باب التعويض عن التنازل الإسرائيلي المزعوم بخصوص الإقرار بالخط 23 والجزء المتبقي من حقل “قانا” جنوب هذا الخط (شمال الخط 29).
استسهل البعض هذا العرض من دون أي التفات إلى الفخ المنصوب فيه، والذي قد ينسف الأساسات التي قام عليها “الخط الأزرق” (تم ترسيمه في البر عام 2000) الذي يشكل الحدود البرية بين لبنان وفلسطين المحتلة. وعليه، سوف نناقش الطرح الإسرائيلي الجديد وتداعياته على الخط المذكور غير المكتمل حتى أيامنا هذه، حيث هناك 13 نقطة متحفظ عليها لبنانياً، فضلاً عن المناطق اللبنانية المحتلة (مزارع شبعا وتلال كفر شوبا والجزء الشمالي من بلدة الغجر).
حينما وضع الجانب الإسرائيلي ما يسمى “خط العوّامات” غداة التحرير عام 2000، لم يكن يهدف من خلاله إلى منع الصيادين اللبنانيين من العبور إلى شواطئ فلسطين المحتلة وحسب، إنما حدّد إحداثيات العوّامات لتكون منطلقاً لتغيير أو تعديل إحداثيات الحدود البرية مع لبنان، وتحديداً النقطة B1 التي تعتبر الأساس مع نقطة رأس الناقورة في كل عمليات ترسيم الحدود اللبنانية البرية جنوباً منذ قرن من الزمن، بدءاً من اتفاقية بوليه – نيوكومب عام 1923 إلى اتفاقية الهدنة عام 1949 وصولاً إلى “الخط الأزرق” عام 2000.
سوف يقضم الجانب الإسرائيلي مساحات معتبرة واستراتيجية في حال إزاحة النقطة B1 نحو الشمال، فبدلاً من أن تكون المنطقة المحاذية لرأس الناقورة من جهة الجنوب، وتعرف بمنطقة روش حانيكرا Rosh Hanikra، تحت أنظار الجيش اللبناني، سيصبح الساحل الممتد من الناقورة إلى مدينة صور، وربما أبعد، تحت أنظار الجيش الإسرائيلي
لم يوفر العدو جهداً إلا وبذله في محاولة منه لإزاحة النقطة B1، سواء أثناء ترسيم “الخط الأزرق” أو خلال المفاوضات غير المباشرة في الناقورة برعاية الأمم المتحدة وشارك في جزء منها الأمن العام اللبناني. اليوم وجد الإسرائيلي الفرصة سانحة من خلال تثبيت “خط العوّامات”. وبمجرد إزاحة هذه النقطة نحو الشمال، سوف تُزاح حكماً نقطة رأس الناقورة في نفس الاتجاه، بحيث أن الأخيرة يستحيل رؤيتها من النقطة B1 الجديدة أو المُستحدثة. وبالتالي لا بدّ من اعتماد نقطة جديدة لرأس الناقورة يمكن رؤيتها. وهذا ما يجعل كل النقاط على طول “الخط الأزرق” البري قابلة لتغيير إحداثياتها بعد تسجيل سابقة في قواعد المفاوضات مع عدو للبنان لا يُتقن إلا مثل هذه التفاصيل ويعرف كيفية إستخدامها.
وبالتالي، سوف يقضم الجانب الإسرائيلي مساحات معتبرة واستراتيجية في حال إزاحة النقطة B1 نحو الشمال، فبدلاً من أن تكون المنطقة المحاذية لرأس الناقورة من جهة الجنوب والتي احالتها إسرائيل إلى منطقة سياحية بإمتياز، وتعرف بمنطقة روش حانيكرا Rosh Hanikra، تحت أنظار الجيش اللبناني، سيصبح الساحل الممتد من الناقورة إلى مدينة صور، وربما أبعد، تحت أنظار الجيش الإسرائيلي. كذلك فيما خص نفق سكة الحديد، سوف يبقى جزء بسيط منه ضمن الأراضي اللبنانية، وتمسي المطالبة به تفصيلاً لا يُعتد به.
والجدير ذكره هنا، أنه في الوقت الذي تستثمر فيه إسرائيل المنطقة المحاذية لرأس الناقورة من جهة فلسطين المحتلة، أحالت السلطات اللبنانية كافة المناطق المحاذية للحدود البرية الجنوبية من رأس الناقورة إلى شبعا إلى منطقة عسكرية بإمتياز، لدرجة يُمنع فيها المزارعون اللبنانيون من استغلال معظم أراضيهم، وتجوبها عشرات الدوريات من قوات “اليونيفيل” يومياً.
ولعل مكمن الخطورة في ما رشح عن رئاسة الجمهورية اللبنانية، عن قرب إبرام اتفاق ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، وهذا ما يشي بأن الجانب اللبناني ربما قد وافق على الطرح الأميركي بخصوص “خط الطفافات”، وبالتالي إختار لبنان الوقوع في الفخ الإسرائيلي وأن يكون في موقع ضعيف عندما يُعاد النظر في ترسيم الحدود البرية الغير مكتملة، أما التبرير من نوع القول إنه إتفاق مؤقت لا يسري على الحدود البرية، فإنه غير قابل للصرف خصوصاً وأن حكومات اليمين الإسرائيلي المتعاقبة تزداد تطرفاً ومغالاة ومزايدة، وبالتالي، ما يمكن أن يكون مؤقتاً اليوم قد يصبح أبدياً غداً!