بينما كان “الوسيط الأميركي” عاموس هوكشتاين يعقد على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة سلسلة إجتماعات شملت بشكل أساسي الوفد المرافق لرئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، لحسم النقاط العالقة في مسودة الإتفاق المزمع إبرامه بين لبنان وإسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية، أطل زعيم الليكود بنيامين نتنياهو في شريط فيديو أمس الأول (الثلاثاء) إتهم فيه بـ”الإنبطاح” أمام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وقال إن لابيد “ينوي الآن تسليم لبنان، من دون رقابة وسيطرة إسرائيليتين، حقل غاز بمليارات الدولارات، سيستخدمه حزب الله لشراء آلاف الصواريخ والقذائف التي سيتم توجيهها في اتجاه إسرائيل”.
وسارع لابيد للرد على نتنياهو متهماً إياه بأنه يستثمر الملف إنتخابياً، وقال “إن أقوال نتنياهو تكشف عن انعدام فظيع للشعور بالمسؤولية، وعن انتهاك للمفاوضات ولمصالحنا الأمنية والسياسية والاقتصادية”.
بن كسبيت: قانا حقل وهمي!
وإنعكس التجاذب الإنتخابي في الصحافة الإسرائيلية نفسها، وقال المحلل السياسي في “معاريف” (وأيضاً في موقع “المونيتور”) بن كسبيت إن الفيديو الذي نشره نتنياهو “هو كذبة كبيرة مدوية وغير مقبولة. ولا يحتوي على حقيقة صحيحة واحدة، ولا سيما أن لا اتفاق حالياً، تماماً كما لا يوجد اتفاق نووي بين الغرب وبين إيران، وليس هناك قنصلية أميركية في القدس الشرقية. لا يخجل نتنياهو من أن يربط بين الاتفاق المحتمل وبين “المال الذي سيستخدمه نصرالله لتمويل شراء آلاف القذائف والصواريخ الموجهة ضدنا”.
وأضاف: “يعلم نتنياهو بأن إسرائيل لا “تتخلى عن حقل غاز يساوي المليارات”، وهو يعرف أن الاتفاق الذي لم يجرِ التوصل إليه بعد مع الموفد الأميركي هوكشتاين، هو في خطوطه العامة الاتفاق نفسه الذي سعى هو إليه. وهو يعرف أنه لم يُعثر بعد في حقل “قانا” على الغاز، وإذا عثروا عليه، فالحقل صغير وليس كبيراً”.
وتابع بن كسبيت أن نتنياهو “يعلم بأن النزاع هو على نسبة محدودة من مجموع المساحة المقدّرة لمخزون هذا الحقل (الذي لا يزال وهمياً حالياً). هو يعلم بأن الجميع، جميع رؤساء الأذرع الأمنية وجميع خبراء الغاز والمهنيين يعتقدون أن المصلحة الإسرائيلية الاستراتيجية العليا تقضي بالتوصل إلى تسوية هذه القضية في أسرع وقت ممكن من أجل تحقيق الاستقرار في المياه الاقتصادية والسماح لحقل “كاريش” بالعمل من دون تهديدات. هو يعلم أيضاً بضرورة الحؤول دون حدوث سوء فهم بين إسرائيل وحزب الله يمكن أن يؤدي إلى تدهور المنطقة كلها إلى حرب. وعلى الرغم من أنه لا يكلف نفسه عناء الحصول على المستجدات الأمنية كما هو مفروض، فإنه يعرف هذا جيداً. يعرف ويتجاهل. لأن دولة إسرائيل أقل أهمية عنده من حملته الانتخابية”. وختم بن كسبيت مقالته بالقول “حالياً، هناك طرفان يحاربان بكل قوتهما حل قضية ترسيم حدود المياه الاقتصادية بين إسرائيل ولبنان: نصرالله ونتنياهو”!
تسفي برئيل: الكلام الذي قاله نصرالله في خطابه يليق برئيس دولة. وعندما تكون هذه هي طبيعة الخلاف، فهو مستعد ليكون شريكاً للشيطان، وفق شروطه هو
“هآرتس”: نصرالله شريك جديد
بدوره، قال المحلل السياسي في “هآرتس” تسفي برئيل إن اتفاق ترسيم الحدود البحرية “يضع إسرائيل أمام شريك جديد، (السيد) حسن نصرالله، وليس الحكومة اللبنانية. هو الذي يضع المعايير وبنود الاتفاق، ومكان وضع منصات الغاز، وتوجيه أرباح التنقيب. المفاوضات الحقيقية بين الطرفين لا تجري بين حكومتين، بل بين دولة وتنظيم. في يوم السبت الأخير، كشف نصرالله أنه بعث برسالة سرية إلى إسرائيل، أوضح فيها أنها إذا بدأت بالحفر في حقل كاريش “ستبدأ المشكلة”.
وأضاف برئيل “في ميزان الردع القائم بين إسرائيل وحزب الله، تلعب إسرائيل أمام صندوق فارغ. لم يبقَ لدى لبنان الكثير كي يخسره. من هنا فهمت إسرائيل أن عليها تبنّي معادلة جديدة في مواجهة حزب الله. وإلى جانب المعادلة القديمة، نشأ توازُن مربح. بين إسرائيل وحزب الله جرى التقاء في المصالح الاقتصادية، النزاع على الحدود الوطنية ليس قائماً بحد ذاته ويشكل ذريعة للحرب، بل ينطوي على أرباح اقتصادية حيوية جداً بالنسبة إلى إسرائيل ولبنان، وعلى هذه الأرباح يدور النزاع. لقد أجاد نصرالله في صوغ المنطق الذي يحركه، إذ قال: “لبنان أمام فرصة تاريخية لن تتكرر. هذه هي فرصتنا الوحيدة لإنتاج النفط والغاز لمعالجة أزمتنا الاقتصادية والحياتية”، الكلام الذي قاله في خطابه يليق برئيس دولة. وعندما تكون هذه هي طبيعة الخلاف، فهو مستعد ليكون شريكاً للشيطان، لكن وفق شروطه هو”.
معهد الأمن القومي: حافة الهاوية!
وفي مقالة له نشرها في موقع “N12″، قال مدير معهد دراسات الأمن القومي تامير هايمن (لواء في الإحتياط)، في معرض توصيفه للجبهات المفتوحة، وبينها “جبهة الشمال”، إن السيد حسن نصرالله “يواصل استراتيجية السير على حافة الهاوية. وهو مستعد للوصول إلى مواجهة، لكنه يأمل بألا يحتاج إلى ذلك”، وأضاف أن جرأة نصرالله هذه “يجب أن تُقلق إسرائيل. فالجيش الإسرائيلي أقوى بعشرات المرات من حزب الله، وعلى الرغم من ذلك، فإنه لا يردع نصرالله، على ما يبدو. والتخوف الكبير من أن تؤدي ثقة حزب الله المفرطة بنفسه وسوء تقديره لقدراته إلى إدارة غير مسؤولة للمخاطر”.
وأشار هايمن إلى أنه “ليس لدى نصرالله رقابة داخلية، ولا يوجد حوله مَن يستطيع أن يقدم له تقريراً موثوقاً به عن الوضع وجهوزية الحزب. هو محاط بأشخاص رماديين من الذين يمدحونه، ومن المعقول أنهم في هذه اللحظة يقولون له إلى أيّ حد أخاف خطابه الإسرائيليين”، وإعتبر أن ما أسماها “الثقة المفرطة بالنفس، حتى ولو كانت غير مرتبطة بالواقع، فإنها تزيد فرص التصعيد حول منصة كاريش. ويمكن أن يُظهر حزب الله جرأة أكبر، متأملاً أن ينتهي الاحتكاك بإسرائيل بيوم قتال”. ورأى أن الانزلاق إلى الحرب “سيكون سريعاً، وفي نهايتها، وبعد دمار هائل للبنان، وأضرار جسيمة تلحق بالجبهة الداخلية الإسرائيلية، سيشرح نصرالله أن آلام الحرب أفضل من ذلّ الجوع (لبنان اليوم دولة تعاني جرّاء الجوع، بحسب تقرير الأمم المتحدة)”، وإستدرك بالقول إن “الأخبار الجيدة” هي “أن الطرفين يقتربان من تسوية على ترسيم حدود المياه الاقتصادية. وهنا يُطرح السؤال: هل الوضع السياسي المعقد في إسرائيل سيسمح بقبول تسوية تتطلب التغلب على عقبات سياسية بالأساس”؟ وأضاف “على ما يبدو، جوهر التسوية هو الموافقة على حدود المياه الاقتصادية، بحيث يبقى جزء من الحقل اللبناني في الأراضي الإسرائيلية، وفي المقابل، إسرائيل ستدفع للبنان تعويضاً اقتصادياً معيناً. هذا على افتراض أن الطرفين سيوافقان على حل مشكلة ترسيم الحدود البرية – حيث لا يوجد مجال للاتفاق أو التسوية. إذا تحققت هذه التسوية، فإنها ستبدّد التوترات الأمنية، وستسمح باستخراج الغاز من حقل كاريش، كما ستسمح للبنان بتطوير حقول الغاز الموجودة في مياهه الاقتصادية”.
الترسيم لا يمر على الكنيست!
وفي خطوة سياسية قضائية، “وافقت المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية، غالي بهاراف – ميارا، على أن توقع الحكومة، اتفاقا بشأن ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، بموافقة المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) فحسب، بدون الحاجة إلى عرضه على الكنيست، والتصويت عليه، أو إجراء استفتاء للمواطنين بشأنه”، وقالت صحيفة “هآرتس” نقلاً عن مسؤول سياسي وصفته برفيع المستوى، والذي قال إن بهاراف – ميارا، أشارت إلى أنه لن تخضِع الاتفاق لـ”قانون أساس: الاستفتاء”، وهذا يعني أن الاتفاق لن يُعرض على الكنيست للمصادقة عليه قبل التوقيع، وبالتالي لن يُعرَض كذلك على المواطنين، إلا بعد أن يُوقَّع”، حسب “هآرتس”. (المصادر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، عرب 48، جريدة الأيام الفلسطينية، رويترز).