“القائمة الأوكرانية للإغتيالات”.. من ووترز إلى كيسنجر!

تحذير استباقي: محتوى هذه المقالة لاذع للغاية، ويتضمن حكايات ستبدو خفيفة في بدايتها، غريبة في أواسطها، صادمة في تفاصيلها المرصعة بعلامات التعجب، ومخيفة في نهايتها. لذا لزم التنويه والتحذير.

في نيسان/إبريل 2022، وبعد غياب 28 عاماً لم يتخلله إصدار أي ألبومات موسيقية جديدة، أصدرت فرقة بينك فلويد Pink Floyd البريطانية أغنية تأييد لأوكرانيا، بالتعاون مع المطرب الأوكراني آندري خليفنيوك Andriy Khlyvnyuk، اسمها هو “Hey, Hey, Rise Up”.

من أين أتت مشاعر التعاطف التي دفعت قائد الفريق ديفيد جيلمور لصنع هذه الأغنية؟

نشأت تلك المشاعر نتيجة مشاهدة جيلمور زميله خليفنيوك يغني أغنية اعتراضية فولكلورية يرجع تاريخها في أوكرانيا إلى أيام الحرب العالمية الأولى، نشرها المغني الأوكراني على حسابه بانستجرام، تصاحبها لقطات مؤثرة لأوكرانيا في حالة الحرب الحالية ضد روسيا.

كان قائد فريق بينك فلويد قد قرر قبلها، بعد بدء العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، إزالة موسيقى الفرقة البريطانية من جميع مواقع وخدمات البث الروسية والبيلاروسية عبر الإنترنت.

والملفت للإنتباه هو بقاء الكثير من أغاني الفرقة متاحة للتشغيل والبث في الدولتين بعد هذا القرار. وكل هذه الأغاني التي بقيت، هي أعمال اشترك فيها العضو السابق بالفريق “روجر ووترز Roger Waters”، ما أثار آراء من نوع القول إن بقاء الأغاني هو بقرار من ووترز نفسه. حيث يعرف كل عشاق موسيقاه، أنه ليس ممن يؤيدون أوكرانيا، أو المستجيبين للبروباغندا الغربية ضد روسيا. وقد علق زميله السابق بالفريق جيلمور على ذلك التصرف بقوله: “لقد خاب ظني، فسروا الأمر كما تشاؤون”. هذا الانقسام قد يبدو قليل الأهمية لأول وهلة، لكنه ربما يحمل مفتاحاً لما هو أهم وأخطر.

تعجبت حينما سمعت روجر ووترز يحكي قصة فتاة أوكرانية صغيرة تدعى ألينا، تبادلت معه ذات مرة رسائل مطولة عبر الإنترنت، وهي تقول له ببراءة الأطفال “أنت مخطىء تماماً بخصوص وجود نازيين بأوكرانيا، لا يوجد شخص واحد نازي هنا، أنا واثقة من ذلك بنسبة 200%”. فكان رد أسطورة الغناء عليها ببساطة: “ألينا، يا صغيرتي، عليكي أن تقومي ببعض البحث، ربما تعيشين داخل أوكرانيا، لكنك مخطئة تماماً فيما تقولين”.

يستمر روجر ووترز برغم انفصاله عن فريق بينك فلويد منذ عام 2005، في إحياء حفلات غنائية رائعة منفرداً. تتعجب حين تعرف أن ووترز، يقوم في بداية كل حفلة يظهر بها، بعرض فيديو ويكيليكس الأشهر، الذي قام الجندي الأمريكي السابق برادلي مانينغ (الذي تحول جنسياً بعد ذلك تحت اسم Chelsea Manning)، بتسريبه في عام 2010 للموقع الذي أنشأه جوليان أسانج Julian Assange. وهو الفيديو الذي سرب من داخل كاميرا الإطلاق لهليكوبتر عسكرية أمريكية، تطلق النيران على 10 أشخاص، بمنطقة أمين العراقية، بينهم مراسل لوكالة رويترز. وهو الفيديو الذي فجر شهرة ويكيليكس Wikileaks، الذي يقاسي أسانج بسببه الويلات إلى يومنا هذا، وتقدر عدد سنوات السجن التي يواجهها، إذا ما أدانته الولايات المتحدة في التهم الموجهة له بنحو 175 سنة، بينما تم الحكم على تشيلسي مانينغ في 2013، بالسجن لمدة 15 عاماً.

هذا هو عقاب من يقوم بتسريب فيديو، يفضح جنود أمريكيين أثناء ارتكابهم “جريمة حرب” لا تقبل التأويل. الأعجب في الأمر، أن تعرف أن المغني روجر ووترز نفسه، تم وضع اسمه مؤخراً على قائمة اغتيالات – بين هلالين – “أوكرانية”. تحدث المغني الإنجليزي عن ذلك الأمر متهكماً أثناء أحد لقاءاته على موقع يوتيوب، قائلاً “أنا فخور أن إسمي بات مُدرجاً ضمن قائمة الاغتيالات”.

قال ووترز هذه الكلمات في اللقاء الذي أجراه معه الكوميديان الأمريكي المثير للجدل، راندي كريديكو Randy Credico. لا يتسع المجال هنا لسرد تفاصيل انخراط كريديكو في قضايا سياسية لفتت أنظار الجميع، وتسببت في استدعائه مرتين للإدلاء بشهادته، مرة أمام لجنة بمجلس النواب الأمريكي، وقد رفض راندي حضورها، وكانت تتعلق بعدة قضايا، اتهم وحكم فيها بالسجن على أحد أقرب معاوني دونالد ترامب، وهو روجر ستون Roger Stone. وثانية باستدعاء من روبرت موللر، الذي كُلف بالتحقيق وتقديم تقرير عن التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016. أو تفصيل تداخلات هذا الكوميديان المسيّس، مع ويكيليكس، أو فضيحة إيميلات هيلاري كلينتون، وغيرها من القضايا السياسية الجدلية. ضع كل ذلك جانباً، وتذكر أن رأي هذا الرجل بخصوص الحرب الروسية-الأوكرانية، لا يختلف عن رأي المغني روجر ووترز. لذا تم إضافة إسمه هو الآخر لقائمة الاغتيالات “الأوكرانية“.

كان الضيف الثاني في ذات اللقاء اليوتيوبي، صحبة ووترز في ضيافة كريديكو، هو سكوت ريتر Scott Ritter. ضابط المخابرات السابق بسلاح مشاة البحرية الأمريكية. الذي عمل في أواخر الثمانينيات على ملف التسلح النووي السوفيتي بناءً على اتفاق INF الذي عقد عام 1987. ومع بدايات التسعينيات، عمل ريتر في ملف التفتيش على أسلحة الدمار الشامل بالعراق. وقد كان من أسباب تحوله إلى منشق وارتفاع صوته المعارض للسياسة الأمريكية، هو إعلانه أن العراق لا يملك مثل هذه الأسلحة، وأن حرب الولايات المتحدة ضده غير أخلاقية. فتعرض هو شخصياً لمحاولة توريطه بجرائم أخلاقية جنسية تتعلق بفتيات قُصّر، إنتهت بالحكم عليه بالسحن لمدة سنتين ونصف. وكأن اتهام أي شخص بأي تهمة، يلغي صحة ما يقوله عن أفعال أمريكا في العراق أو أوكرانيا.

مع تقدم الشريط الزمني سريعاً إلى عام 2022، يظل صوت سكوت ريتر معارضاً للنغمة الأمريكية السائدة ضد روسيا، بعدم تأييده لسياسات أمريكا ومساندتها لأوكرانيا، مع تركيزه على العناصر النازية المسلحة التي تصل إليها المعونات المالية والعسكرية الأمريكية، لكي تحارب بها روسيا “المعتدية السيئة”!

يصعب تلخيص كل ما قاله الرجل في هذا السياق في لقاءات عديدة، خاصة منذ شباط/فبراير 2022. لكن ما يهم هو معرفة، أن اسم سكوت ريتر، تم إضافته إلى قوائم الاغتيالات “الأوكرانية“.

إقرأ على موقع 180  رؤية إسرائيلية لما بعد كورونا: ترامب مُهدد والتصعيد الإقليمي مستبعد

فوجىء ريتر أيضاً، بأن حكومة بلاده أصبحت تطلق عليه “إرهابي معلومات Information terrorist”. فقط لأنه يتحدث بما يحاول الكثيرون تجاهله والتعمية عليه، على الرغم من عدم قدرة أحد على إنكاره.

من حق سكوت ريتر أن يتعجب، فهو كمواطن، دافع ضرائب وعسكري أمريكي سابق. من المفترض أن دستور بلاده الذي يبدأ بالكلمات المأثورة “نحن الشعب We the people”، يكفل له في مادته الأولى “حرية التعبير Freedom of speech”. حينما يرى وفداً يمثل ميليشيات آزوف الأوكرانية “النازية“، يتم استقباله في الكونجرس الأمريكي. يصحبهم في جولة بأروقته نواب عن الشعب الأمريكي مثل بيت سيشنز، تود يونج وريك سكوت. كانت هذه الزيارة بمثابة محاولة إقناع للناخب الأمريكي أن هذه الجماعات النازية المتطرفة “لم تعد مسيسة”!. في ذات الوقت الذي تحولت فيه جريدة “نيويورك تايمز” عن وصفهم بمصطلح “النازيين الجدد”، إلى تسميتهم “الجماعة اليمينية الوطنية المرحب بها”.

أعضاء هذا الوفد “النازي”، كان من بينهم من اتخذ من مصنع أزوفستال حصناً عسكرياً أثناء حصار القوات الروسية له، على رأسهم مليشياوي اسمه “جيورجي كوباراشفيلي”. وكانت مهمتهم في واشنطن محاولة إقناع الكونجرس بالرجوع عن قرار منع المساعدات من أسلحة وتدريب عنهم. إلتقوا بحوالي 50 عضواً بالكونجرس، من ضمنهم النائب الديموقراطي آدم شيف الذي كان أحد أعلى الأصوات في ملف روسياجيت Russiagate المسموم. كان أيضاً أكثر الداعين لعودة المساعدات لنازيي أوكرانيا. وقد أجرت قناة نيوزماكس Newsmax لقاءاً مع هذا الكوباراشفيلي.

بينما قامت “اللجنة الأوكرانية-الأمريكية للاستجابة للأزمات UACRCM”، بإذاعة حية لفعالية بكنيسة أوكرانية في مدينة ديترويت الأمريكية، نظمها “الشركاء الأمريكيين” لآزوف. كان من ضمن أبرز الحاضرين للفعالية، بوريس بوتابينكو، المنسق الدولي لمنظمة OUN-B الشهيرة، التي أسسها أشهر إرهابي أوكراني نازي في التاريخ “ستيبان بانديرا Stepan Bandera“. الذي تعاون مع ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية.

ألقى كوباراشفيلي كلمة بالإنجليزية أمام الحضور، مفاخراً بنجاح مهمة وفد آزوف في واشنطن. وقد صرح هذا الأوكراني النازي قائلاً في خطابه:

“لقد أعطونا 100% من الدعم، بدأوا فوراً بإجراء المكالمات من مكاتبهم أمامنا، وقاموا بالاتصال بمنظمات مختلفة قد يكون لها تأثير”!

لكي تفسر هذا الكلام الأحمق، ربما تحتاج لإجراء زيارة إلى قرية إلينزفيل Elllensville بمدينة نيويورك، لتستحضر الإلهام القومي اليميني المتطرف (النازي)، وأنت واقف أمام التمثال النصفي للمناضل الأوكراني الهمام، ستيبان بانديرا. أو ربما يجب أن تتحرك نحو الشمال الشرقي، إلى مدينة ستامفورد بولاية كونيتيكت، لكي تشترك في أحد فعاليات إحياء سيرة بانديرا، بصحبة “جمعية الشباب الأوكراني” الخيرسونيين، لتحتفي بإنجازات الراحل “العظيم”، وتنصت لكلمات من أسقف الأبرشية الكاثوليكية الأوكرانية “بوهدان دانيلو“، لتعينك على تكريم بانديرا وتقدير إنجازاته في التعاون مع الرايخ الثالث!

إذا استفز هذا الكلام، قارئ هذه السطور العربية، أدعو هذا القارىء إذن، أن يضع نفسه في مكان سكوت ريتر. قل لي كيف يشعر حيال حقائق كهذه، كمواطن أمريكي لم يأكل من طاولة البروباغندا الكاذبة، بينما ينعم الإرهابي النازي بانديرا بسيرة عطرة وتكريمات لا تتوقف، وتمجيد لـ “بطولاته”. في الوقت نفسه، يجد مغنٍ بريطاني، كوميديان وضابط بحرية متقاعد أمريكيين، لمجرد أن لهم رأي مخالف لما يراد فرضه على الجميع الآن، أن أسماءهم تم إدراجها على قائمة اغتيال.. حان الوقت الآن لنملأ الهلالين بكلمة “أمريكية” بدلاً عن “أوكرانية”.

فقد أكتشف من المعلومات المتاحة عن الموقع الأوكراني ظاهرياً، المسمى Myrotvorets، التي تعني بالإنجليزية – ويا للعجب – “peacemaker”، أن عنوان نطاق الموقع domain name، مدرج تحت عنوان داخل مدينة لانجلي، بولاية فرجينيا الأمريكية، منذ إطلاقه في كانون الأول/ديسمبر 2014!

هذا العنوان، إلى جانب عنوان آخر هو العاصمة البولندية وارسو، يذكرهما الموقع بوضوح على صفحته الرئيسية، التي ترحب بك عند زيارتك لها بجملة: “Welcome to the CIA project website!”

صدق أو لا تصدق، وللجميع أن يفسر معنى كل ذلك كما يشاء. لكن من الجدير بالذكر أن من يقرر زيارة موقع myrotvorets.center ليتأكد من صحة ما قرأه من معلومات في السطور السابقة، سيفاجأ بوجود أسماء مثل: كريس هيدجز، جلين جرينوالد، جون ميرشايمر، راند بول، تولسي جابارد، وحتى.. هنري كسنجر. هذا غير آلاف الأسماء الأخرى، على ذات قائمة الاغتيالات!

يبدو أن كل هؤلاء الأشخاص يستحقون التهديد بالاغتيال من وجهة نظر الأمريكيين/الأوكرانيين القائمين على هذه القائمة. إذا اعتقدت أن في الأمر خدعة، أحيلك إلى تعليق كبيرة الباحثين في منظمة هيومان رايتس ووتش، يوليا جوربونوفا، التي علقت على مباركة سلطات الأمن الأوكرانية للموقع لأنها لا ترى فيه أية “مخالفة للقوانين الأوكرانية”!، فقالت جوربونوفا: “عواقب هذه القائمة على حرية الصحافة جد خطيرة”، مضيفة: “وجود مثل هذه القائمة يعرض حياة الناس للخطر”. بينما كان تعليق الرئيس الأوكراني السابق بترو بوروشينكو المناهض لروسيا على تسرب هذه القائمة أنه: “خطأ كبير”!

يا ترى، من هم إرهابيو المعلومات الحقيقيون إذن؟ من هم على القائمة، أم من صنعوا القائمة؟

فكر قبل أن تنطق بالإجابة التي طرأت على عقلك، فقد تجد اسمك على قائمة إرهابيي المعلومات، التي حتماً سيسبقك إليها مبتسماً.. كاتب هذه السطور.

فلنصمت جميعاً، ونؤدي التحية اللائقة:

Heil Bandera!

Print Friendly, PDF & Email
تامر منصور

مصمم وكاتب مصري

Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
online free course
إقرأ على موقع 180  رؤية إسرائيلية لما بعد كورونا: ترامب مُهدد والتصعيد الإقليمي مستبعد