أما مؤتمرات القمم الخمس فهى قمة المناخ بشرم الشيخ، وقمة العشرين بإندونيسيا، وقمة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان) بكمبوديا، وقمة آسيا والمحيط الهادى (APEC) فى تايلاند، وقمة الفرانكفونية فى جزيرة جربا بتونس.
كثير من اجتماعات القمم هذه هى لقاءات دورية ولكن تكمن أهميتها فى الأجواء العالمية التى عقدت فى ضوئها، وأيضا فى اللقاءات التى تتم خلالها، فقد خيم عليها جميعا آثار الحرب الروسية على أوكرانيا وما نجم عنها من اضطراب فى الاقتصاد العالمى وتهديد خطير لإمدادات الغذاء والطاقة، ويبدو أن المجتمع الدولى بدأ يعد نفسه للتعايش مع هذا الوضع لفترة طويلة وقد استنفد الغرب كل ما عنده من ضغوط، كما قلصت روسيا أهدافها وأعلنت أنها لا تهدف إلى تغيير النظام فى أوكرانيا بعد أن كان هذا هدفا معلنا فى أوائل الحرب؛ حيث أعلنت أنها تسعى لتخليص الشعب الأوكرانى من النظام النازى فى كييف، كما قلصت أهدافها العسكرية وبدا واضحا أنها تسعى لتعزيز وجودها فى إقليم الدونباس والانسحاب مما عدا ذلك.
***
لم تختلف اجتماعات القمم المتعددة هذه عن سابقاتها باستثناء مؤتمر المناخ فى شرم الشيخ الذى حقق تقدما فى أحد الهدفين الرئيسيين الذى كان يسعى لتحقيقهما وهما معالجة الاحتباس الحرارى المسبب لتغير المناخ، وهنا نستطيع القول إن المؤتمر فشل تماما فى إحداث أى تقدم يذكر فى هذا المجال، وألقى الكثيرون باللوم على الاتحاد الأوروبى إلا أن الأخير ألقى اللوم بدوره على الصين والسعودية والدول المنتجة للوقود الأحفورى، بينما أنجز المؤتمر نتيجة ملحوظة بالنسبة للهدف الثانى وهو معالجة الأضرار الناجمة عن التغير المناخى لدى الدول النامية خاصة الأفريقية منها التى تتحمل القسط الأكبر من الضرر بينما هى أقل المناطق إسهاما فى الانبعاثات الكربونية، وتحققت هذه النتيجة بعد مفاوضات شاقة أدت إلى إنشاء صندوق لهذا الغرض وإن كان لم يحدد بعد وسيلة تمويله أو الدول التى يحق لها الاستفادة منه.
وبالنسبة لسائر اجتماعات القمم فإن أهم ما نجم عنها جاء من الاجتماعات الجانبية وعلى رأسها الاجتماع الذى ضم الرئيسين الأمريكى جو بايدن والصينى شى جين بينج، والذى طرح فيه الجانبان وجهات نظرهما وخطوطهما الحمراء ونطاق التعاون ونطاق التنافس، أما الخطوط الحمراء وأهمها تايوان فقد طمأنت أمريكا الصين بأنها متمسكة بمبدأ الصين الواحدة ولكنها تعارض بشدة استخدام القوة لتنفيذ ذلك. ومن جانبها أكدت الصين أن تايوان جزء لا يتجزأ منها وأنها لن تتردد فى استخدام القوة للحيلولة دون استقلالها.. وكان هذا كافيا للطرفين اللذين اتفقا على استمرار التعاون و«التنافس» بينهما واللجوء إلى الدبلوماسية لحل الخلافات بينهما واستمرار الاتصالات على كل المستويات.
وقد حرصت الولايات المتحدة فى نفس الوقت على تأكيد دعمها لحلفائها فى المنطقة فقامت نائبة الرئيس الأمريكى كمالا هاريس بتأكيد تأييدها لحلفائها خاصة تايلاند والفلبين فى رفضهما لمطالب الصين فى جزر بحر الصين الجنوبى وكانت أوضح مظاهر ذلك هى الزيارة التى قامت بها السيدة هاريس لجزيرة بالاوان فى الفلبين وأعلنت فيها تأييد بلادها لحكم محكمة التحكيم الدولية القاضى بعدم أحقية مطالب الصين فى هذه الجزر.
***
يأتى ذلك فى الوقت الذى ظهرت فيه جماعات مقاومة فلسطينية لا تنتمى إلى حركات المقاومة التقليدية التى قادت النضال منذ النكبة فهى مجموعة من الشباب مثل مجموعة «عرين الأسود»، والتى بدأت عملياتها فى الضفة الغربية تتسع وتلقى قبولاً لدى الجماهير الفلسطينية، لذلك فالوضع مهيأ الآن إلى إنفجار كبير، أرجو أن نستعد له جميعاً
أما الانتخابات الجديرة بالاهتمام والمتابعة فهى انتخابات التجديد النصفى للكونجرس الأمريكى وانتخابات الرئاسة بالبرازيل والانتخابات البرلمانية فى إسرائيل. والملاحظ فى الانتخابات الثلاث هذه هو تأييد المؤسسات الدينية لليمين المحافظ بل ولليمين المتطرف كما هو الحال فى إسرائيل.
فما الذى يجعل المؤسسات الدينية فى جميع الأديان تميل إلى اليمين السياسى وأحيانا اليمين المتطرف بالرغم من أن أحزاب اليمين لا تبالى كثيرا بالعدالة الاجتماعية أو بحقوق الإنسان، وتتخذ موقفا صارما وغير إنسانى من هجرة الفقراء الباحثين عن لقمة العيش، وتميل إلى الانحياز إلى الأغنياء ومنحهم التخفيضات الضريبية بادعاء أن ذلك يحفزهم على الاستثمار وتنشيط الاقتصاد، وبالتالى خلق الوظائف الجديدة ومعالجة الفقر، وإن كان ذلك لم يثبت، ففى الحالة الأمريكية ــ وعلى سبيل المثال ــ فإن الإحصاءات تشير إلى أن نسبة البطالة قلَّت فى ظل الإدارة الديمقراطية عنها فى الإدارة الجمهورية.
ولكن تظل هذه الحقيقة.. حقيقة تأييد المؤسسات الدينية لليمين السياسى قائمة وراسخة.. فقد شاهدنا مثلا فى الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية فى البرازيل أن الفجوة بين لولا دا سيلفا الاشتراكى نصير الفقراء وبين بولسنارو اليمينى الترامبى كانت كبيرة مما استنهض الكنائس إلى النزول بثقلها فى الدعوة العلنية لتأييد بولسنارو فى جولة الإعادة، ومما كان له أثر كبير فى تقليص الفجوة حتى فاز لولا بفارق ضئيل.
وفى الولايات المتحدة فإن الأمر أكثر وضوحا، حيث يعتنق التيار اليمينى أو المحافظ القيم المسيحية والأخلاقية وقيم الأسرة ويعارض الإجهاض والمثلية الجنسية، ولا شك أنها فى مجموعها قيم إنسانية وخلقية جديرة بالاحترام، إلا أن ذلك ليس كل القيم المسيحية، فهناك الكثير من مبادئ المحافظين تتضمن قيما لا يمكن وصفها بالمسيحية مثل معاداة الأجانب والتشدد مع المهاجرين والحق فى حمل السلاح، ومعارضة اتحادات العمال ومناصرة الأغنياء وإهمال البرامج الاجتماعية، بالإضافة إلى إثارة التساؤلات حول العديد من الحقائق العلمية، وعلى رأسها تغير المناخ الذى يشككون فى أسبابه فى محاولة لنفى مسئولية رجال الصناعة والأعمال عنه، كما يقلصون من برامج الرعاية الصحية.
لكن المثال الأوضح لموقف المؤسسات الدينية خلف اليمين المتطرف هو المثال الإسرائيلى حيث نجد الأحزاب الدينية تعتنق بقوة مبادئ اليمين المتطرف وقد أفرزت الانتخابات البرلمانية الأخيرة فى إسرائيل فوز أشد الأحزاب الإسرائيلية تطرفا وعداء للشعب الفلسطينى وإذا تمكن حزب الصهيونية الدينية من الحصول على وزارة الداخلية والأمن فى الحكومة الجديدة فسيشرع فى تطبيق سياسته الرامية إلى طرد الفلسطينيين الذين يثبت عدم ولائهم لدولة إسرائيل.. وهو أمر سهل الإثبات. فمجرد المطالبة بأبسط حقوق الإنسان للشعب الفلسطينى يمكن اعتباره عدم ولاء للدولة الإسرائيلية، أو معارضة النص بالدستور على يهودية الدولة ــ باعتبار أن الدولة يجب أن تكون لكل مواطنيها أيضا ــ يعتبر عدم ولاء لإسرائيل، بل أن الحزب قد يعتبر مجرد معارضة الاستيطان هو عدم ولاء للدولة اليهودية، فالشعار الرسمى لحزب الصهيونية الدينية هو «أرض إسرائيل لشعب إسرائيل بموجب شريعة إسرائيل»، ويؤمن الحزب بأن خير وسيلة لجعل هذا الشعار حقيقة واقعة هو العمل على خلق حقائق على أرض فلسطين تفرض على المجتمع الدولى قبول الأمر الواقع، وهذا بالطبع ما تسعى إليه جميع أطياف الحركات السياسية الإسرائيلية ولكن بدرجات متفاوتة و«تغليف» مختلف، ولكن هذا الحزب الصهيونى الفاشى لا يغلف مسعاه بأية أغلفة وجاهر بسياسته العنصرية الفاشية دون أى غطاء، وانتخب على أساسها وفاز بخمسة عشر مقعدا ما سيمكنه من تحقيق نفوذ قوى داخل الحكومة التى يسعى نتنياهو إلى تشكيلها حاليا، حيث يستطيع الحزب إسقاط الحكومة متى شاء، وتجدر الإشارة أن تسعة نواب من بين أعضاء الحزب الـ15 الفائزين هم من غلاة المستوطنين الذى اعتمد برنامجهم الانتخابى على توسيع الاستيطان وعسكرة التجمعات الاستيطانية.
يأتى ذلك فى الوقت الذى ظهرت فيه جماعات مقاومة فلسطينية لا تنتمى إلى حركات المقاومة التقليدية التى قادت النضال منذ النكبة فهى مجموعة من الشباب مثل مجموعة «عرين الأسود»، والتى بدأت عملياتها فى الضفة الغربية تتسع وتلقى قبولاً لدى الجماهير الفلسطينية، لذلك فالوضع مهيأ الآن إلى إنفجار كبير، أرجو أن نستعد له جميعاً بخطط وسياسات تهدف إلى منع حدوثه إذا أمكن حتى نتجنب نكبة جديدة لا تقتصر نتائجها على حدود فلسطين، كما يجب أن نستعد بخطط للتعامل مع هذا الانفجار المحتمل فى حالة حدوثه بما يكفل مناصرة إخوتنا فى فلسطين المحتلة وتحجيم الخسائر الناجمة عن ذلك.
(*) بالتزامن مع “الشروق”