قد يتحول “مؤتمر بغداد” مع الوقت إلى منتدى حوارى، إذا إتخذ طابعاً مؤسسياً ولو مخففاً وبشكل تدريجى. الهدف أن يجتمع المؤتمر بشكل دورى لتناول مختلف القضايا من تعاونية وخلافية التى تعنى أعضاءه بغية العمل على تسويتها أو فى أضعف الاحتمالات احتواءها ومنعها من التأثير السلبى على الأوجه الأخرى للعلاقات والعمل على البناء على ما هو مشترك من مصالح.
وقد لعبت فرنسا الدولة الوحيدة المشاركة من خارج الإقليم دورا أساسيا فى بلورة هذا المشروع عبر علاقاتها مع مختلف الدول الأعضاء. كما نجحت فرنسا فى حث الدول الأعضاء على عقد هذا الاجتماع قبل نهاية العام لخلق تقليد حول دورية الاجتماعات السنوية لهذا المنتدى. الأمر الذى يعطيه دينامية ومصداقية أكبر فى بداية انطلاقته. والهدف من ذلك أن لا يصبح هذا الإطار أو المنتدى المنشود أسيرا للحظة توتر فى العلاقات بين بعض أطرافه تمنع انعقاده، وتصيب مصداقيته.
والجدير بالذكر أن حصول توتر بين بعض أطرافه يفترض أن يدفع نحو انعقاده بغية توفير الفرصة الضرورية لدبلوماسية التسوية أو الاحتواء للخلاف ومحاصرته. وتأتى الفكرة أساسا من مؤتمر هلسنكى لعام ١٩٧٥ فى خضم الحرب الباردة التى أدت إلى إطلاق مسار عرف بمسار هلسنكى وبالتالى إلى تأسيس مؤتمر الأمن والتعاون فى أوروبا الذى تحول إلى منظمة لاحقا.
نذكر بهذا الأمر وقد أشرنا إليه فى مقالة سابقة، للتأكيد على ما يواجه هذا المسار الفتى، إذا ما انطلق، من تحديات فى لحظة تحكمها جميع أنواع الخلافات والصراعات المتداخلة والمترابطة فى الشرق الأوسط. وللتذكير فإن الدول العشر التالية هى أعضاء فى هذا المؤتمر: العراق، مصر، الأردن، السعودية، الكويت، الإمارات، قطر، إيران، تركيا، وفرنسا.
دون شك سيكون المؤشر الأول على مدى أهمية هذا المؤتمر، مستوى المشاركة التى يفترض أن تكون على مستوى القمة ولو أنه من الصعب جدا توفير هذا الأمر بشكل واسع. مستوى المشاركة هو أحد المؤشرات الأساسية حول درجة الأهمية التى تعلقها الدولة المعنية على المؤتمر وعلى المسار الذى يندرج فى سياقه، وهو أيضا إحدى الرسائل التى قد يوجهها طرف أو آخر حول احتمال رفع مستوى مشاركته مستقبلا إذا ما تحققت شروط يريد الحصول عليها أو انتزاعها من قبل طرف أو أطراف أخرى.
إلى جانب توفير الإطار المتعدد الأطراف لتناول القضايا الأساسية التى تعنى الجميع فى الإقليم وخاصة النقاط الساخنة، فإن مؤتمرا من هذا النوع حتى يتحول إلى مسار مستقر للتشاور والتداول والحوار كما أشرنا سابقا ضمن أى صيغة عملية أولية يتم الاتفاق عليها، يفترض أن ينبثق عنه ما يلى:
أولاً؛ التأكيد على جعله لقاءً دوريا سنويا مما يعطيه طابعا مؤسسيا ولو بشكل مخفف ولكن يمنحه ذلك الجدية والمصداقية والحد الأدنى من الفعالية الضرورية والمطلوبة.
ثانياً؛ تشكيل مجموعة عمل من مختصين يمثلون الدول الأطراف لبلورة مقترحات تتضمن الاتفاق على معايير وقواعد ومبادئ تحدد كيفية إدارة العلاقات بين الدول الأطراف والتعامل مع الخلافات وسبل احتوائها أو إدارتها. تطرح هذه المقترحات بعد ذلك على المؤتمر فى انعقاده القادم لمناقشتها واعتمادها، إذا ما تم الاتفاق بشأنها كمدونة سلوك تنظم العلاقات بين أعضائه.
ثالثاً؛ التفكير فى توسيع المؤتمر مستقبلا وبشكل تدريجى ليضم دولا عربية أخرى وأطرافا دولية أيا كانت الصيغة التى قد تعطى لمشاركة الأطراف الدولية فى حينه.
إن تحقيق هذه الشروط التى دونها الكثير من العوائق والتحديات، ولو أنها غير مستحيلة، شرط أكثر من ضرورى لإقامة نظام إقليمى مستقر فيه مصلحة أساسية لجميع أطرافه. ذلك هو الشرط الأساس لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية فى المنطقة ولاحتواء خلافات مستفحلة وتسوية خلافات أخرى هى فى طبيعة العلاقات بين الدول وذلك لما فيه مصلحة الجميع.
فهل يطلق مؤتمر الأردن هذا المسار عبر توفير هذه الشروط أو بعضها، أو يهيئ لإطلاقه فى مرحلة لاحقة إذا كانت ظروف التوافق الأولى لم تنضج بعد؟