وجدتُ نفسي أمام تأريخ موضوعي مكثّف لنضال وتضحيات أبناء الروضة العيناتية وجيرانهم وارتباطهم العميق بفلسطين وقضيتها وهم الشهود على استهدافها واستهدافهم لأن هدف الاحتلال واحد، وقضيتهم واحدة.
إنه لدورٌ مشرّفٌ ما قام به علي أيوب من عيناتا وبيروت والداخل الفلسطيني في مواجهة السياسات الفرنسية والبريطانية المبنية على التوسّع وإخضاع الشعوب وحماية الاحتلال وإرهابه، حتى بات رمزاً من رموز العمل الوطني الجهادي ومقاوماً مميزاً وركناً من أركان العمل النقابي والسياسي دفاعاً عن الفقراء ومزارعي التبغ وسيادة لبنان في وجه العدو الحقيقي الذي يُهدّدها، إسرائيل.
هنا لتسمح لي الكاتبة العزيزة خديجة أيوب، بعد توجيه وافر التحية والتقدير والاحترام للجهد الذي بذلت وللحبكة واللغة السهلة التي استخدمت، وللتقديم المميز للدكتور منذر جابر، أن أُسجل النقاط الآتية:
أولاً؛ إن الكتاب يُشكّل مُنشّطاً ومُنعشاً للذاكرة الجماعية، تحديداً في هذه المرحلة بالذات، لتبقى حية قوية وتتعلم منها أجيالنا وتعرف أن معارك السيادة الحقيقية التي تعمدت بالدم خاضها علي وأمثاله في الأحزاب الوطنية وقدّم الجنوب فيها خيرة رجاله. وما الحديث في الكتاب عن عيناتا ورجالاتها ومناضليها وشهدائها وعلمائها وبنت جبيل وجوارها وحولا التي انطلقت منها أول عملية فلسطينية ضد الاحتلال بتاريخ الأول من كانون الثاني/يناير 1965، بعد أيام من إعلان انطلاق الثورة الفلسطينية والترابط السياسي والاجتماعي والاقتصادي والمصيري بين فلسطين ولبنان من جهة حدوده الجنوبية إلا تكريماً واجباً لبلدة عيناتا وأهلها وللنضال الوطني وشحناً للذاكرة في وقت انقلبت فيه المعايير وبات كثيرون من الذين راهنوا على وتعاملوا مع إسرائيل يتصدّرون مواقع الدفاع عن السيادة اللبنانية!
ثانياً؛ لقد أنصفت خديجة أيوب بعملها والدها وجهاده ونضاله وشهادته ورفاقه وفي ذلك وفاء كبير. إنه لفخر أن تكون إبنة الرمز الذي بنى هذا البيت الكريم والعائلة المعطاءة وتحوّل إلى رمز وطني كبير مميز بشجاعته والتزامه وعناده وإرادته وصلابته وكرامته ووطنيته وأمانته واستشهاده التزاماً بقسمه “ألا يدخل العدو قرانا إلا على جثثنا”، فكان يومه الأخير (25 شباط/فبراير 1972)، وهو اليوم المُعبّر عن شرف قضية الجنوب ولبنان في معركة الحرية والسيادة ضد الاحتلال الإسرائيلي، ومعركة تطور نظامه السياسي للتخلص من الإقطاع والتبعية والانتقال إلى دولة حديثة عادلة ديموقراطية تسودها العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص بين أبنائها.
ثالثاً؛ أنصفت خديجة أيوب أيضاً الحزب الشيوعي اللبناني وتاريخه ودوره وهو الذي ترك أثراً استثنائياً في الحياة السياسية اللبنانية في السياسة والفكر والثقافة والموسيقى والعمل الشبابي الطلابي النقابي والمقاومة وكم كان للجنوب حصة كبيرة في هذا الأثر. وأياً تكن الظروف التي أحاطت بعمل الحزب واستهداف قادته واستشهاد أبرزهم، والظروف الداخلية التي تأثرت بذلك، فإنه يبقى صاحب دور أساسي في ما تحقق في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وفي النهضة السياسية في لبنان.
سمعتُ إسم علي أيوب يتكرّر والهتافات باسمه تملأ الشوارع والحناجر تصدّح ببطولاته وكانت واحدة من المناسبات التي أخذتني إلى الجنوب ولا أزال مقيماً فيه وهو مقيم فيّ حتى الآن
رابعاً؛ أنصفت خديجة أيوب الزعيم الوطني كمال جنبلاط الذي كان على أرض الجنوب أكثر من مرة بين أهله داعماً موقفهم الوطني المشرّف داعياً الدولة الى تقديم كل مقومات الصمود لهم من مدارس ومستوصفات وملاجئ مؤكداً على حقهم في الدفاع عن أرضهم وعلى حق الفلسطينيين في الدفاع عن قضيتهم والعودة الى ديارهم محذراً السلطة من كل محاولات إحداث الفتنة بين الأخوة اللبنانيين والفلسطينيين اصحاب القضية الواحدة. وأنصفت مع كمال جنبلاط الجبل كله بأمانة الإشارة الى ما قامت به مدينة عاليه بعد العدوان على عيناتا في 25 شباط/فبراير 1972 لناحية جمع التبرعات لتعزيز صمودها ومساندة أهلها.. وهذا أقل الواجب.
خامساً؛ في مواجهة العدوان استشهد علي أيوب فحضر على مستوى الوطن كله شهيداً كبيراً مثالاً في الشجاعة والبطولة والتضحية، وتصدّر اسمه الصفحات الأولى من الصحف وكانت تعليقات من القيادات اللبنانية والمسؤولين اللبنانيين والشهيد ياسر عرفات ومعظمهم زار عيناتا للوقوف على آثار العدوان، وكان له وداع كبير بمظاهرة حاشدة في بيروت في ساحة 23 نيسان.
سادساً؛ شكراً مجدداً للكاتبة لأنها أعادتني إلى بداياتي السياسية، إذ شاركت في المظاهرة بعد سنة تحديداً من التحاقي بمسيرة كمال جنبلاط، وقد سمعتُ إسم علي أيوب يتكرّر والهتافات باسمه تملأ الشوارع والحناجر تصدّح ببطولاته وكانت واحدة من المناسبات التي أخذتني إلى الجنوب ولا أزال مقيماً فيه وهو مقيم فيّ حتى الآن.
لقد شاءت الأيام أن أتعرف إلى الزميل العزيز حسين أيوب العصامي الخلوق الجدّي الذي احترم الصحافة وعصمتها وكلمتها وأعتز برفقته ورافقت ألمه يوم استشهاد والدته زينب في عدوان تموز 2006 على لبنان والجنوب وعيناتا.
ختاماً؛ إن هذا الكتاب جعلني أتعرف على علي أيوب، وكم تأثرت عندما عرفت أنه الرجل الذي حفر إسمه في ذاكرتي وبداية وعيي هو والد حسين العزيز، وتأكدت مرة جديدة أن لا أحد منا يعرف ماذا تُخبّئ له الأيام وفرحت ولمست زرع علي في حسين وفي أمانة خديجة وإقدامها وفي بيت الشهداء وروضتهم العاملية عيناتا.