قمة جدة.. الصمت سجننا العربي الكبير!

فُرجت. التقى "العرب" في قمة "الأعدقاء". تم تكنيس العداوات. الماضي؟ كأن شيئاً لم يكن. سوريا عادت أو أعيدت الى الاحضان "العربية" المطعمة بدول "التطبيع" جلسوا كلهم. علكوا كلاماً "موزوناً" خرجوا ليعودوا إلى ممارسة "سلطاتهم" بالحياد الظاهر.

غريبٌ.

فجأة سقط الوحي. كُتبت الأوراق. حُذف الدم العربي. ساد تفاهم “الخناجر”. “الجمهور” العربي المنتظم بات مهتماً بتهنئة سوريا بفوزها وصمودها، فيما “الجمهور” العربي المختلف، رجَّح حكمة السعودية وتغاضي إيران. المهم والأهم، أن الإعلام والحركات والتيارات والانتماءات والخنادق، ستعيش فترة تعايش إكراهي.. وكراهية مكبوتة. ولا أحد يعرف إن كانت قلوب الشيعة والسنة والـ.. ستكبت أحقادها أم ستؤجلها أم تحدث المعجزة ويكون الشعار الجديد: “عفا الله عما مضى”.. ويسود الصمت الديني أو المذهبي!

أظن أن هذا مستحيل.

هذه الإنفراجة السريعة، بعد آتون الانفجارات المُدمرة، ستتيح لأهل السياسة والإعلام والمال والملل والنحل، صياغة يوميات باهتة، وتغييب دماء سفكت.

غريبٌ. قمة على عجل. بيان ختامي اعجازي. نداء تمت صياغته على عجل. انصراف سريع لإعادة الأمور إلى نصابها الإقليمي. ختم المعارك بالشمع الأحمر. ما مضى قد مضى، ولا حاجة أبداً لإعادة فتح ملف مكتظ بالدماء والقتلى الذين لقبوا بالشهداء، في الخندقين، أو في الخنادق المتصلة والمنفصلة.

غريبٌ. القمة، أنتجت “لمة” قيادات. كأن الزمن بدأ في قمة السعودية. الأمر المريب والمعيب، أن الحروب تُخلّف قتلى ودماراً بشعاً ومكلفاً. الدمار، طريق إلى إعادة الإعمار.. وإعادة الإعمار تثير شهية الشركات ذات الأرباح الخيالية. يصاحبها، ديون مستحقة، يدفعها “الشعب” (بالإذن من استعمال هذه الكلمة، لأننا لسنا شعوباً، بل أتباع) إلى يوم الدين.

قمةٌ للسلطات العربية. “الشعب” العربي معتقل. مُبدَّد. مقهور. يعيش انعدام الأفق. يعاني فقراً وجوعاً واضطهاداً وتنكيلاً وتقييداً. القمة غير معنية أبداً. السلطات العربية كفيلة بكتابة نصوص “جماهيرية”، خالية من الحياة الحقيقية التي يعيشها “المواطن” العربي. ولا بد من التأكيد، أن “المواطن” العربي ممنوع منعاً باتاً.

ذلك، أن الحكم الملكي والحكم الأميري والحكم العسكري والحكم السلالي، صادر الحرية والإنسانية، وألزم الناس أن يبدّدوا آلامهم وأمالهم، وأن يتحسسوها بصمت وكتمان.

لنفتح صفحة أخرى، لنقرأ ماذا حصل فعلاً في الميادين العربية. وماذا يحصل الآن.

الحرية ممنوعة. المحاسبة خيانة. الديموقراطية رجس من قبل.. فاجتنبوها. الاعتراف بالمواطن. لا نحلم بذلك. أنت كعربي، إما تابع أو تابع في الصمت. الصمت هو السجن العربي الكبير، من المحيط إلى الخليج. وليس غريباً بأن يختلف العرب على كل شيء، باستثناء اتفاقهم على توسعة السجون، وتزويدها بكل ما يلزم من التعذيب، حتى الإهمال

نبدأ من لبنان؛ “اتفاق الطائف” أغلق حلف القتل. تعامى عن القتلى. تناسى القتلة بود انتهازي. نعم، القتلة الذين وقّعوا “برصاصهم” على الجراح اللبنانية في “اتفاق الطائف”. المُوقّعون يعبرون من مجزرة القتل إلى نعيم “التوافق”. المجازر، مُحيت من الوجود والذاكرة. عدد المجازر لا يُحصى. القتلى بعشرات الآلاف، بل بمئات الآلاف. المخطوفون لم يعودوا. (الخاطفون أمراء الأمس واليوم). الدمار بات ربحاً. “سوليدير” نموذجاً. دفنت ساحة الشهداء. صارت الساحة شهيدة.

لنتوغل في الحفر. سنجد الذاكرة صامتة. لكن الدم ما زال حاضراً في مواجع الأهل والأبناء والعائلات. إن الدماء التي سفكت أورثت جراحاً في الروح. عجزاً عن المساءلة. خطفاً لـ”الشهداء” الى النسيان. لا أحد يتذكر الشناعات. الإعلام مشغول بالأسماء والتصريحات والتفاهات. انحياز الإعلام، لتكوين جبهات إعلامية، خطف الواقع. هناك من طاف يدق أبواب المال، فأنجب إعلاماً إملائياً. عندنا كما في كل الكيانات العربية، من المحيط الى الخليج.

نحن ضحايا الحرب اللبنانية، ثم صرنا ضحايا ما بعد اشتعال البوعزيزي، في تونس، وامتداد شعلته الى كيانات، فتك فيها العنف الديني، بكل بشاعاته وقتامته و”ثقافته” السوبر رجعية. لا رحمة أبداً للذين قتلوا. لا وصف لأمهات فقدن الأحبة. لا مشاعر على من نزف وتشوَه. أبداً. كأن شيئاً لم يكن. القرار واضح: يجب حذف ذلك. لا نكأ للجراح.

ماذا تغيَّر، لا شيء. الحرية ممنوعة. المحاسبة خيانة. الديموقراطية رجس من قبل.. فاجتنبوها. الاعتراف بالمواطن. لا نحلم بذلك. أنت كعربي، إما تابع أو تابع في الصمت. الصمت هو السجن العربي الكبير، من المحيط إلى الخليج. وليس غريباً بأن يختلف العرب على كل شيء، باستثناء اتفاقهم على توسعة السجون، وتزويدها بكل ما يلزم من التعذيب، حتى الإهمال.

نحن أمة ممنوعة أن تبكي. البكاء تهمة. لأنه يُحيّى ذاكرة الإنسان فينا. ممنوع إلا ما هو مسموح. وما هو مسموح، هو تمجيد الحاكم العربي، أو مبايعته من دون أي اكراه ظاهر.

باختصار. الإنسان العربي ممنوع. حقوق الإنسان “بلّوَها واشربو ميتها”.

لنترك لبنان؛ الحروب السورية المتناسلة، مع وضد، ماذا أنتجت؟ من الفائز فيها؟ من المستمر؟ الجواب واضح جداً. ربحت السلطة ومن كان ضدها موعوداً بربح يسير.

عندما تتم صفقة “الأخوة الأعداء”، تعود الأمور إلى مجاريها. لا حرية لا.. لا إنسانية. الأمهات تدربن على القهر والنسيان والألم النبيل والمكتوم. البكاء ممنوع لأنه يثير عصبية العدالة.

إقرأ على موقع 180  إلاّ الفلسطيني.. لا وطن له

ماذا تقول؟ العدالة! إنسَ. أنت في قارة تحتية أو سفلية، لا قيمة فيها للإنسان والدماء والدموع والعدالة و.. توقف عن الكلام. الإنسانية في “دنيا العرب”، يصح عليها، “قفا نبكِ”. الخنساء ممنوعة من الرثاء. إذاً، لا تحزن. اكتمه- فليكن خبزك اليومي المؤلم والمر، كرامة شهداء ماتوا، قتلوا، اغتيلوا.. ومدافنهم في العراء. وهو عراء لا تراه إلا السماء.

أين الإنسان في دول وإمارات المال والدلال العربي والدولي؟ لا تسأل. الإنسان، إذا اعترف بحقوقه، يصير كائناً مخيفاً. يصبح قابلاً للتفكير. التفكير كفر ديني وسياسي. “ما تفكر.. نحنا منفكر عنك”؟

كيانات، تعيش على فتافيت الحداثة، وتمنع كل ما يستحقه الإنسان العادي، من حقوق..إنسَ. الحكام العرب، ينظرون إلى ناسهم على أنهم قطعان. تطيع ولا تُطاع. وهي ملزمة بدفع ضريبة الصمت. لأن الصمت مشبوه. إياك والصمت. إن كنت صامتاً دائماً، فأنت تضمر فكراً وتفكر بقبضة، و..

كل هذا ممنوع.

وحده الألم المكتوم مسموح. الألم الناطق ممنوع. عقابه يكون اسكاتا مؤقتاً، أو هرمسياً.

أين الإنسان في العراق؟ العراق سائح سياسي في تسلط الأحقاد. والأحقاد في العراق، قاتلة. من يضع نقطة على نص ونصل القتل؟ لا أحد. كل المشتركين هناك، يفضلون التسلط على سلطة معقولة، ولو قليلاً. عبث.

ثم، أليس غريباً أن تنتهي “حرب اليمن” أو الحرب على اليمن، من دون حتى تذكر المجازر التي ارتكبت. اليمن معتاد على العنف. منذ نهاية عهد التخلف، دخل اليمن في فقه الماركسية. تقاتل الأخوان. اغتالوا بعضهم بعضاً.. بات “اليمن السعيد”، جحيماً وقتلاه بعشرات الآلاف مراراً. ماذا بعد؟ ها هو متروك بجراحه. والدم الذي سفك من الأبرياء والأغبياء معاً يوازي سنوات حرب في الحرب العالمية الثانية.

أين هو اليمني؟ أين الكتَاب؟ أين الشعراء؟ أين الابداع، أين هو الانسان؟

لا تسأل ابداً، سيطلع عليك أحدهم ويقول لك: “سد بوزك.. شو خصّك”.

إن إعادة قراءة نكبات شعب عظيم، حضارياً وانسانياً وابداعياً، بجعلك تمتحن ذكاءك. كيف لهذا الشعب، عندما نال استقلاله، أن يتحول الى مسلخ ديانات! أرومات! فقهيات! اخوانيات! جنرالات يفكرون بجزماتهم وجيوبهم.. ما هذا العصر يا ناس. كأننا بالفعل في العصر الحجري.

ليبيا، فوضى ودماء وحروب وقتلى. الجزائر، لا كلام عنها. إنها لا تشبه مقاومتها التاريخية الباسلة… إلى آخره، من المحيط إلى الخليج.

إذاً ماذا؟

لقد تم اغتيال الإنسان مراراً. الإنسانية عقيدة متهمة بالنقاء والحرية والعدالة والجمال والحب والتعاون.

حرام أن نعيش موتنا يومياً.

أخيراً، العالم يشبهنا.

هل تعرفون عدد قتلى الحرب الروسية الأوكرانية؟ هل تعرفون كوارث تدمير يوغوسلافيا.. إلى آخر سلسلة الحروب؟

الإنسان في هذا السياق، خردة فقط.

أخيراً. نطرح السؤال التالي:

كيف ينحاز الإنسان العربي في الصراعات المحلية والدولية؟

كارثة. ولا ذرة تفكير موضوعي. نعاج تُساق الى مسالخ القتل. تؤيد القتل الروسي، أو تؤيد القتل الأوكراني – الأميركي.

غريبٌ.

الهبل السياسي يحظى بحضور طاغ في وسائل الإعلام العالمية والعربية والمحلية.

إذاً. اكذبْ. اكذبْ. اكذبْ. أخيراً، سيصدقك المستحمرون وينحازون.

عبث.

Print Friendly, PDF & Email
نصري الصايغ

مثقف وكاتب لبناني

Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  إبتسامة الرئيس المكلف.. وحماقاتنا