“الرئيس السابق للولايات المتحدة، دونالد ترامب، والذى يرشح نفسه الآن لإعادة انتخابه رئيسا، هاجم وزارة العدل الأمريكية، ووصف المدعى الخاص جاك سميث الذى يحقق فى قضية احتفاظه بوثائق سرية بعد مغادرته منصبه، وصفه ترامب بأنه «مجنون مختل العقل»، كما وصف محاكماته ومحاولاته العودة للبيت الأبيض كجزء من «المعركة النهائية» لأمريكا.
فى خطاب ألقاه يوم السبت 10 يونيو/حزيران الجارى أمام الحزب الجمهورى فى جورجيا، وصف ترامب أيضا نظام العدالة الأمريكى بأكمله بأنه مكرس لمنعه من الفوز فى انتخابات عام 2024، قائلا: «هؤلاء الناس لا يتوقفون، هم سيئون وعلينا التخلص منهم. لا يمكن مكافأة هؤلاء المجرمين. يجب هزيمتهم».
***
يطالب ترامب مرة أخرى الشعب الأمريكى بالتحيز لأحد الجانبين. لكن فى ذهنه المشوش، فإن هذه «المعركة النهائية» ليست فقط ضد خصمه الطبيعى المعروف ــ الحزب الديموقراطى، والأطراف الشيوعية، والاشتراكية، والماركسية، و«الدولة العميقة»، ومكتب التحقيقات الفيدرالى، وأى شخص سياسى جمهورى يجرؤ على تجاوزه. بل ستكون معركة نهائية بين من يمجدونه ومن يبغضونه. ستكون معركة نهائية هو مركزها.
ترامب قال لأنصاره ليلة الجمعة 9 يونيو/حزيران الجارى عبر منصته للتواصل الاجتماعى «تروث سوشيال»: «أراكم فى ميامى يوم الثلاثاء!»، فى إشارة إلى اتهامه يوم الثلاثاء 13 يونيو/حزيران الجارى أمام محكمة فى مدينة ميامى بولاية فلوريدا الأمريكية.
تغريدته هذه كانت بمثابة تذكير مخيف بمثيلتها فى 19 ديسمبر/كانون الأول 2020: «كن هناك، ستكون جامحًا!»، الأمر الذى ألهم الجماعات المتطرفة لتعطيل التصديق على نتيجة الانتخابات الرئاسية فى 6 يناير/كانون الثاني 2021.
نعود لعنوان المقال، هل ستشهد أمريكا حربا أهلية بسبب ترامب؟ فى الواقع، العنف ممكن، لكن لن تكون هناك حرب أهلية. فالدول لا تدخل فى حرب أهلية بسبب ما إذا كانت تحب أو تكره قادة معينين، بل تخوض الحروب الأهلية بسبب اختلاف الأيديولوجيات، والأديان، والعنصرية، والطبقات الاجتماعية، أو السياسات الاقتصادية التى يمثلها هؤلاء القادة.
لكن ترامب لا يمثل شيئًا، هو فقط يرى نفسه مظلوما لأن الدولة رفضته لولاية رئاسية ثانية، وتشرع الآن فى تحميله مسئولية انتهاك القانون، هذه النقطة الأولى.
النقطة الثانية أن الحواجز التى حمت الديموقراطية الأمريكية بعد انتخابات 2020، سواء كانت المحاكم والأشخاص المسئولون عن إدارة الانتخابات فى كل ولاية والجيش ووزارة العدل، كلها أصبحت أقوى مما كانت عليه قبل اختبار ترامب لهم فى المرة الأولى (التشكيك فى نتائج الانتخابات في 2020).
بعبارة أوضح، كثر ممن اقتحموا مبنى الكابيتول حوكموا وأدينوا. كما هُزم المرشحون الذين رفضوا الانتخابات إلى حد كبير فى انتخابات 2022 النصفية. كذلك دعمت المحاكم بقوة المدعين الفيدراليين.
النقطة الثالثة، يواجه محامو ترامب صعوبة فى الدفاع عن التهم الموجهة إليه؛ (ترامب هدد أمن أمريكا من خلال الاحتفاظ بشكل غير قانونى، وفى بعض الحالات بمشاركة الوثائق المتعلقة بـ«البرامج النووية للولايات المتحدة؛ وبالطبع تعد هذه البرامج نقاط ضعف محتملة لواشنطن وحلفائها أمام أى هجوم عسكرى؛ فضلا عن مشاركة «خطة هجوم» ضد إيران).
وفى الحقيقة، لا شك فى أن العديد من أنصار الحزب الجمهورى يعتبرون أن الأمن القومى الأمريكى هو الهدف الأسمى والأكثر قدسية. كما أن عددا كبيرا منهم خدم فى القوات المسلحة.
قال بيل بار، المدعى العام الأمريكى السابق، فى برنامج «فوكس نيوز صنداى»: «لقد صدمت من درجة حساسية هذه الوثائق وعددها، بصراحة.. إذا كان نصفها صحيحًا، فقد قضى عليه (ترامب). أعنى، إنها لائحة اتهام مفصلة للغاية، وهى مريعة للغاية. وفكرة تقديم ترامب كضحية هنا، فكرة سخيفة».
***
ما ذكر أعلاه لا ينفى حقيقة أن ترامب خطير كما كان دائما. لقد ألهم العنف من قبل، ويمكنه أن يفعل ذلك مرة أخرى. ناهينا عن أن الكثير ممن دعموه فى عام 2020 يتابعون جنونه.
إن كان ترامب يريد أن يخوض أنصاره «معركة أخيرة» حول رغباته النرجسية، فمن المرجح أن يحصل على رد فعل أخير مهين (السجن أو خسارة السباق الرئاسى).
(*) النص الأصلي بالانكليزية في “أوراسيا ريفيو” وبالعربية في “الشروق“