يرى عاموس يادلين، معلق فى شئون الأمن القومى الإسرائيلى، وشغل منصب رئيس المخابرات العسكرية (أمان) من 2006ــ2010، أن على إسرائيل التصرف بحذر استراتيجى فى التعامل مع رجب طيب أردوغان، أخذا فى الاعتبار أنه يمكن أن يغير المسار بين عشية وضحاها مرة أخرى. ومن الضرورى ألا يأتى تحسين العلاقات مع تركيا على حساب شراكات إسرائيل فى شرق البحر المتوسط مع اليونان وقبرص.
يجادل يادلين أن أردوغان انتهج سياسة الانفراج مع دول المنطقة، تمثلت دلالاتها فى إحياء العلاقات الثنائية بين تركيا وإسرائيل، كما ساعد اعتماد الاقتصاد التركى على السعودية والإمارات، مع إعادة فتح القنوات الآن بين تل أبيب وأنقرة، على توفير فرصة لتوسيع التعاون مع أردوغان لكبح طموحات إيران وتقييد أنشطة حماس على الأراضى التركية.
وبالنسبة للانتخابات التى وصل من خلالها أردوغان إلى السلطة مرة أخرى، يؤمن يادلين أنها ليست سوى جانب واحد من جوانب الديموقراطية. إذ ساهم أردوغان فى تآكل جميع الجوانب الأخرى مثل الضوابط والتوازنات بين فروع الحكومة، الأكاديمية والحريات الصحفية، وحقوق الإنسان.
واستكمل “لم تكن إسرائيل، بصراحة، قلقة بشكل مفرط من حقيقة أن الدول العربية التى سعت معها لتطبيع العلاقات لم تكن ديموقراطية. على العكس من ذلك، كانت تل أبيب تخشى أحيانًا أن تجلب الديموقراطية المتسارعة إلى السلطة حركات إسلامية راديكالية، كما حدث فى مصر فى عام 2012. وبالنظر إلى هذه الخلفية، لا ينبغى أن تكون خطوات أردوغان المناهضة للديمقراطية بحد ذاتها عائقًا أمام التعاون الاستراتيجى القائم على المصالح المشتركة”.
يختتم يادلين تعليقه بالقول “لكن الحكومة الإسرائيلية تحتاج إلى توخى الحذر من تبنى سياسات يقوم أردوغان الآن بتنفيذها؛ كتغيير قواعد اختيار القضاة، وتكميم أفواه وسائل الإعلام وجعل الأخبار المزيفة والادعاءات الكاذبة أداة للبقاء السياسى”.
***
من جانبها، تؤكد الكاتبة الصحفية المتخصصة فى الشئون الخارجية، بازيت رافينا، فى صحيفة “ميكور ريشون” الإسرائيلية، أن كل المؤشرات تدلل على استمرار تركيا وإسرائيل فى التطبيع، إذ امتنع أردوغان عن تأجيج أنصاره خلال أعمال الشغب والاعتداءات فى إبريل/نيسان الماضى على الحرم القدسى الشريف وقصف غزة. وبرغم إعلان المخابرات التركية، قبل أيام من الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أنها ضبطت عصابة من عملاء الموساد تعمل ضد إيران على الأراضى التركية، امتنعت إسرائيل عن أى تصريحات رسمية. كما كان الرئيس الإسرائيلى هرتسوج ورئيس الوزراء نتنياهو من أوائل القادة الأجانب الذين هنأوا أردوغان على فوزه بعد ظهور نتيجة الانتخابات.
أحد الجوانب الإيجابية الأخرى للعلاقات الثنائية بين تركيا وإسرائيل ينبع ــ بحسب رافينا ــ من ازدهار العلاقات الاقتصادية والأمنية بين إسرائيل وأذربيجان (دولة شقيقة لتركيا). كما أن هذه الروابط الثلاثية تعزز مكانة تركيا الإقليمية فى مواجهة إيران فى كل من الشرق الأوسط والقوقاز.
أنهت رافينا تعليقها بالحديث عن «أين تقف تركيا» بشكل عام، ذكرت رافينا أن هناك حدثين قادمين سيوضحان هذا الأمر وهما؛ قرار تركيا بشأن عضوية السويد فى حلف الناتو المقرر عقدها بمدينة فيلنيوس عاصمة ليتوانيا، يومى 11ــ12 يوليو/تموز القادم. الحدث الثانى فى 29 أكتوبر/تشرين الأول القادم، إذ تحتفل تركيا بالذكرى المئوية لإعلان الجمهورية. فى الحقيقة، ظل أردوغان يخطط لهذه الذكرى منذ سنوات، وستكون الاحتفالات العلمانية المؤسسة لتركيا مثيرة للاهتمام وترسخ إرث أردوغان، كما أنها قد توفر فرصة لتعزيز الانفراج فى المنطقة.
***
أما نمرود جورين، رئيس معهد “متفيم” الإسرائيلى للسياسات الخارجية الإقليمية، فيقول إن العلاقات التركية الإسرائيلية شهدت العديد من التقلبات خلال السنوات الـ21 الماضية من حكم أردوغان، لكن الثابت الوحيد هو النمو المطرد فى التجارة الثنائية بين البلدين.
وأضاف: “مع دخول أردوغان فترة ولايته الجديدة، تسير العلاقات السياسية فى اتجاه تصاعدى. ففى فترة حكومة بينيت ــ لابيد السابقة، تمت استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين أنقرة وتل أبيب، كما ظلت عملية التطبيع مستدامة فى ظل حكومة نتنياهو الحالية، حتى بعد التوترات حول الأماكن المقدسة فى القدس خلال شهر رمضان الماضى، وجولة من الحرب فى غزة، وسباق انتخابى محكم فى تركيا. بينما فى المرات السابقة، أدت هذه التطورات إلى تدهور فى العلاقات”.
كما هو الحال مع العلاقات الإقليمية الإسرائيلية الأخرى، يرى جورين أن التطورات على الجبهة الفلسطينية “ستؤثر على مستقبل علاقاتها مع تركيا. وسيؤدى التقارب بين تركيا ومصر إلى التعاون الثلاثى بين أنقرة وتل أبيب والقاهرة، والذى لم يكن ممكنًا منذ سنوات، مما يساهم فى عقد مبادرات فى شرق البحر الأبيض المتوسط”.
أخيرا، يركز جورين على تعزيز تعاون المجتمع المدنى بين تركيا وإسرائيل، والذى يعد فى مرتبة متأخرة مقارنة بالمشاركة الحكومية والتجارية، إذ هناك جهود مجتمعية فى البلدين لحماية الديموقراطية وسيكون هناك فوائد محتملة من مشاركة أفضل الممارسات ووسائل احترام الحقوق والحريات.
(*) بالتزامن مع “الشروق“.. والنص الأصلي في “منبر القدس الإستراتيجي“.