تبنى الكاتب روبرت رايتش في مقاله أيضا رؤية مغايرة لمسألة تمرد قائد قوات فاغنر على بوتين الأسبوع الماضي، الكاتب يرى أنه عندما بدأت تسوء أحوال الحرب في أوكرانيا في غير صالح روسيا، سمح بوتين لبريجوجين بالتمرد وتوجيه انتقادات لقادة الجيش الروسي، بغرض تغيير دفة اللوم ونفي المسئولية من على بوتين، والدليل هو إسقاط كافة التهم الموجهة لبريجوجين في بيلاروسيا، مما يثبت وجود تواطؤ بين الرجلين.. نعرض من المقال ما يلي:
استهل الكاتب حديثه قائلا أن هناك شكا في أن يفجيني بريجوجين، قائد قوات فاغنر، يشكل تحديا قاتلا لسلطة بوتين. هذا الشك نابع من حقيقة الأدوار التي طلب بوتين من بريجوجين لعبها، والتي توضح طبيعة اعتماد كل رجل على الآخر.
بداية، لماذا سمح بوتين لبريجوجين بقيادة جيش خاص لمهاجمة أوكرانيا خارج إطار الجيش النظامي الروسي؟ ربما تكمن الإجابة في أن بوتين لا يثق بالجنرالات الروس للقيام بهذه المهمة، ولم يكن يريد المخاطرة بأن ينقلب الجنرالات عليه.
قبل ذلك، وبدءًا من عام 2014، كان بريجوجين يدير ما يُعرف بـ”وكالة أبحاث الإنترنت”، وهي شركة روسية سيئة السمعة تعمل في الدعاية عبر الإنترنت لشن حملات تضليل إعلامية. ووفقا لتقرير صادر عن الاستخبارات الأمريكية، بدأت الشركة الروسية في الدعوة إلى انتخاب الرئيس ترامب منذ ديسمبر/كانون الأول 2015، إذ استخدمت الوكالة حسابات مزيفة مسجلة على مواقع التواصل الاجتماعي الرئيسية للتأثير على الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة عام 2016.
على مر التاريخ، أنشأ الحكام المستبدون جيوشا خاصة خارج إطار الجيوش الشرعية، يديرها أشخاص مثل بريجوجين، هؤلاء الأشخاص يكونون موالين شخصيًا للحكام. هذا يعطي الطغاة المرونة لفعل ما يريدون دون معارضة من أجهزة الدولة
وبالفعل، وجهت وزارة العدل الأمريكية في عام 2018 لائحة اتهام إلى بريجوجين و12 من كبار موظفيه في الوكالة للتدخل في انتخابات عام 2016 لصالح ترامب، بناءً على أدلة من روبرت مولر، والذي تم تعيينه كمستشار خاص يشرف على التحقيق في التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية 2016 والمسائل ذات الصلة، بما في ذلك أي روابط بين الحكومة الروسية وحملة دونالد ترامب.
طبعا نفى بوتين تورطه. وقال ترامب إن بوتين صادق وليس استنتاجات المخابرات الأمريكية.
***
بحلول الوقت الذي غزا فيه بوتين أوكرانيا في فبراير/شباط من العام الماضي، كان عدد جيش مرتزقة بريجوجين يزيد على 30 ألفا، بما في ذلك آلاف السجناء في معسكرات العمل الروسية الذين وعد بريجوجين بالإفراج عنهم إذا خاطروا بحياتهم على خطوط الحرب الأمامية ونجوا.
لكن عندما بدأت الحرب الأوكرانية تسير بشكل سيء بالنسبة لروسيا، ألقى بريجوجين باللوم على عدم كفاءة وفساد الجنرالات الروس. أدى هذا إلى إبعاد التوتر عن بوتين بينما وضعه على الجنرالات. ولا يمكن تصور أن بريجوجين وجه انتقاداته اللاذعة دون أن يمنحه بوتين الإذن (لأن قادة الجيوش الخاصة لهم ولاء للحكام)! فهل بوتين شجع بريجوجين على مواجهة الجنرالات، كوسيلة لهز الجيش الروسي بينما يعفي بوتين من المسئولية إذا هُزم؟! اتفاق بوتين الذي سمح لبريجوجين بالذهاب سالما إلى المنفى في بيلاروسيا وإسقاط جميع التهم الموجهة إليه يشير إلى بعض التواطؤ.
قد لا نعرف أبدًا القصة الحقيقية لما حدث قبل أسبوع تقريبا، ولكن لا يبدو أن مهمة بريجوجين انتهت، ولا حتى بوتين.
***
على مر التاريخ، أنشأ الحكام المستبدون جيوشا خاصة خارج إطار الجيوش الشرعية، يديرها أشخاص مثل بريجوجين، هؤلاء الأشخاص يكونون موالين شخصيًا للحكام. هذا يعطي الطغاة المرونة لفعل ما يريدون دون معارضة من أجهزة الدولة. إذ أن هذا يحميهم من تمرد مرؤوسيهم في قيادة الجيش. ويمنحهم القدرة على الإنكار عندما تسوء العمليات.
بعبارة أخرى، لا يثق الطغاة بأحد – لا سيما القادة الاستخباراتيين أو المدعين العامين أو الجنرالات – ولهذا السبب يأخذون بعض هذه الوظائف بعيدًا عن الدولة ويخلقون مراكز قوة منفصلة خاصة بهم، يرأسها موالون شخصيون. وهذا يقودنا إلى ترامب الذي قلد بوتين.
ليس من قبيل المصادفة أن ترامب ذهب لمحاربة مكتب التحقيقات الفيدرالي “أف بي آي” ووزارة العدل وبقية ما يسمى بـ”الدولة العميقة”، وطرد جيمس كومي (المدير السابق لمكتب التحقيقات الفدرالي) في عام 2017 في غمرة تحقيقه في التدخّلات الأجنبية في انتخابات 2016 الرئاسية والتي يشتبه في أنّها ساهمت في فوز ترامب المفاجئ. كما أقال الرئيس الأمريكي السابق وزير العدل، جيف سيشنز، بسبب التحقيقات بشأن التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة. باختصار، سيشنز وكومي أظهرا ولاءً للأمة أكثر من ولائهما لترامب.
انتهى الأمر بترامب في البيت الأبيض وله الكثير من الموالين بداخله. ومن خلال عملهم بشكل مستقل، منحوا ترامب المرونة وإمكانية الإنكار التي أرادها. وإذا كانت هناك ولاية ثانية لترامب، فقد أوضح الأخير بالفعل طريقة حكمه حيث سيعمد إلى استبدال الكثير ممن في السلطة التنفيذية بآخرين موالين له.
ترامب يعرف كيف يحكم مثل بوتين”.
(*) بالتزامن مع “الشروق“