قراءة أمريكية: “نظام بوتين لا ينتهي إلا بموت الدكتاتور”!

فى محاولة لتخيل الطريقة التى يمكن أن ينهار بها حكم فلاديمير بوتين، نشرت مجلة The New Yorker مقالا للكاتب كيث جيسين، أورد فيه آراء خبراء فى الشأن الروسى حول هذه المسألة. الخبراء ـ كلهم عملوا بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIAــ أجمعوا أنه لا يمكن تصور روسيا بدون بوتين، إذ لا يوجد بديل يتمتع بشعبية ليحل محله.

استبعد الخبراء الأمريكيون الذين تم التحدث إليهم احتمال وقوع انقلاب عسكرى في روسيا، لأن البلاد دخلت مرحلة الاستبداد الراسخ والتى تعنى سيطرة الحاكم على السلطة لدرجة عدم مقدرة حلفائه على الإطاحة به. ورأى هؤلاء الخبراء أن الأنظمة الاستبدادية الراسخة، مثل نظام بوتين، تنتهى بموت الديكتاتور، وأن وجود أمراء حرب مثل يجغيني بريجوجين ورمضان قديروف، رئيس جمهورية الشيشان، فى فترة ما بعد بوتين يمكن أن يدخل روسيا فى «سيناريو سودانى».
بداية، ظل الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى السلطة لأكثر من عقدين، فكر الكثير فى مسألة وفاته بسبب كبر السن، وقام قائد قوات “فاغنر”، يفجينى بريجوجين، بالتمرد فى الأسبوع الماضى وسيطر على أحد المقار العسكرية فى البلاد، وسار باتجاه العاصمة موسكو لكن انتهى التمرد وبوتين لا يزال فى الحكم.

***

استهل كاتب المقال حديثه بأنه منذ بدء الحرب فى أوكرانيا، فكر الخبراء فى الطرق التى يمكن أن ينهار بها نظام بوتين. بيتر كليمنت، المدير السابق فى تحليل الشئون الروسية بوكالة المخابرات المركزية (سى آى إيه)، أشار إلى أن أعضاء مجلس الأمن التابع لبوتين، بعد تمرد يفجينى الأخير، أصبحوا «متواطئين الآن. لقد وقعوا جميعا». ولهذا السبب، اعتقد كليمنت أنه من المرجح أن يأتى التحرك ضد بوتين من الدائرة الثانية، من شخص ليس ظاهرا فى الواجهة، شخص لم نسمع عنه، شخص يجب أن يكون لديه أجهزة كافية على متن طائرة، لأنه سيحتاج إلى اعتقال الرئيس جسديًا، كما يجب عليه أن يكون مستعدا لإدارة البلاد، لأن روسيا دولة كبيرة وفى خضم حرب طويلة. هذا الشخص يجب أن يكون لديه خطة، لكن كليمنت واجه صعوبة فى التفكير فى الأشخاص الذين قد يكون لديهم هذه الخطة.

عزّز بوتين سيطرته على بيئة المعلومات؛ والأشخاص الأكثر استياء من حكمه يغادرون البلاد. والأهم من ذلك، ليس هناك بديل لبوتين: إذ أن أمراء الحرب لا يتمتعون بشعبية سياسية، كما أن خصمه، أليكسى نافالنى، حرم من الطعام والنوم والرعاية الطبية فى سجن روسى. إذن، فى غياب بديل، سيستمر الوضع الراهن

أما أندريا كيندال تيلور المحللة السابقة بوكالة المخابرات المركزية لشئون روسيا وأوراسيا بين عامى 2015 و2018، فقد ذكرت أن أدبيات العلوم السياسية تناولت كيف تساقط الأنظمة الاستبدادية. فمن بين 473 نظاما استبداديا سقطوا بين عامى 1950 و2012، سقط 153 منهم عن طريق الانقلاب العسكرى. بعد نهاية الحرب الباردة، توقفت الولايات المتحدة عن دعم الكثير من الديكتاتوريات العسكرية، والتى تميل إلى الانقلاب العسكرى. وأوضحت أنه من غير المحتمل أن تتحرك الأجهزة الأمنية، أو أى شخص من الدائرة المقربة لبوتين، ضد الرئيس الروسى، لأن النظام دخل المرحلة التى أطلق عليها عالم السياسة ــ ميلان دبليو سفوليك ــ «الاستبداد الراسخ». ففى ظل هذا النظام، احتكر الزعيم السلطة إلى درجة أنه لم يعد من الممكن تهديده بما يسميه سفوليك «تمرد الحلفاء». رأت كيندال تيلور أن معظم الديكتاتوريات، مثل نظام بوتين، انتهت بموت الديكتاتور فى السلطة، خاصة عندما كان الديكتاتور أكبر من خمسة وستين عاما (بوتين يبلغ من العمر سبعين عاما). وهذا هو السيناريو الأكثر ترجيحا إلى حد بعيد.
كيندال تيلور قالت إنه فى عالم ما بعد بوتين، فإن وجود أمراء حرب مثل بريجوجين ورمضان قديروف، رئيس جمهورية الشيشان، يمكن أن يؤدى إلى «سيناريو سودانى»، تبدأ فيه هذه القوات حربا أهلية. على كلٍ، بريجوجين لم يكن ليشن تمردا فعليا، بدت انتقاداته للجيش ذات أهمية رمزية فقط، وهى علامة على أن النخبة فى حالة فوضى.
فى الذكرى الأولى للغزو الروسى لأوكرانيا، دعت كيندال تيلور مجموعة من الخبراء لتعقب مدى استقرار نظام بوتين. واعتبارا من ربيع هذا العام، كانت عدة عوامل تسير فى غير صالح بوتين: فالنخبة الخاصة به أصبحت مجزأة؛ واقتصاده يعانى من آثار الحرب والعقوبات. أما جيشه، غير السياسى تاريخيًا، فقد تم جره إلى الساحة السياسية بسبب المخاوف من نفوذ بريجوجين المتزايد ووصوله إلى الموارد العسكرية. لكن العوامل التى تسير فى الاتجاه الآخر كانت أكثر عددا: عزز بوتين سيطرته على بيئة المعلومات؛ والأشخاص الأكثر استياء من حكمه يغادرون البلاد. والأهم من ذلك، ليس هناك بديل لبوتين: إذ أن أمراء الحرب لا يتمتعون بشعبية سياسية، كما أن خصمه، أليكسى نافالنى، حرم من الطعام والنوم والرعاية الطبية فى سجن روسى. إذن، فى غياب بديل، سيستمر الوضع الراهن.

***

يقول كاتب المقال إنه فى الأنظمة الديكتاتورية، تشكل الحرب عامل ضغط. إذ تفرض أعباء على الاقتصاد وعلى الأجهزة الأمنية، كما أن لها طريقة لا يمكن التنبؤ بها. بين عامى 1919 و2003، وفقا لعلماء السياسة، فقد ما يقرب من نصف جميع الحكام الذين خسروا الحروب السلطة فى غضون عام (تم إرسال نصف هؤلاء إلى المنفى وسجن ما يقرب من ثلثهم). وينطبق هذا أيضا على التاريخ الروسى. أدت خسائر الحرب، مثل هزيمة روسيا عام 1905 أمام اليابان، فى بعض الأحيان إلى تحولات جذرية فى الحياة السياسية للبلاد. فى عام 1905، أدى ذلك إلى انتفاضة أجبرت القيصر على منح شعبه دستورا. فى عام 1917، كانت صراعات الجيش الروسى فى الحرب العالمية الأولى عاملا رئيسيا فى إخراج القيصر من السلطة.

أشار كليمنت، المدير السابق فى تحليل الشئون الروسية بوكالة المخابرات المركزية (سى آى إيه)، إلى حادثة وقعت خلال الحرب العراقية الإيرانية، اقترح فيها أحد مستشارى صدام حسين أن هناك طريقة لإحلال السلام تتمثل فى أن يتنحى صدام مؤقتا عن منصب رئيس الوزراء. تم إعدام الرجل وتسليم أشلاء جثته إلى أسرته فى اليوم التالى

ومع ذلك، الحروب لها جانب إيجابى لدى المستبدين. بمعنى أنهم يقدمون ذريعة لزيادة القمع والاستيلاء على مساحة المعلومات. والقمع يجعل الناس أكثر خوفا من التعبير عن معارضتهم والخروج إلى الشارع. فى الحرب الأوكرانية استطاعت أجهزة الأمن الروسية الرد على الاحتجاج ببعض ضبط النفس. إذ أنهم لا يبالغون فى رد فعلهم بطرق يمكن أن تتصاعد وتؤدى إلى رد فعل شعبى. هم يستخدمون تقنيات التعرف على الوجه وأشياء أخرى بدلا من ضرب الناس فى الميادين، وهذا يميل إلى التخفيف من بعض مخاطر الرفض العلنى الكامنة فى النظم القمعية.
من ناحية أخرى، قد تكون قدرة القمع على تقليل تدفق المعلومات خطرة على النظام. إذ لا يعرف الناس مدى استياء الآخرين، وكذلك الحكومة لا تعرف ذلك. على سبيل المثال، محمد البوعزيزى، بائع الفاكهة التونسى الذى أضرم النار فى نفسه فى ديسمبر/كانون الأول 2010 وبدأ بسببه الربيع العربى، كان مثالا على الجانب السلبى للقمع. فى تونس، أدى عمل مثل هذا إلى انتفاضة شعبية وسقوط نظام كان فى السلطة منذ عقود.

إقرأ على موقع 180  تقارب إيران والسعودية برعاية الصين.. إنجاز دبلوماسي بامتياز

***

اختتم كاتب المقال حديثه قائلا: “لا يستطع أحد أن يتخيل روسيا من دون بوتين. وحتى لو كان هناك حديث فى الدائرة المقربة للرئيس الروسى بمطالبته بعدم الترشح فى الانتخابات الرئاسية عام 2024. المشكلة فى ذلك هى، من هو الشخص الذى سيذهب إلى هناك ويقول له ذلك؟ من سيقول، «فلاديمير، انظر: أنت رجل ثرى جدا، يمكنك الذهاب والتقاعد والعيش فى سعادة دائمة». أشار كليمنت، المدير السابق فى تحليل الشئون الروسية بوكالة المخابرات المركزية (سى آى إيه)، إلى حادثة وقعت خلال الحرب العراقية الإيرانية، اقترح فيها أحد مستشارى صدام حسين أن هناك طريقة لإحلال السلام تتمثل فى أن يتنحى صدام مؤقتا عن منصب رئيس الوزراء. تم إعدام الرجل وتسليم أشلاء جثته إلى أسرته فى اليوم التالى. قال كليمنت: «الدكتاتوريون لا يحبون أن يقال لهم إن عليهم التقاعد». فهل يمكن لبوتين أن يتقاعد بالفعل؟ من يستطيع أن يضمن سلامته؟ إنه ليس مثل نيكيتا خروتشوف، الذى حكم الاتحاد السوفييتى من 1953 إلى 1964 وتمت الإطاحة به فى النهاية، إنه شخص له الكثير من الأعداء”.
كما قالت كيندال تيلور: «معظم ما يميز هذه الأنظمة هو أن لا أحد يعرف مدى انتشار السخط، والشخص الذى سار مع جيش صغير على بعد مئات الأميال عبر روسيا، دون مواجهة أى مقاومة حقيقية، لا يعنى أن النظام فى خطر الانهيار الوشيك، لكنه يشير إلى أن الفرص قد زادت قليلا. هذه هى الطريقة التى تتفكك بها هذه الأنظمة».
(*) المصدر: جريدة “الشروق“. النص الأصلى: The New Yorker

Print Friendly, PDF & Email
Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  بوتين وسليماني.. قصة إلتزام متبادل في سوريا هذه وقائعها