“يرسم خطاب زعيم حزب الله (السيد) حسن نصرالله، بمناسبة مرور 17 عاماً على حرب لبنان الثانية، معادلة جديدة، ويُدخل إسرائيل والحزب “الإرهابي” في فترة توترات يمكن أن تتدهور إلى تصعيد بين الطرفَين.
هدّد نصرالله بأنه لن يسكت على إزالة الخيمة التي نصبها حزب الله في منطقة مزارع شبعا قبل عدة أشهر، والموجودة على بُعد عشرات الأمتار داخل الأراضي الإسرائيلية، ويتواجد فيها مسلحون من الحزب. وربط نصرالله إقامة الخيم بمطالبة لبنان باستعادة سيادته على الجزء الشمالي من قرية الغجر. وتمسّك نصرالله مجدداً بموقفه كـ”درع لبنان”، وتحدث عن تكرار الإنجاز الذي حققه لبنان في المفاوضات على الحدود البحرية، وهذه المرة على طول الحدود البرّية، وترسيخ إنجاز حزب الله في مواجهة إسرائيل.
قبل ساعات من خطابه، أبعد الجيش الإسرائيلي عن السياج الحدودي عدة مشتبه بهم، يبدو أنهم من ناشطي الحزب، وتسبب بإصابتهم بجروح. أشعل ناشطون آخرون النيران بالقرب من المطلة، وجرى إبعادهم عبر إطلاق النار. في الأسبوع الماضي، أُطلق من لبنان صاروخ مضاد للدروع، وكان موجهاً، على ما يبدو، نحو دورية إسرائيلية، وأصاب السياج الحدودي في منطقة قرية الغجر في إسرائيل. وردّت إسرائيل على ذلك بقصف مدفعي استهدف المنطقة التي انطلق منها الصاروخ. حتى اليوم، ليس واضحاً من أطلق الصاروخ، لكن يبدو أن الحادث هو حلقة جديدة في سلسلة استفزازات من طرف حزب الله ضد إسرائيل. في صباح تلك الحادثة، اتّهم حزب الله إسرائيل ببناء جدار جديد، وهذا يعني عملياً ضم الجزء الشمالي من قرية الغجر الواقع خارج الخط الأزرق داخل الأراضي اللبنانية، وفي الأيام التالية، ربطت الحكومة اللبنانية مطالبة إسرائيل بإزالة خيمة حزب الله بمطالبتها بإزالة الجدار في الغجر في جزئها الشمالي، الذي تعتبره الأمم المتحدة أراضيَ لبنانية، ومناقشة كل تحفظات لبنان على طول الخط الأزرق.
في ضوء وقوع خطأ في الحسابات، يمكن أن يجر كلاً من إسرائيل وحزب الله إلى حرب لا يريدها الطرفان، يواصل الجيش استعدادته في الشمال، ويُكثف العائق على الحدود، وذلك لعرقلة خطة وحدة الرضوان التابعة لحزب الله، والتي تهدف إلى غزو الجليل، وللمحافظة على السيادة الإسرائيلية على الحدود
والمعروف أنه سنة 2000، حددت الأمم المتحدة خط الانسحاب من لبنان – الخط الأزرق – في قلب قرية الغجر، التي يُعد سكانها العلويون مواطنين إسرائيليين، بينما الجزء الشمالي موجود في الجانب اللبناني من الخط الأزرق. في السنوات التي تلت ذلك، تمركز حزب الله على مداخل القرية، وقام بهجمات ضد قوات الجيش الإسرائيلي في الجانب الإسرائيلي. بعد حرب لبنان الثانية، جرى عزل قرية الغجر من جهة الشمال بناء على طلب سكانها، لكن عمليّات التهريب المرتبطة بـ”الإرهاب” استمرت عبر القرية. وقد انتهى بناء عائق محكم حول القرية قبل سنة تقريباً بناء على طلب السكان، وجرى إعلان الجزء الشمالي من القرية كمنطقة عسكرية. لكن حزب الله، الذي يشدّد على السيادة اللبنانية في الجزء الشمالي من القرية بالاستناد إلى الخط الأزرق، ينتهك هذا الخط، ويطالب بتقسيم مزارع شبعا الواقعة جنوباً بحجة أنها أرض لبنانية احتلتها إسرائيل، على الرغم من أنها كانت تابعة لسوريا عندما احتلتها إسرائيل.
لقد تصاعد كل من سلسلة الاستفزازت وسير نصرالله حتى حافة الهاوية مع بدء التفاوض على الحدود البحرية في العام الماضي، عندما هدد الحزب علناً بالحرب إذا لم تجرِ الاستجابة لمطالب لبنان، وأطلق مسيرة (جرى اعتراضها) نحو منصة كاريش. لاحقاً، قام نصرالله بالتالي:
-في آذار/مارس، بادر إلى هجوم (عبوة مجدو) غير مسبوق بواسطة “مخرب” مسلح ومزود بعبوات وحزام ناسف اجتاز الحدود اللبنانية للقيام بتفجير كبير (لكنه فشل وأُحبط).
-لم يمنع إطلاق عشرات الصواريخ من جنوب لبنان من جانب “حماس” خلال شهر رمضان في نيسان/أبريل.
-هدّد حرّية سلاح الجو الإسرائيلي في الأجواء اللبنانية بواسطة منظومة دفاع جوي قوية، وزاد من تهديداته بمهاجمة إسرائيل عبر زيادة مخزونه من الصواريخ الدقيقة.
– هدّد إسرائيل بالرد على هجماتها في سوريا ضمن إطار “المعركة بين الحروب”.
-عزّز تواجده العسكري العلني على طول الحدود، خارقاً بذلك قرارات مجلس الأمن، وأقام استعراضات استفزازية للقوة في جنوب لبنان.
-نصب خيمتَين في منطقة مزارع شبعا في الجانب الإسرائيلي من الخط الأزرق، وأُعيدت إحداها إلى الجانب اللبناني. أمَّا الخيم وإطلاق صاروخ على الغجر والاستفزازات على طول السياج، فهي الفصل الجديد من هذا التوجه.
لا يمكننا أن نفصل زيادة الثقة بالنفس التي يُظهرها نصرالله وجرأته عن الأزمة الداخلية في إسرائيل. وليس صدفة أن يضع نصرالله في هذا التوقيت الحالي معادلة جديدة خطرة في الغجر على الرغم من أن بناء الجدار حول القرية انتهى في أيلول/سبتمبر الماضي. نصرالله الذي يواجه انتقادات متزايدة من الداخل اللبناني يريد أن يعزز صورته بوصفه “درع لبنان”، لكنه في الحقيقة يفرض نفسه كزعيم يتصرف دفاعاً عن سلاحه الذي هو موضع خلاف. بخطواته هذه، يُظهر نصرالله أنه واثق بتقديره أن إسرائيل لن تتجرأ على المخاطرة بتصعيد في ضوء ضعفها، وفي ظل مواجهة سياسية تقسمها من الداخل، وتمس بوحدتها الداخلية وبقدرتها على الصمود، وتزعزع علاقتها بركيزتها الاستراتيجية؛ الولايات المتحدة. صحيح أن وزير الدفاع ورئيس الاستخبارات العسكرية هددا، لكن ثمة شك في أن كلامهما هذا سيكفي لتغيير وجهة الأمور.
عموماً، ردع إسرائيل في مواجهة حزب الله تآكل، كما قال نصرالله في خطابه، والمطلوب من إسرائيل ترميمه من أجل لجم وتيرة الاستفزازات، وقبل أن تتسبب بتصعيد واسع النطاق. لهذه الغاية، إن إسرائيل والجيش الإسرائيلي في حاجة إلى العمل على تقويض “غطرسة” نصرالله بواسطة عمليّات تُخرجه من المنطقة المريحة له، التي هو فيها الآن، وتزعزع ثقته بقدرته على توقع خطوات إسرائيل.
لهذه الغاية، يتعين على إسرائيل أن تنتهج سياسة عاقلة محسوبة ودقيقة تستند إلى حجة ملائمة، ولا تؤدي إلى تصعيد يصل إلى حرب، التي في جميع الأحوال يجب أن نستعد لها. في أيار/مايو الماضي، قدّر رئيس الاستخبارات العسكرية أن “هجوم مجدو لم يكن حادثاً منفرداً، ونصرالله يمكن أن يخطىء في الحسابات”. بناء على ذلك، فإن ثقة نصرالله المفرطة بنفسه يمكن أن تمنح إسرائيل، عاجلاً أم آجلاً، الفرصة المناسبة كي تتحرك.
في هذه المرحلة، إن الخيمة التي أقامها حزب الله في مزارع شبعا لا تشكّل مشكلة عسكرية، ويمكن الاستمرار بمعالجة المسألة عبر القنوات الدبلوماسية. وكما قلنا، فقد سبق وجرى نقل إحدى الخيمتَين، والخيمة الثانية موجودة في منطقة عسكرية، وليست قريبة من أي مستوطنة في إسرائيل، ولا تشكّل تهديداً مباشراً. لكن في ضوء استمرار الاهتمام بالموضوع، وفي ضوء المعادلة الجديدة غير المقبولة، التي يريد عن طريقها نصرالله المقايضة بين الخيم وقرية الغجر، وربما في كل منطقة توجد تحفظات عليها على طول الخط الأزرق، لا يمكن القبول بهذه الاستفزازت لوقت طويل، وسيحين الوقت الذي يجب فيه أن نتحرك من أجل إزالتها بصورة مبتكرة تفاجىء حزب الله.
في هذه الأثناء، يتعين على إسرائيل زيادة الضغط على نصرالله بواسطة الدولة اللبنانية والطائفة الشيعية، ونقل رسائل واضحة:
-نهاية استفزازت حزب الله سيكون عن طريق رد قاسٍ وغير متوقع من جانب إسرائيل؛ وسَيْرُ نصرالله حتى حافة الهاوية يمكن أن يتضح مرة أُخرى كما جرى قبل 17 عاماً كرهان غير مسوؤل سينتهي به إلى الوقوع في الهاوية، وسيأخذ معه شعبه ولبنان بأكمله، الذي هو منهار تلقائياً بسببه.
-أي عمل عدائي من طرف حزب الله سيُرد عليه برد أقسى وغير متوقع، وتبادل الضربات يمكن أن يتحول بسرعة إلى تصعيد وحرب شاملة، ولن يقتصر الأمر على “أيام من القتال”.
-يجب تحذير سكان جنوب لبنان بالابتعاد، منذ الآن، عن البنى العسكرية المقامة بالقرب منهم.
بخطواته هذه، يُظهر نصرالله أنه واثق بتقديره أن إسرائيل لن تتجرأ على المخاطرة بتصعيد في ضوء ضعفها، وفي ظل مواجهة سياسية تقسمها من الداخل، وتمس بوحدتها الداخلية وبقدرتها على الصمود، وتزعزع علاقتها بركيزتها الاستراتيجية؛ الولايات المتحدة
في ضوء وقوع خطأ في الحسابات، يمكن أن يجر كلاً من إسرائيل وحزب الله إلى حرب لا يريدها الطرفان، يواصل الجيش استعدادته في الشمال، ويُكثف العائق على الحدود، وذلك لعرقلة خطة وحدة الرضوان التابعة لحزب الله، والتي تهدف إلى غزو الجليل، وللمحافظة على السيادة الإسرائيلية على الحدود. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن توسيع عمليات الجيش في الضفة الغربية ضروري من أجل مواجهة الإرهاب هناك، لكن هذا جاء على حساب إعداد القوات للحرب في الشمال. لذلك، من المهم العمل على تثيبت الوضع على الأرض هناك عبر سياسة مسؤولة، بما في ذلك تقوية السلطة الفلسطينية واستنئاف التعاون الأمني معها، والحد بسرعة من نفوذ العناصر التي تقوّض الاستقرار في الضفة الغربية بقيادة المستوطنين المتطرفين على الأرض وداخل الحكومة.
في النهاية، لسنا في حاجة إلى التذكير بأن التوتر على الحدود الشمالية وفي الساحة الفلسطينية والتآكل في الدرع الإسرائيلي كلّها أمور لها علاقة بالأزمة الداخلية في إسرائيل. ما قاله وزير الدفاع قبل إقالته في آذار/مارس الماضي لا يزال صحيحاً حتى اليوم. من هنا، فإن وضع الانقلاب القضائي على الرف هو أمر الساعة، وسيكون الخطوة التي ستعزز بصورة مباشرة وعميقة الردع في مواجهة أعدائنا في جميع القطاعات، وخصوصاً في الساحة الشمالية”. (المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية).