في هذه المدينة السويسرية، أُسدل الستار على معاهدة سيفر، التي وقّعتها الدولة العثمانية مع الحلفاء في 15 آب/أغسطس 1920 والتي اعترفت بجزء من حقوق الشعب الكردي بمنحه حكمًا ذاتيًا في شرق الأناضول.
وفي السنوات الأخيرة احتدم الجدل حول معاهدة لوزان، والأبعاد الجيوستراتيجية المترتبة عليها، والأمر لا يخصّ الدول الأطراف الموقعة على المعاهدة، بل يمتدّ تأثيرها إلى حوض المتوسط وعموم الشرق الأوسط.
تتألف المعاهدة من 143 مادة تتعلّق بإنهاء حالة الحرب، وتأسيس علاقات الصداقة والتجارة، واحترام السيادة والاستقلال للدول الموقِّعة وفقًا للمبادئ العامة للقانون الدولي. وقد أُبرمت المعاهدة بين بريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان واليونان ورومانيا وصربيا وكرواتيا من جانب، وتركيا من الجانب الآخر. وفي هذه المعاهدة تمّ تحديد الحدود الجديدة بين تركيا من جهة وبلغاريا واليونان وسوريا والعراق وقبرص والنمسا والمجر وبولونيا ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا وغيرها من جهة أخرى، وإن بقيت بعض المشكلات معلّقة، وتنازلت تركيا عن امتيازاتها على مصر والسودان ومناطق أخرى كانت تحت رعاية الإمبراطورية العثمانية، وتمّ الاتفاق على مبدأ حريّة المرور والملاحة في البحر والجو في مضيق الدردنيل وبحر مرمرة والبوسفور.
وتقرّر منح الأتراك المقيمين بصفة اعتبارية في إقليم مفصول عن تركيا جنسية البلد الآخر حسب المعاهدة. وتعهّدت تركيا بحماية الأقليات دون تمييز بسبب المولد أو الجنسية أو اللغة أو العرق أو الدين، بما فيها حقّ الأقليات غير المسلمة بالحريّة الكاملة في التنقّل والهجرة وبنفس الحقوق المدنية والسياسية التي يتمتّع بها المسلمون.
لعلّ من أهم الانتقادات التي توجّه إلى معاهدة لوزان، أنها وفّرت غطاءً دوليًا وقانونيًا لطرد سكان منطقة ما لاعتبارات دينية أو إثنية وفقًا لترتيبات الدولتين المنتصرتين، الأمر الذي ترك عواقب وخيمة على دول المنطقة وقوّض أسس التعدديّة الثقافية، بل وضع عقبات جديّة أمام التنوّع الديني والإثني بالتجاوز على الهويّات الفرعية
لكن معاهدة لوزان التي بدت شاملة لكلّ شعوب المنطقة، استثنت الشعب الكردي من أية تسويات تضمن حقوقه ومستقبله، علمًا بأنه أصبح موّزعًا بين أربع دول أساسية، وهي تركيا وإيران والعراق وسوريا، بالإضافة إلى قسم منه في أذربيجان وأرمينيا.
ومنذ ذلك التاريخ وإلى اليوم، فإن الشعب الكردي ظلّ محرومًا من حقّه في تقرير المصير وإقامة كيانية خاصة به تُعبّر عن طموحه وآماله.
وإذا استثنينا “فيدرالية إقليم كردستان”، التي ما تزال تتجاذبها الكثير من عناصر الشدّ والجذب الإقليميين، فإن الشعب الكردي عانى من إجحاف معاهدة لوزان، ومن غُبن وتنكّر الحلفاء بالتجاوز على معاهدة سيفر، وما زاد على ذلك ظلم حكومات المنطقة وعدم اعترافها بحقوقهم القومية المشروعة والعادلة، وقد لعبت القوى الدولية دورها في ذلك باستخدام المسألة الكردية ورقة بيدها ضدّ الدول التي يوجد فيها الكرد، وليس لصالحهم، بل لمصالحها الأنانية الضيّقة.
وبالطبع فإن وِزر معاهدة لوزان، وما ترتّب عليها من تشكيلات دولية ورسم حدود وقطع وضم وبتر وإلغاء يقع على عاتق بريطانيا وفرنسا بالدرجة الأساسية. ولعلّ من أهم الانتقادات التي توجّه إلى معاهدة لوزان، أنها وفّرت غطاءً دوليًا وقانونيًا لطرد سكان منطقة ما لاعتبارات دينية أو إثنية وفقًا لترتيبات الدولتين المنتصرتين، الأمر الذي ترك عواقب وخيمة على دول المنطقة وقوّض أسس التعدديّة الثقافية، بل وضع عقبات جديّة أمام التنوّع الديني والإثني بالتجاوز على الهويّات الفرعية والخصوصيات، بل وعموم حقوق الإنسان.
لقد غابت المسألة الكردية من الأروقة الدولية طيلة سنوات القرن العشرين تقريبًا، على الرغم من انتفاضات الكرد، حتى عادت مجدّدًا بصدور القرار 688 في 5 نيسان/أبريل 1991 بعد غزو القوات العراقية للكويت، وبعد حرب تحريرها، التي شهدت فرض حصار دولي شامل على العراق، حيث دعا هذا القرار إلى وقف القمع الذي تتعرّض له المنطقة الكردية وبقية مناطق العراق.
واعتُبر هذا القمع تهديدًا خطيرًا للسلم والأمن الدوليين، وطالب الأمين العام للأمم المتحدة إبقاء هذا الملف مفتوحًا، وإشعار مجلس الأمن بتطورات الموقف. وهو ما ترتّب عليه إقامة منطقة الملاذ الآمن في كردستان، بعد سحب الحكومة العراقية مؤسساتها الحكومية وإدارتها المالية من الإقليم، الذي أقيمت فيه لأول مرّة في التاريخ إدارة كردية مستقلّة، أعلنت من جانبها ومن طرف واحد الفيدرالية مع العراق العربي، وهو ما تحقّق بعد إطاحة النظام العراقي بالاحتلال الأمريكي العام 2003.
وبمرور 100 عام على معاهدة لوزان، هل تحقّق الأمن الإقليمي، أم ثمة إشكاليات ومشكلات جديدة ومعقّدة في ظلّ غياب حلول سلمية للقضية الكردية المعتقة؟
بتقديري أن المسألة تحتاج إلى إعادة قراءة وتفكير جديدين بأهمية ربط السلام بالتنمية، وهذا لن يبلغ هدفه المنشود دون تعاون الأمم الأربع في المنطقة والمقصود بذلك الترك والفرس والعرب والكرد، الذين تربطهم علاقات تاريخية أخوية بعيدة عن ممارسات الحكام وتسلّطهم ونهجهم الاستعلائي، وفقًا للمصالح المشتركة والمنافع المتبادلة.