بعد قرن من الزمن، نعيد تلاوة التاريخ، بالوقائع والوثائق، لنبرهن أن أنطون خليل سعاده كان أول شهيد سياسي أطلق المقاومة العسكرية والإستخبارية والسياسية والقومية ضد الإستيلاء على فلسطين، وقضى شهيدها.
ولد وتنقل وأسّس المنابر والحزب وحله وأعاد تشكيله وسجن وخرج واغترب ونفي وعاد وما كلّ ولا ملّ. وحين سلّمه النظام السوري إلى النظام اللبناني ليتخلصوا منه ومن تهديده ومن فكرته، كان ذلك بأمر صهيوني.
نبدأ من عام 1925 حين كان أنطون سعاده يبلغ من العمر 17 عاماً. يكتب عن القضية الصهيونية وامتداداتها في مجلّة “المجلّة” في ساو باولو. ونقتبس من مقالته الآتي:
“يوجد فريق من اليهود الراقين يفهم العلل وأسبابها ويعرف عقم دعوة الصهيونيين ويحاربها، من أجل اليهود كما من أجل الإنسانية جمعاء. وقد اشتهر من هذا الفريق مورغنثو سفير الولايات المتحدة السابق في تركية. وله في هذا المجال حملات صادقة أثبت فيها فساد الحركة الصهيونية من وجوه كثيرة. ولكن لا يمكننا أن ننتظر من هذا الفريق أن يشهر حرباً على الصهيونية، فذلك ليس من شأنه. ولا يعضد الحركة الصهيونية من العالم الخارجي إلا وعد بلفور بجعل فلسطين وطناً قومياً لليهود. وهذا الوعد هو ضد الرأي العام في الشرق والغرب معاً، فلا الشعوب المسيحية ترضى عنه ولا الشعوب الإسلامية ولا غيرها، لأنه فضلاً عن أنّ فلسطين أرض سورية لا يجيز الحق الطبيعي والاجتماعي إخراج السوريين منها”.
***
في العام 1929 عاد سعاده واستمر بحراكه ونشاطه ونشر الوعي وتأسيس الحالة النهضوية ثم تأسيس الحزب السوري القومي الإجتماعي في العام 1932 وما أن مضت أعوام ثلاثة وبدأ الحزب ينتشر حتى دخل سجنه الأول. وهكذا سار على جلجلة النضال السياسي في الوطن ومن ثم نفي منه إلى اميركا اللاتينية من جديد. ومن هناك، ومن جريدة “الزوبعة” واصل النضال والتحذير.
في العام 1947 عاد أنطون سعاده، وما أن وطأت قدماه أرض الوطن حتى دق ناقوس الخطر الصهيوني مجدداً ـ قبل سقوط فلسطين بعام ـ في خطاب العودة في 2 آذار/مارس 1947:
“إن جهادنا مستمر ويجب أن تذكروا دائماً أن فلسطين السورية، هذا الجناح الجنوبي مُهدد تهديداً خطيراً جداً، إن إرادة القوميين الإجتماعيين هي إنقاذ فلسطين من المطامع اليهودية ومشتركاتها.
ولعلّكم ستسمعون من سيقول لكم أن في إنقاذ فلسطين حيفاً على لبنان واللبنانيين وأمراً لا دخل للبنانيين فيه. إن إنقاذ فلسطين أمرٌ لبنانيٌ في الصميم كما هو أمرٌ شاميٌ في الصميم كما هو أمرٌ فلسطينيٌ في الصميم. إن الخطر اليهودي على فلسطين هو خطر على سورية كلها، هو خطر على جميع هذه الكيانات”.
وبمجرد أن سمعت السلطة اللبنانية المتواطئة هذا الخطاب، قامت فوراً باستصدار مذكرة توقيف بحق أنطون سعاده. فانتقل إلى العمل السري، وبقي الأمر كذلك حتى قدوم موسم الإنتخابات النيابية (1947)، ورغبة كل من القوى السياسية استمالة الناخب القومي لمصلحتها. حينها قاموا بإلغاء المذكرة.
وفي العمل السياسي والتأسيسي الحزبي وكذلك الكفاح المباشر، قام أنطون سعاده بتنظيم الفروع الحزبية في فلسطين واستخدام الوعي القومي لتحليل مجريات الصراع في الجنوب السوري.
ذكرى وعد بلفور
في العام 1947 ولمناسبة ذكرى وعد بلفور، سعى الحزب السوري القومي الإجتماعي لتنظيم مظاهرة في بيروت للتنديد بوعد بلفور وبدعم النضال الفلسطيني. وجهت الدعوة إلى جميع فروع الحزب في لبنان والشام للمشاركة. أصدرت الحكومة اللبنانية قبل ساعات من بدء توافد الحشود قراراً بمنع المظاهرات. سعى سعاده لمنع المواجهة وطلب من الباصات القادمة من الشام أن تعود أدراجها وأصدر بياناً بالمناسبة جاء فيه:
“إن المنع تم في آخر ساعة. لم يخطر في بالنا أن الأمر يبلغ بخصوصيات الحكم إلى هذا الحد البعيد. حد تأدية هذه الخدمة الجلّة لليهود ومطامعهم من الإحتفاظ بسياسة الخصوصيات”.
لم يقتصر المنع على هذه التظاهرة، بل تمادى الأمر بالحكومة اللبنانية إلى إصدار قرار منع مفصّل على قياس عميد الإذاعة في الحزب فايز صايغ لأنه فلسطيني الجنسية. ويمنع القرار من اسمتهم الحكومة بـ”الأجانب” من ممارسة العمل السياسي.
كل أنواع المعوقات زرعت في وجه هذه الحركة ومنابرها وأعضائها الذين كانت فلسطين شغلهم الشاغل.
في تلك الفترة كانت النشرة الرسمية للحزب السوري القومي الإجتماعي تنشر مقتطفات من تقارير يرسلها القوميون من فروع فلسطين وجميعها تتحدث عن اللامبالاة والفوضى التي تتميز بها القيادة الفلسطينية المعروفة بإسم “اللجنة العربية العليا”. أذكر هذا النموذج على سبيل المثال:
“تقرير من القدس في 14 كانون الأول/ديسمبر 1947
- التسلّح بين المواطنين قائم على أساس فردي، بلغ سعر السلاح حداً جنونياً. كثيرون متحمسون للقتال وللتدريب، لكن لا سلاح ولا يوجد خطة لوقف الغزو الإستيطاني”.
كان قرار مجلس الأمن بتقسيم فلسطين في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 1947 خشبة خلاص لتحالف بشارة الخوري-رياض الصلح اللذين كانا من أنصار عدم التدخل عسكريا في القتال في فلسطين. لذلك أدرك سعاده ان سياسة الحكم اللبناني هي الممالأة والتواطؤ إلى حد ما مع المشروع الصهيوني..
وفي ذكرى التقسيم في 1 كانون الأول/ديسمبر 1947 وقبل سقوطها وإعلان الحرب وقيام دولة إسرائيل، أعلن أنطون سعاده أن الكارثة قد وقعت في فلسطين. وفي ما يلي بلاغ سعاده بذكرى التقسيم:
“إن سياسة الرجعة والخصوصيات قد سمحت لأعداء الأمة السورية بالتمكن من سلخ جزء ثمين من جنوب الوطن السوري. كما سمحت لهم بسلخ قسم ثمين من شماله، بل إن تلك السياسة قد ساندت الاعداء على إنزال الكارثة الجديدة بنا وعلى تأليب أمم قوية ضدنا كان يجب أن تحول دون تأليبها علينا!
إن السياسة الخصوصية والرجعية قد نجحت نجاحاً باهراً. إن الكارثة الجنوبية قد وقعت”.
انخراط سلطة لبنان في تقسيم فلسطين
كان النظام اللبناني منخرطاً في مخطط تقسيم فلسطين أسوة بأنظمة عربية عديدة. أثبت ذلك ما ذكره وزير الخارجية السوري عادل إرسلان في مذكراته عن أن الحاج امين الحسيني كتب له يرجوه ألا تعترف سوريا بإسرائيل. وقد استغرب إرسلان طلب الحسيني. وأضاف: “نزلت إلى بيروت وزرت رئيس الجمهورية (بشارة الخوري) فأخبرني أن الوفود العربية في لوزان، وهي وفود مصر والأردن ولبنان وسوريا، قد وقّعت بروتوكولاً على أساس التقسيم. فدُهِشتُ لهذا النّبأ. ثم سألت رئيس وزراء لبنان (رياض الصلح) حقيقة الأمر، فقال لي: “لم أطّلع على شيء وإن وزير الخارجية حميد فرنجية سافر إلى زغرتا” (راجع مذكرات إرسلان – الجزء الثاني ص 831).
من جانب آخر، يقول إرسلان عن تواطؤ حكومة لبنان ما يلي:
“حكومة لبنان تسمح بهجرة اليهود إلى فلسطين، وممثلها في اللجنة الدولية في الأمم المتّحدة يغيب عن الجلسة ساعة الإقتراع على قضية ليبيا وذلك من أجل إيطاليا” (راجع مذكرات إرسلان – الجزء الثاني ص 384).
ضربة عسكرية للبنان
في 8 كانون الثاني/يناير 1948 دخلت ثلاثة أفواج للجيش السوري الأراضي اللبنانية للمشاركة في حرب فلسطين استناداً إلى قرار صادر عن الجامعة العربية بتمركز قوات نظامية على حدود فلسطين. الخطة الهجومية العربية لم يشارك فيها الجيش اللبناني فكبار الضباط كانوا ضد التدخّل العسكري والسماح للوحدات السورية وجيش الإنقاذ بالعمل فقط. لذلك، كتب بن غوريون في مذكراته عن حرب 1948: “يوجد معارضة كبيرة للحرب في لبنان كما يوجد فيه أيضاً عدد كبير من الأصدقاء”.
من هنا، قرر بن غوريون توجيه ضربة عسكرية إلى لبنان وأن تبلغ قوات “الهاغانا” ضفاف نهر الليطاني ووصولاً إلى السّعي لقيام دولة مسيحية صرف (جلسة الحكومة الإسرائيلية في 26 أيار/مايو 1948).
رؤية بن غوريون للبنان
في 25 أيار/مايو 1948، اي بعد عشرة أيام فقط من إعلان قيام دولة إسرائيل، كتب بن غوريون في مذكراته: “إن نقطة الضعف في الإئتلاف العربي هي لبنان، ينبغي إقامة دولة مسيحية يكون حدّها الجنوبي الليطاني وسوف نوقّع معاهدة معها”.
كلامه لم يكن مجرد كلام في الفراغ، بل كان مستنداً إلى شبكة علاقات مع قادة لبنانيين كنسيين وحزبيين ومن بينهم الكتائب اللبنانية والمطران أغناطيوس مبارك والكنيسة المارونية التي كانت قد وقّعت في 30 أيار/مايو 1946 معاهدة سريّة مع الوكالة اليهودية، ذكرت المادة الأولى فيها:
“الإعتراف الكامل بالروابط التاريخية القائمة بين الشعب اليهودي وفلسطين، وبحق الشعب اليهودي في الهجرة إلى فلسطين والإقامة فيها والموافقة على البرنامج الحالي والمُعلَن للوكالة اليهودية والذي يتضمن بشكل خاص إقامة الدولة اليهودية.” (الأرشيف الصهيوني المركزي – ملف س 25/3269).
الكتائب تريد السلاح
في تقرير كتبه إلياهو بن حورين إلى وزير الخارجية موشيه شارييت في 2 تموز/يوليو 1948 بعد لقاء عقده مع المسؤول الكتائبي الياس ربابة يقول: وجهة نظر (بيار) الجميّل أن إرسال الجيش إلى الجنوب فرصة ذهبية للتمرد على بشارة الخوري، وأن على اليهود دفع المال وتقديم السلاح للإستيلاء على لبنان، وأن السلاح يمكن إستلامه من مرافئ صغيرة يسيطر عليها الكتائبيون.
مع الهدنة الثانية في فلسطين في 18 تموز/يوليو 1948، أعلن سعاده أن الوضع في فلسطين كارثي وهذا ما ركّز عليه في مقالاته التي كانت تنشر في جريدتي “كل شيء” و”الشمس” بعدما حجبت السلطة اللبنانية كل صحف الحزب ومنعت النشرات الحزبية.
في أواخر 1948 كانت الفضيحة الكبرى، هزيمة الجيوش العربية وتدفق اللاجئين. في قمة الهزيمة العربية، قرر تحالف الصلح-الخوري تعزيز الوضع الداخلي وانتهاز سياسة سلميّة تجاه المشروع الصهيوني مستغلين الهزيمة من جهة، ووجود تيارات داخلية مهادنة تدعو إلى ترك العرب وشأنهم، من جهة أخرى.
وعن هذه الهزيمة والتآمر العربي على فلسطين قال سعاده في خطاب ألقاه في جزين بجنوب لبنان في 10 تشرين الأول/أكتوبر 1948:
“إن الحرب في فلسطين كانت نزاعاً بين دويلات على ما تبقى من فلسطين وليس على ما أخذ اليهود من فلسطين. ولا يزال هذا النزاع مستمراً لمصلحة اليهود في فلسطين لأنه نزاع خصوصي، إنه سياسة الخصوصيات التي لا ترى مصلحة الأمة بل ترى مصلحة “أنا ومن بعدي الطوفان” ومصلحة “من بعد حماري ما ينبت حشيش”.
مداخلة كمال جنبلاط
في 28 كانون الثاني/يناير 1949، شنّ النائب كمال جنبلاط حملة على رياض الصلح “لقضائه فترة طويلة في الخارج وادعائه أنه يناضل من أجل فلسطين”، ووصف الهجوم الصهيوني على لبنان بالتالي:
“الهجوم على حدود لبنان واحتلال قسم من الأراضي اللبنانية وتراجع الجيش المتواصل دون أدنى مقاومة أو إطلاق رصاصة واحدة على خطوط دفاعية أعدت لهم من قبل وهذا ما لم تشهده حرب في التاريخ. حرب حكومة لبنان هي حرب مسرحية لا أكثر ولا أقل. دخلنا الحرب والجندي لا يملك رصاصاً إلا لمدة ساعات فقط. وهذا ما يجعلنا نضع نقطة استفهام كبرى حول جدية هذه الحرب ضد الصهيونية وحول ما استتر وما خفي. إذ كيف تفسَّر أن اليهود توقفوا في هجومهم عند نقطة معيّنة ولم يكملوا النزهة العسكرية حتى صيدا وحتى بيروت”.
مقتل كامل الحسين
في العاشر من أيار/مايو 1949 جرت عملية قتل أحد كبار العملاء الصهاينة في الجليل المدعو كامل الحسين بالقرب من الحاصباني حيث كان يقضي فترة الصيف. عشرات التقارير السريّة للأمن الفرنسي تتحدث عن تعاون الحسين مع الصهاينة والسماسرة لبيع الأراضي بالتنسيق مع أحمد الأسعد وخالد شهاب وسياسيين ورجال أعمال لبنانيين.
ولمن يريد الإطلاع على التفاصيل الدقيقة لعمليات شراء الأراضي في الجليل وفي جنوب لبنان وحوران والتي لعب فيها كامل الحسين دوراً رئيسياً، أحيله إلى مذكرات يوسف نحماني المسؤول عن شراء الأراضي لصالح شركة “بيكا” الممولة من البارون روتشيلد. وهذه المذكرات ترجمت إلى العربية من قبل الياس شوفاني ونشرت في دمشق عام 2010.
كان كامل الحسين يترأس شبكة للتجسس لمصلحة الصهاينة تضم مجموعة من عشيرة الغوارنة في سهل الحولة. حوكم في دمشق غيابياً. كشفت المحاكمة دوره في تسليم بلدة “الخالصة” لليهود المعروفة اليوم بمستوطنة كريات شمونة. وكان الحسين متزوجاً من صهيونية تدعى بيرتا داوود شاماطة وكان على علاقة وثيقة بكبار السياسيين في بيروت يؤمنون له الحماية في طليعتهم: أحمد الأسعد، محمد تامر، ورياض الصلح.
أذكر حادثة مقتل الحسين كمؤشر على مدى انخراط الحكم اللبناني في التغاضي عن نشاطات الصهاينة وعملائهم. حتى أن الفرنسيين منعوا كامل الحسين من الدخول إلى أراضي الإنتداب الفرنسي وكانوا أحرص منه على بعض أراضي جنوب لبنان. القتل جرى أثناء محاولة اعتقاله من الجيش السوري بقيادة الملازم أكرم طبارة تمهيداً لنقله إلى دمشق. ما جرى هو أنه تمنّع وحاول الهرب فأُرديَ قتيلاً. على الأثر اعتقلت قوات الدرك اللبناني الملازم طبارة وثلاثة جنود شاركوا في العملية وتأزمت العلاقات بين البلدين من جراء ذلك.
الطريف في الأمر أن كامل الحسين وهو فلسطيني من الحولة كان صديق رياض الصلح وممول معاركه الإنتخابية. وكان رياض الصلح هو الذي رفع عنه حظر الدخول إلى لبنان وقدّم له الجنسية اللبنانية.
بعد اغتيال الحسين بأربعة أيام، وافقت الحكومة اللبنانية على مغادرة العائلات اليهودية إلى فلسطين واشتدت الحملات الصحفية بين بيروت ودمشق. شكل الحزب السوري القومي الإجتماعي لجنة قانونية. اعتبرت في تقريرها أن من حق دمشق اعتقال أو خطف أو قتل خائن مثل كامل الحسين وكتب سعاده يقول:
“إن اعتبار الحكومة الحادث خرقاً للسيادة غير صحيح. هل كان احتلال اليهود لخمس وعشرين قرية لبنانية خارقاً لحرمة السيادة القومية للبنان كما هي الحال في قتل الجاسوس في الأراضي اللبنانية؟ كلا! هذا هو منطق القومية الدينية والسيادة الطائفية عند الذين لا يرون في لبنان غير ملعباً لشهواتهم وعنعناتهم الخصوصية السائرة نحو إهلاك الشعب.
خطاب سعاده في برج البراجنة
ردّ أنطون سعاده في خطاب برج البراجنة في 29 أيار/مايو 1949 على خطاب لبن غوريون أتى في حفل تخريج ضباط صهاينة ادعى فيه أن اليهود لم يحرروا إلا قسماً من “بلادهم” أما الأقسام الباقية فسوف يكون مصيرها مصير القسم الذي تسيطر عليه قواتهم. وقال بن غوريون أيضاً: “سنحقق رؤية أنبياء إسرائيل، فالشعب اليهودي بأسره سيعود إلى الإستيطان في أراضي الآباء والأجداد الممتدة من الفرات إلى النيل”.
ماذا تضمن رد سعاده؟
“تقوم اليوم في الجنوب دولة جديدة غريبة كنت أترقب قيامها وأعلنت أنها ستقوم قبل أن تعلن هي عن نفسها، لأني كنت أرى التخاذل السوري سيوجدها حتماً ولكني كما أعلنت قيام تلك الدولة أعلن اليوم محق تلك الدولة عينها.
إني أعلن محق تلك الدولة الغريبة ليس بقفزة خيالية وهمية، بل بما يعدّه الحزب القومي الاجتماعي من بناء عقدي وحربي يجعل من سورية قوة حربية عظيمة تعرف أنّ انتصار المصالح في صراع الحياة يقرر بالقوة بعد أن يقرر بالحق.
وهذه الدولة الجديدة نشأت في الجنوب بفضل تفسخ مجتمعنا النفسي، وبفضل المنازعة بين حكوماتنا السورية وانقسامنا بعضنا على بعض، بفضل هذه الأمور أكثر كثيراً مما هو بفضل المهارة اليهودية الزائفة التي يقف أحد أبطالها اليوم يدَّعي أنها هي، ونحن نعرف ما هي وما هو هزالها، التي أنشات الدولة اليهودية.
إنها عملية صراع طويل شاق عنيف يتطلب كل ذرّة من ذرّات قوانا، لأنّ وراء الدولة اليهودية الجديدة مطامع دول أجنبية كبيرة تعمل وتساعد وتبذل المال وتمد الدولة الجديدة بالأساطيل والأسلحة لتثبيت وجودها”.