“هذه المرة، يقدّرون في إسرائيل أن الحرب بين إسرائيل وحزب الله لن تكون محصورة في ساحة واحدة فقط، بل ستكون متشابكة ومتعددة الساحات. وليس من المستبعد أن تنضم غزة أيضاً إلى المعركة، وسيكون على إسرائيل مواجهة “الإرهاب” في الضفة الغربية، والعنف وإغلاق الطرقات في داخل الخط الأخضر، وتهديدات بعيدة أكثر، تأتي من إيران، أو من دول أُخرى في المنطقة.
كي نفهم السلوك الإسرائيلي حيال استفزازات حزب الله والخوف من الحرب المقبلة، يجب التعرف إلى السيناريو الذي تستعد له إسرائيل، والذي تعتبره جهات أمنية سيناريو “معقولاً جداً” للحرب.
بالإضافة إلى إصابات كبيرة للمنازل وآلاف المصابين، التخوف الاستراتيجي في المؤسسة الأمنية هو من ضرب استمرارية عمل الدولة في منظومة الكهرباء والاتصالات، واستمرارية العمل في منظومة الطاقة، وفي سلسلة التزود بالغذاء، والقدرة على تقديم خدمات للمواطنين جرّاء التغيب عن العمل.
ووفقاً للسيناريو “المعقول جداً”، في الأيام الأولى للقتال، ستتعرض إسرائيل لسقوط آلاف الصواريخ، وسيُطلَق عليها 6000 صاروخ تقريباً في الأيام الأولى، وسينخفض العدد لاحقاً ليتأرجح بين 1500 و2000 صاروخ يومياً.
والتقدير وسط خبراء الأمن أن إسرائيل ستتعرض يومياً لـ 1500 هجوم محدد فعال في أراضيها، وهذا بعد أن نخصم منها العدد الكبير من الصواريخ التي ستسقط في أراضٍ مفتوحة، والاعتراضات الناجحة للقبة الحديدية التي، مع كل الاحترام لها، ستكون حظوظ نجاحها ضئيلة في تحقيق نسبة عالية من الاعتراضات التي تعودنا عليها خلال جولات القتال الأخيرة في الجنوب (…).
الجبهة الداخلية
في ضوء إطلاق الصواريخ المتوقع والسيناريو المحدّث للمؤسسة الأمنية في المعركة المشتركة التي سيخوضها حزب الله، سيُقتل نحو 500 مواطن إسرائيلي في الجبهة الداخلية (ولا يشمل هذا العدد الجنود القتلى)، وسيسقط آلاف الجرحى. لكن بالإضافة إلى هذه الأرقام المخيفة، فإن ما يُقلق المؤسسة الأمنية هي القدرات الدقيقة المتعاظمة من حولنا. تشير جهات أمنية إلى أن أحد الدروس المهمة من الحرب الدائرة في أوكرانيا هو فعالية المسيّرات والطائرات غير الآهلة الإيرانية.
في إطار سيناريو ” المعقول جداً”، لا تستبعد المؤسسة الأمنية احتمال أن ينجح حزب الله وإيران، أو أذرعتهما، في ضرب منشآت استراتيجية معروفة وحيوية في إسرائيل، مثل محطات الكهرباء، وهو ما سيعطل إسرائيل لساعات طويلة، وربما لأيام.
تحدٍّ ملموس آخر ستتعرض له الجبهة الداخلية، هو اضطرار إسرائيل إلى مواجهة العديد من أعمال الشغب الداخلية في آن معاً. ومن أجل فتح محاور الطرقات أمام تحرُّك القوات، ومواجهة أعمال الشغب في الجبهة الداخلية، وعدم عرقلة القتال على الجبهة، أقام الجيش 16 كتيبة من الاحتياطيين.
في ضوء إطلاق الصواريخ المتوقع والسيناريو المحدّث للمؤسسة الأمنية في المعركة المشتركة التي سيخوضها حزب الله، سيُقتل نحو 500 مواطن إسرائيلي في الجبهة الداخلية (ولا يشمل هذا العدد الجنود القتلى)، وسيسقط آلاف الجرحى
فيما يتعلق بالمواصلات، تشير المؤسسة الأمنية إلى احتمال إغلاق الموانىء ووقف الرحلات من الخارج، وإغلاق الطرقات. خوف آخر هو عدم حضور أبناء الأقليات إلى أعمال ضرورية، مثل سائقي الشاحنات. وبحسب التقديرات، الضرر سيكون كبيراً، وأكثر من 50% من المواطنين سيتغيبون عن أعمالهم. وسيغيب 60% وحتى 70% عن قطاعات تُعتبر “حيوية”، وسيعاني “القطاع الأساسي” جرّاء نسبة غياب تصل إلى 20%.
تراجع الكفاءة العسكرية
على خلفية سيناريو الرعب هذا، الذي تعتبره المؤسسة الأمنية “معقولاً جداً”، يمكن فهم عدم الرغبة الواضحة في الانجرار إلى الحرب وسياسة الرد المعتدل، والتي يعتبرها البعض معتدلة جداً في مواجهة الاستفزازات المتكررة لحزب الله على طول الحدود.
يدرك (السيد حسن) نصرالله صورة الوضع هذه، وأيضاً تزعزُع الشرعية الإسرائيلية جرّاء الشرخ والتصدعات الإسرائيلية الداخلية، وبإيعاز من إيران، يختار تأجيج المخاطرة. إسرائيل قوية جداً لكن لا شك في أن الصور المرعبة للوضع تردعها. وفي القيادة، يبذلون كل ما في وسعهم لعدم التدهور إلى مواجهة، على الرغم من ارتفاع التقدير باحتمال نشوب حرب، أو أيام من القتال.
يمكن القول إنه حتى كتابة هذه السطور، على الرغم من آلاف التصريحات بعدم الامتثال للخدمة العسكرية، فإن الجيش في حالة جهوزية عالية للحرب، فالكفاءة القتالية لا نخسرها في لحظة واحدة. والرأي السائد في هيئة الأركان العليا للجيش أنه حتى الطيارين القلائل الذين ما زالوا يقومون بمهمات عملانية حالياً، وأعلنوا توقفهم عن التطوع، سيلبّون النداء في اليوم الموعود لأنهم أشخاص مسؤولون، على الرغم من أن كفاءتهم ستكون أدنى.
مع ذلك، شهدت كفاءة الجيش في الأسابيع الأخيرة تراجعاً بصورة تختلف بين سلاح وآخر. المشكلة الأصعب في سلاح الجو الذي يواجه صعوبات في مدارس تعليم الطيران التي تعتمد على الاحتياطيين المخضرمين الذين أعلن عدد كبير منهم وقف تطوّعه في خدمة الاحتياطيين.
لكن الكفاءة ليست هي المشكلة الأصعب حالياً. فقد لحقت أضرار كبيرة بتماسُك وحدات الجيش، ولا سيما في أسراب الطيارين، والتوتر بين الطيارين وبين الطواقم الفنية التي لا يمكن للطيارين العمل من دونها.
تحديات سلاح البر
كما تبرز مظاهر عدم التماسك في سلاح البر الذي يعاني جرّاء وضع صعب في الأعوام الأخيرة. ومن دون التوتر إزاء الإصلاح، يواجه سلاح البر تحديات منذ آذار/مارس السنة الماضية، مع بداية موجة “الإرهاب” في الضفة الغربية، والتي تتطلب زيادة كبيرة في حجم القوات الموجودة في الضفة الغربية على حساب التدريبات على الحرب المقبلة.
من المعقول الافتراض أنه إذا بادرت إسرائيل إلى خطوة لتقليص التهديد على الجبهة الداخلية الإسرائيلية وجعل الشروط الاستهلالية للحرب المقبلة لمصلحتها، فإنها ليست قادرة على فعل ذلك في الجو السياسي الحالي، بينما يشكك كثيرون في دوافع الحكومة ورئيسها. لكن في ضوء الوضع الأمني الصعب للغاية، لا تستطيع إسرائيل أن تسمح لنفسها بالاستمرار في المشاحنات الداخلية، ويتخوف المسؤولون في المؤسسة الأمنية من تداعيات استمرار التصدعات الداخلية على الوضع الأمني”. (المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية).