فى أواخر يونيو/حزيران الماضى، وفقا لصحيفة “واشنطن بوست”، التقى الرئيس الديموقراطى الأمريكى الأسبق باراك أوباما مع نظيره الحالى جو بايدن، لتناول طعام الغداء فى البيت الأبيض. كان لدى باراك أوباما رسالة محددة إلى الرئيس الأمريكى؛ قال أوباما إنه سيدعم بايدن بقوة فى الانتخابات الرئاسية عام 2024، ومع ذلك لم يكن هذا هو الغرض الحقيقى من اللقاء، إذ أراد أوباما من بايدن أن يفهم مخاطر إعادة المنافسة الرئاسية مع دونالد ترامب مرة أخرى، وأن ذلك يعنى أن ترامب يمكن أن يكون مرشحا صعبا أكثر مما يدرك العديد من أعضاء الحزب الديمقراطى.
يرى كاتب المقال أن أوباما محق فى أن يكون غير مرتاح، إذ أظهر استطلاع أجرته صحيفة “نيويورك تايمز” فى أغسطس/آب الحالى أن ترامب وبايدن متعادلان تقريبا مع تفوق طفيف لبايدن، مما يعنى أن لوائح الاتهام الفيدرالية والمحلية المتعددة الموجهة ضد ترامب لم تفعل شيئا لتقليص تقدمه فى استطلاعات الرأى! كما أن الأرقام المباشرة لترامب أفضل من أرقامه فى انتخابات 2020 وتقريبا فى نظيرتها عام 2016. وهذا يؤكد أنه قادر على المنافسة فى الانتخابات العامة.
***
على كل، صحيح أن الاستطلاعات قد تكون غير موثوقة، ويمكن أن يحدث الكثير خلال الأشهر الفاصلة. إلا أن ما يقلق أوباما لا علاقة له بنتائج الاستطلاعات، لكن شيئا آخر يضايقه وهو مزيج اللامبالاة والعداء الذى تشعر به الناخبات والناخبون تجاه بايدن، ومع ذلك لن يعترف أوباما علنا بعيوب الرئيس الأمريكى.
فى تغطية صحيفة “واشنطن بوست” للقاء أوباما ببايدن فى البيت الأبيض، جاء أن أوباما أوضح أن مخاوفه لم تكن تتعلق بقدرات بايدن السياسية، بل تتعلق بقبضة ترامب الحديدية على الحزب الجمهورى. إلا أن هناك بعض النقاط التى ينبغى أن تستقر فوق حروفها، صحيح قد تساعد ترامب قبضته الحديدية على الحزب الجمهورى فى الانتخابات التمهيدية، وقد تساعده فى كسب الأنصار، لكن الناخبات والناخبين المستقلين سيقررون الفائز فى الانتخابات العامة بناء على تقييماتهم لبايدن، وبما أن قوة الأخير آخذة فى الانخفاض فإن قوة ترامب الحالية تعكس فى حقيقتها بكل بساطة ضعف بايدن.
إذ خفضت وكالة فيتش التصنيف الائتمانى للولايات المتحدة. وسعر الغاز آخذ فى الارتفاع. كما أن الاحتياطى البترولى الاستراتيجى عند أدنى مستوى له منذ 40 عاما. وبعد فترة هدوء، ارتفع تدفق الهجرة عند المعابر الحدودية غير الشرعية. والهجوم المضاد الأوكرانى لم يخترق الدفاعات الروسية بعد. باختصار، بايدن يفتقر إلى التحليق بأمريكا عاليا
وعلى الرغم من أن بايدن يتفوق بأغلبية ساحقة على منافسيه فى ترشيح الحزب الديمقراطى، إلا أنه يحظى بأقل من ثلثى الأصوات الأولية. وهذه نسبة مقلقة، لأنه يعنى عدم وجود حماس. كما أن التبرعات التى يحصل عليها الحزب الديمقراطى انخفضت مقارنة بالحملة الرئاسية فى 2020. بشكل عام، لا يولد بايدن نفس الولاء والحماسة التى كان أوباما يولدها بين تياره الليبرالى، أو التى يقوم بها الآن ترامب فى حزبه الجمهورى. وفى دراسة حديثة أجرتها “واشنطن بوست” لبيانات مكتب الإحصاء وجدت أن إقبال الناخبات والناخبين السود قد انخفض بمقدار 10 نقاط بين انتخابات التجديد النصفى لعام 2018 و2022، مما يعنى أن السود يبتعدون عن اليسار. وكذلك حال الناخبين من أصل إسبانى من كلا الجنسين.
يطمئن النقاد الليبراليون أنفسهم من خلال مقارنة بايدن برونالد ريجان. ففى فترة ولايته الأولى، كانت معدلات تأييد ريجان منخفضة. وفى الانتخابات الرئاسية لتولى فترة ثانية، حصد ريجان فى موجة البيانات الاقتصادية تقييمات إيجابية وأعيد انتخابه بأغلبية ساحقة.
بايدن يريد أن يفعل الشىء نفسه. يريد أن يشير إلى بعض البيانات الجيدة: فالتضخم والبطالة وأسعار الفائدة كلها أقل اليوم مما كانت عليه قبل 40 عاما، كما يزدهر بناء المصانع فى عهده بفضل الدعم الحكومى للطاقة الخضراء وأشباه الموصلات. لذا، من المنطقى أن يكون فى طريقه لتحقيق نصر سهل فى إعادة انتخابه عام 2024. لكن الرياح تأتى بما لا تشتهى السفن. فأنصار بايدن فى كلا الحزبين قالوا إنه أكبر من أن يخدم فترة ولاية ثانية، ولن يغير أى تقرير إيجابى عن البطالة هذا الشعور، فسن بايدن وضعفه يحد من تفاعله مع الجمهور والصحافة.
وفى الحقيقة، الأمور ليست جيدة، إذ خفضت وكالة فيتش التصنيف الائتمانى للولايات المتحدة. وسعر الغاز آخذ فى الارتفاع. كما أن الاحتياطى البترولى الاستراتيجى عند أدنى مستوى له منذ 40 عاما. وبعد فترة هدوء، ارتفع تدفق الهجرة عند المعابر الحدودية غير الشرعية. والهجوم المضاد الأوكرانى لم يخترق الدفاعات الروسية بعد. باختصار، بايدن يفتقر إلى التحليق بأمريكا عاليا.
***
كلمة أخيرة، الحزب الديمقراطى مقتنع بأن احتمالية عودة ترامب مرة ثانية ستخيف الناخبين والناخبات وتدفعهم لإعادة انتخاب بايدن، قد يكون هذا صحيحا، لكن المؤكد ــ مع اقتراب 2023 من نهايتها ــ أن ترامب يهيمن، بايدن يكافح، وأوباما قلق.
(*) النص بالعربية عن موقع “الشروق“.. وبالإنكليزية عن موقع The American Enterprise Institute