تهجير الغزاويين.. بعيون إسرائيلية!

منذ اعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أن غزة "ستكون لنا"، وبالتالي يتوجب إخراج كل الغزيين منها ونقلهم إلى مكان "أجمل"، تنشغل الصحافة العبرية في تناول خطة ترامب وفرص تنفيذها وتداعياتها على الدول المنوي تهجير الفلسطينيين إليها، أي الأردن ومصر، إضافة إلى طلب رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، من السعودية، استقبال الغزيين "على أراضيها الشاسعة".

يتعاطى الرئيس الأميركي مع غزة بوصفها قضية عقارية يُمكن مقايضتها بعقار آخر، إذا تمتع العقار البديل بمواصفات أفضل، وباعتقاده أن الفلسطينيين، من دون أن يأخذ رأيهم، لن يُضيّعوا فرصة حياتهم بالحصول على فيلا بالقرب من ملعب غولف وبركة سباحة في صحراء سيناء، أو في أي مكان آخر، سوف يكون أفضل من قطاع غزة المنكوب من ألفه إلى يائه. من دون أن يُعير اعتباراً لبديهيات حقوق الإنسان وبينها حُرية الحركة وخيار الأفراد السكن في دولتهم، أو في دولة أُخرى، وهذه الحرية مُصانة بموجب معاهدات دولية، وبينها معاهدة الحقوق المدنية والسياسية، التي تفرض قيوداً على أيّ دولة بشأن استخدام ضغط مباشر، أو غير مباشر، لتشجيع الهجرة القسرية. فضلاً عن أن كثيرين من سكان القطاع مسجّلون كلاجئين في وكالة “الأونروا”.

في المبدأ، خطة تهجير غزة، ولاحقاً الضفة الغربية، هي حلم رائع لكل الإسرائيليين على اختلاف أحزابهم، ولا يمكن لأحد منهم أن يقف ضدها، بدءاً من زعيم المعارضة يائير لابيد، إلى آخر إسرائيلي، مهما بلغت ليبراليته وموضوعيته في مقاربة القضية الفلسطينية.

بهذا الصدد، يشير استطلاع للرأي أجراه “معهد دراسات الشعب اليهودي” يوم 3 شباط/ فبراير 2025، إلى أن نحو 52% من الإسرائيليين يعتقدون أن المبادرة عملية، ويجب محاولة الدفع بها، في الوقت الذي يرى 30% أن الفكرة إيجابية، لكن لا يمكن تطبيقها. بما معناه أن أكثر من 80% من المستطلعين يدعمون فكرة الهجرة الطوعية لسكان القطاع.

يعني ذلك أن حلم التهجير يدغدغ معظم الإسرائيليين وكأنه صار أمراً قابلاً للتحقيق، بحيث أن الغزيين برأيهم، توّاقون إلى مغادرة القطاع والعيش في ظروف أفضل، إذ يشير الباحث في “معهد دراسات الأمن القومي”، رام كوهين، إلى “أن المبادرة (خطة التهجير) يمكن أن تُشكّل لهم (أهل غزة) فرصة حقيقية لتحسين ظروف حياتهم. فالهجرة إلى دول أُخرى، مع تسهيلات اقتصادية وبنى تحتية وخدمات، يمكن أن تؤمن الحياة الكريمة لعائلات كثيرة”.

وزميله في “مركز القدس للشؤون العامة والسياسة“، الباحث يوني بن مناحيم، يشاركه التفاؤل في نجاح خطة ترامب على الرغم من المعارضة العلنية لها في العالم العربي، لا سيما القلق المقيم في الأوساط الحاكمة في مصر والأردن من أن أيّ محاولة لترويج الخطة قد تؤدي إلى انتفاضة شعبية في البلدين، إذ من المتوقع أن تستغل جماعة “الإخوان المسلمين” أيّ خطوة في هذا الاتجاه للتحريض ضد الأنظمة الحاكمة، مثلما حدث سابقاً خلال موجات الاحتجاج في “الربيع العربي”، حيث يرى أنه “من غير المستبعد أن يفكر قادة المنطقة، خلف الكواليس، في نهج أكثر براغماتية. إذا نجحت الخطة، فقد يتغيّر الواقع السياسي في الشرق الأوسط بشكل جذري، لكن فشلها قد يؤدي إلى زيادة التوترات، وإحداث اضطرابات غير متوقعة في المنطقة بأكملها”.

من جهته، تسفي برئيل، في مقال له في “هآرتس“، يقارب الموضوع من ناحية مختلفة بخصوص الدول المنوي تهجير الفلسطينيين إليها، ويعتبر أن “العبء الاقتصادي الذي سيُلقى على عاتق مصر سيكون هامشياً، مقارنةً بالقلق في مواجهة الارتباط المباشر بين “حماس” و”الإخوان المسلمين”، اللذين يمكن أن يقيما معاً ذراعاً عسكرية متمرسة وماهرة تشكل تهديداً، ليس لمصر وحدها، بل لإسرائيل والأردن، ويمكن أن تحوّل مصر إلى دولة مواجهة. وعندما يجري بناء “ريفييرا الشرق الأوسط” والمشاريع التي يُخطط لها ترامب في غزة أمام أنظار مئات الآلاف من الغزيّين على أنقاض منازلهم التي ستتحول إلى قرى سياحية، فإن هذا الحلم الوردي سيتحول بسرعة إلى كابوس”، ويضيف الكاتب، “استيعاب مئات الآلاف من الغزّيين الذين عملوا، في أغلبيتهم، في صفوف “حماس”، يُمكن أن يُحوّل الأردن إلى دولة مواجهة مع إسرائيل، مثلما كانت عليه الحال في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي”.

بدوره، زميله عاموس غلعاد، في “يديعوت أحرونوت“، يوافقه الرأي، ويقول “إن المملكة الهاشمية في الأردن، التي تشكل عمقاً استراتيجياً بالنسبة إلى إسرائيل، ومجالاً أمنياً حيوياً، غير مستعدة، بأيّ شكل من الأشكال، لاستقبال فلسطينيين، وخصوصاً فلسطينيي غزة. في نظر الأردن، الخطط التي تشبه خطة ترامب هي جزء من مؤامرة من أجل إقامة دولة فلسطينية بديلة على حسابه. وإذا تحقق مثل هذا السيناريو، فإنه سيتحول إلى تهديد حقيقي بالنسبة إلى إسرائيل”.

من جهة مصر، يرى غلعاد، “أن مصر تعتبر القضية الفلسطينية مسألة مركزية طوال هذه السنوات، منذ توقيع اتفاق السلام (كامب ديفيد)، وهي غير مستعدة، بأيّ شكل من الأشكال، لاستقبال فلسطينيين من غزة، ومن المؤكد أنها لن تفعل ذلك من خلال خطة ترامب التي تطالب بإخلاء قطاع غزة من سكانه. قد يكون هذا حلماً رائعاً، لكنه لن يتحقق، ولو عرضوا على مصر مبالغ طائلة من أجل إقناعها”.

إقرأ على موقع 180  إقفال شركة الحديد والصلب بمصر.. محو التاريخ!

بالمقابل، يؤكد الباحثان في “معهد القدس للاستراتيجيا والأمن“، إفرايم عنبار ويوسي كوفرفاسر، على أهمية “الترانسفير” لإراحة الكيان من همْ قطاع غزة الذي أرّق زعماء إسرائيل منذ النكبة عام 1948، ويُشددان في مقال مشترك، على أنه “حتى لو لم تتحقق خطة ترامب، فإن مجرد طرحها هو بمثابة نعمة بالنسبة إلى إسرائيل”، ويشير الباحثان إلى وجوب استخدام القوة لتنفيذ خطة ترامب، على اعتبار أن إخراج “حماس” من المعادلة غير ممكن من دون  التهديد بعملية عسكرية إسرائيلية. ويدرك الأميركيون، الذين ليسوا متحمسين لإرسال جنودهم، هذا الأمر، ويقدّرون مساهمة إسرائيل في تنفيذ خطتهم. كما أن الدول العربية المعتدلة تريد خروج “حماس” من قطاع غزة، ويمكن أن يشكّل ذلك أداة تأثير أُخرى لواشنطن على هذه الدول.

وتغوص محللة الشؤون السياسية في “قناة 12N“، دفنا ليئيل، أكثر من زملائها في تحليل مقاصد خطة التهجير، بحيث تعتبر “ما يحدث (اليوم) هو نسخ ولصق [Copy Paste] لِما حدث سابقاً: نسخة ثانية من اتفاقات أبراهام. تذكّرنا خطوة ترامب بما حدث قبل اتفاقات أبراهام – حينها، أدخلوا إلى المفاوضات موضوع الضم، ثم أخرجوه، إرضاءً للدول الخليجية، من دون أن يتوجب على إسرائيل دفع ثمن إضافي في المجال الفلسطيني. وهنا أيضاً، يمكن أن تُستعمل فكرة تفريغ غزة من سكانها، كبش فداء آخر، يستطيع ترامب المتاجرة بها، وخصوصاً إذا واجهت هذه الخطوة أيّ مصاعب”. بمعنى آخر، تقصد الكاتبة، بأن ترامب قد يساوم على خطته مقابل قبول السعودية بالتطبيع دون الحديث عن “حل الدولتين”، الذي “بات من الماضي”.

ويقول الكاتب الإسرائيلي تامير هايمن في مقال منشور في موقعN12  “إن الخطر في طرح ترامب هو أننا قد نتخلى عن خطة واقعية ومعقدة، مثل تطبيع العلاقات مع السعودية وإنشاء تحالف دفاعي إقليمي، في مقابل حلم غير قابل للتحقيق، يتمثل في اختفاء القضية الفلسطينية. وفي نهاية المطاف، ما لن يختفي بالتأكيد هو مشكلة “حماس” في غزة، وعندما تنتهي الصفقة، سنجد أنفسنا مجدداً أمام هذه المشكلة، الخيارات المطروحة سيئة، سواء الحكم العسكري، أو سياسة “اجلس وانتظر”، أو لجنة مدنية فلسطينية، فهي كلها تتطلب استعداداً مسبقاً، وفي هذه الحالة أيضاً، التسويف يؤدي إلى كارثة”. (المصادر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، صحيفة “البيان” الفلسطينية).

Print Friendly, PDF & Email
مهدي عقيل

أستاذ جامعي، كاتب لبناني

Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  الدبلوماسية الاقتصادية نموذجاً.. للحرب الناعمة!