من الحشّاشين إلى 11 أيلول.. من يمتلك مفتاح الجنّة؟

تُعيدنا هجمات 11 أيلول/سبتمبر، الحدث الذي غيَّر وجه العالم، مجدّداً إلى حلقات النّقاش بين مُمجّدين للهجمات يرون المنفّذين "استشهادييّن موعودين بالجنّة"، ومنتقدين للمنهج التّكفيري يجدونهم "انتحاريّين موهومين بالجنة". وبين هذا وذاك، يبقى السّؤال كيف تخلق فدائيّاً، ولأيّ هدف؟

“لا شيء صحيحاً، وكلُّ شيء مباح”، هذا ما جاء على لسان حسن بن الصّباح في الرّواية التّي تأخدنا إلى فترة عاصفة من تاريخ العالم الإسلامي، تنافس فيها العباسيون والسّلاجقة والفاطميّون على الحكم. وتُظهر الرّواية حسن الصّباح صاحب نزعة لامتناهية للسّلطة، مجرّداً من الإنسانيّة والنّبل، داهية إدّعى النّبوّة، وقامت فلسفته على الخداع وغسل دماغ مريديه وإقناعهم بعقائد لم يعتنقها.

“آلموت” هي رواية للكاتب السّلوفيني فلاديمير بارتول تتحدّث عن حركة الحشّاشين بقيادة حسن بن الصّباح الإسماعيلي في القرن الحادي عشر الميلادي. و”آلموت” هي حصن قديم بمدخل واحد بناه أحد ملوك الدّيلم في خراسان (إيران اليوم) فوق صخرة عالية في منطقة جبليّة وعرة، استولى عليها حسن الصّباح عام 1090 وبقي فيها حتّى وفاته.

حسب رواية “آلموت”، أنشأ الصّباح حدائق غنّاء، جمع فيها الفتيات الحسان اللّاتي تدرّبن على القيام بدور الحوريّات، ثمّ ضلّل الشّباب الآتين إليه إيماناً بدعوته، وأرسلهم لمكافأتهم بعد المعارك إلى هذه الحدائق بعد إعطائهم حبوباً مخدّرة، مُوهماً إيّاهم أنّهم بلغوا الفردوس الموعود.

تتحدّث الرّواية، كغيرها من المصادر التي تحدثت عن تلك الفترة، عن صداقة ثُلاثيّة جمعت الصّبّاح بنظام الملك وعمر الخيام، تحوّلت لاحقاً إلى تنافس أدّى إلى إقصاء نظام الملك لحسن عن السّاحة، وترحيله إلى القاهرة ثم تنقّله في رحلة بحريّة طويلة امتدت إلى ما يقارب التّسع سنوات، سيطر بعدها على قلعة “آلموت” في أقصى الشّمال الإيراني وإستقرّ فيها.

هل تُختصر نظرة المسلم إلى الفردوس بالملذّات الجنسيّة وسحر الطّبيعة الغنّاء وأنهار اللّبن والخمور المباحة؟ هل فعلاً ذهب فدائيّو حسن الصبّاح إلى فردوسه؟ ولأجلها أحبّوا القتل وتمرّسوا بفنون الموت؟ وهل أقنع حسن مريديه بمبادئ وعقائد لم يعتنقها بسبب هوسه بالسّلطة؟ أم أنّه رأى في نفسه حامل المشعل الذّي سيضيء للإنسانيّة مسيرها الأعمى؟

يظهر من خلال الرّواية أيضاً تركيز الكاتب على سعي حسن بن الصّباح لسحب الحكم من السّلاجقة الأتراك والعرب على حدّ سواء حتّى لا يحكم الإيرانيّون إلّا أنفسهم.

رواية فلاديمير بارتول أقرب إلى الفانتازيا الفلسفيّة التّاريخيّة منها إلى الرّواية التّأريخيّة، تختلط فيها الحقائق بالخيال، استخدم فيها شخصيّات رئيسيّة من ابتداعه ليخيط بها النّسيج الدّرامي كحليمة ومريم وآفاني حفيد طاهر الذّين قامت الأحداث المفصليّة عليهم.

الرّواية مشوّقة وفيها عرض تاريخي غنيّ، لكنّ المعلومات التّاريخيّة فيها الكثير من الإلتباس والغموض. فجميع الشّواهد التّاريخيّة بالإضافة إلى طبيعة المنطقة تجعل من غير الممكن أن تنشأ فيها الحدائق. والحشّاشون، الذّين قاموا بالفعل باغتيالات أرعبت العالم الإسلامي، هل استطاعوا فعلًا تنفيذها بهذه الدّقة والدّهاء بعد تناول أقراص الحشيش؟

تجدر الإشارة إلى أنّ تسميتهم بطائفة الحشّاشين يُختلف أساساً على أصلها، لا سيما حول ما إذا كانت التسمية متصلة بتعاطي الحشيش؟ أم أنّ اسمهم تابع لحسن الصّباح نفسه فهم الحساسين؟ أم أنّ أصل الكلمة آتٍ من اللّاتينيّة فهم الـassassins ومعناها القتلة أو الإغتياليّون؟

الرّواية تعدّ من روائع الأدب العالمي، تمّ نشرها في العام 1939، لكنّها استردّت بريقها بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، وتعود إلى السّطح دائماً بعد صعود أي حركة متطرّفة في العالم الإسلامي.

وللمفارقة أيضاً، استهوت طائفة الحشاشيّن صنّاع الفنون حول العالم. فالعديد من الأفلام تناولتها، حتّى أنّ Assassin’s Creed هي لعبة فيديو ظهرت عام 2007، حصلت على الكثير من المراجعات الإيجابيّة من النُقّاد، وصُنّفت كأفضل لعبة “آكشن”، حسب أحد المواقع، واللّعبة تمتّد أحداثها من الحروب الصّليبيّة لليوم، يتقاتل فيها فرسان الهيكل مع طائفة الحشاشين.

شرق ألف ليلة وليلة

تتقاطع الرّواية مع النّظرة التّي رأى بها فلاديمير بارتول الشّرق؛ الشّرق الشّبيه بقصص ألف ليلة وليلة؛ الشرّق الذّي لا يعبأ إلّا بالماورائيّات والتّعبئة الإيديولوجيّة والسّحر والحوريّات والفردوس، وتعكس تأثّر الكاتب بديكتاتوريّي أوروبا في فترة الحرب العالميّة الثّانية وما سبقها حين رسم شخصيّة الصّباح الجامحة المستميتة للتّسلّط. فرواية سمرقند لأمين معلوف عندما تتحدّث عن الصّباح تظهره كشخص أكثر اتّزاناً وعقلانيّة. وفي الوقت الذّي يظهره لنا بارتول مُلحدًا حلّل الخمر وغيرها من المحرّمات وفق رغبته باعتباره ممثّلاً لسلطة الإله “فردوس كلّ إنسان ليس إلا سراب الرّغبة الخاصّة” اعتبره معلوف شخصاً مؤمناً بالعقائد التّي دعا إليها.

يتحدّث الكاتب أيضاً عن تشكّل شخصيّة حسن المضطربة والقلقة وشعوره بالخيانة في شبابه بعدما خاب ظنّه بالعقائد ورأى أنّ واجبه “البدء في بذر الحقيقة، وتحرير الإنسانيّة من أوهامها، فالاسماعيليّة هي رمز النّضال ضد الكذب والضّلال”.

هل تُختصر نظرة المسلم إلى الفردوس بالملذّات الجنسيّة وسحر الطّبيعة الغنّاء وأنهار اللّبن والخمور المباحة؟ هل فعلاً ذهب فدائيّو حسن الصبّاح إلى فردوسه؟ ولأجلها أحبّوا القتل وتمرّسوا بفنون الموت؟ وهل أقنع حسن مريديه بمبادئ وعقائد لم يعتنقها بسبب هوسه بالسّلطة؟ أم أنّه رأى في نفسه حامل المشعل الذّي سيضيء للإنسانيّة مسيرها الأعمى؟

إقرأ على موقع 180  "قتل المُدن" أو "عقيدة الضاحية"، غزّة نموذجًا

تتباين الإجابات حول هذه الأسئلة، ولكنّ تبقى الرّواية محاكاة لصناعة الخنجر الحيّ، العقائدي الذّي بالإيهام والتّدريب والتخويف يعتنق قضاياه حتّى الموت.

* الرواية تمتدّ على مدى 622 صفحة في نسختها العربيّة الصّادرة عن “دار الجمل” (بيروت). التّرجمة جيّدة بالعموم، لكنّ استخدام بعض التّعابير العربيّة القديمة تجعل المقصود صعب الفهم. كما أن الأخطاء المطبعيّة تُشتّت القارئ أحياناً. وغياب علامات الوقف يجعل بعض الأفكار والجمل متضاربة.

Print Friendly, PDF & Email
حوراء دهيني

كاتبة لبنانية

Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  مصارف "الزومبي" نموذجاً لبنانياً: جردة في الميزانيات