فلسطين أقوى من الأديان.. والآلهة

كفى. اترك لغتك. هي هشيم. لم يعد لديك معنى. فلسطين عاصمة الدماء. نتجرع الدم الحرام. نسفك دموعنا. نتطلع الى فوق. السماء أغلقت زرقتها. هجرتها الآيات. صارت قاحلة. الصلوات تيبست كلماتها. وحدها غزة تتكلم. نقرأ في دمائها عارنا الإنساني. فيا غزة، ها قد عرّيتِ العالم، ولكنه ما زال يرقص ويتباهى بالسفك.

خلص. غضبك أصوات مبحوحة. آلامك الجميلة شهادة على الخسارات. الحضارة المفترسة في فرح وغبطة. فأخرج أيها الفلسطيني من طموحاتك، ولا تُعوّل على الجماهير النقية. هي في مقام النبل والقيم، وهذا مقام هش، ينبض في الشوارع. يوقظ العواصم. ينتمي الى الصعب. يحاول المستحيل. عبث. لا تنتظر ولادة الحق، ولا تتوقع فوز الاخلاق والحريات والعدالة ومنظومة ثقافات النهضة الإنسانية.

اننا نكتب لغتنا بدمائنا. خلص. السياسات تُكتب بأعقاب البنادق، واكاذيب الكلام، فهذه غزة، وحيدة، وحيدة، وحيدة. أصوات النبلاء ترتفع بالقبضات فقط. الطريق الى الحرية موفورة الدماء. لكن هذا العصر والقرن الفائت، أبادا كل جمال وحب وحق وحرية. هل تناسيتم حروبهم؟ الغرب حفّار قبور. تاجر أسلحة. بيَّاع أوهام. كذّاب مدمن على الاقناع باللكمة والطلقة.

هذا الغرب الأنيق جداً، ليس سوى سفّاحاً.

كفى. علينا أن نعترف بذنب انبهارنا المهووس بالغرب. من يُقلّد هؤلاء، ليس إلا كلباً يعوي بغير لغته. هو غرب وقح. لا يُختشي. يُكذّب لنصدقه، ويصدق لنخافه. ممعن في الارتكاب. ملتبس وواضح معاً. مظهره أنيق. بلاده مشعة. أخباره مفاجئة. اكتشافاته مذهلة. علومه متفوقة. لكن كل ذلك مطعون من قبله. لديه سرعة تحويل المنتج الى سلاح. الى تهديد. الى منع. إلى ارتكاب. حتى الادوية ليست للشفاء كلها. فيها الكثير من حيل الذكاء الرأسمالي.

كنت أحضّر كلماتي لأحكي عن غزة. عن فلسطين. عن شعوب خاضت بحناجرها في الشوارع حرب الصوت الصادق. تحولت عن ذلك. لا رغبة عندي في المساهمة بطواف البكاء، واللغة الفضفاضة، والتفوق على الجراح.

اعتذر. لست من جنس الأقوياء ولا أراهن كثيراً على المستقبل. غزة عندي اليوم، سحابة مقابر. كومة أجساد مقدسة. هذا هو المقدس الوحيد عندي. الفلسطيني أقوى من الأديان والآلهة. يذهب الى شهادته حاملاً دمه ودم عائلته وسلالته معه. ينعدم كلياً، ويدخل في صمت الخلود. الفلسطيني، كما اكتشفت، ليس عربياً. في الأصل، العروبة نفقت من زمان، ولربما لم تكن، أو كانت بصيغة الغائب أو المتخاذل أو المتآمر. كنية الفلسطيني واحدة فقط. الفلسطيني ينتسب إلى ذاته. إلى فلسطينه. وفلسطين أقوى من الآلهة.

.. وبناء عليه وعلى سواه، يلزم أن نكون واقعيين جداً، وأن نكون حقيقيين، كأن نعرَّي جو بايدن من ثيابه.. لدينا مخيلة تعرية عباقرة القتل. عرّوا بايدن. “تنقوزوا” عليه. هو مختل التكوين. خرابه الأخلاقي شامل. كنا نظن أنه يُطاع. يا حرام! إنه يطيع “إسرائيل العظمى”، برغم صغرها لا يجرؤ على نقد، وإن تجرأ عُوقِبَ، فيتراجع. “إسرائيل” ليست دويلة اغتصاب. “إسرائيل” امبراطورية عظمى. الصهيونية اليهودية، والصهيونية المسيحية، والصهيونية الإسلامية، والصهيونية العربية والدولية.. هي امبراطورية عظمى. والدليل، أن لا أحد يتجرأ على نقدها أو حتى على نصحها. هي الآمرة وهي الناهية.. حتى الآن، وبعد التجارب، ظهر أن الرأسمال، إله الآلهة، ولا يُقهر.

إذا أردنا أن نقارن نقول: تفوّقت “إسرائيل”، على هولاكو، على جنكيز خان، على الفايكنغ. على مستعمري أميركا، على اجتياحات بريطانيا العظمى – تشرشل أصغر من شايلوك – وعلى الترف الإستعماري الفرنسي. وعلى (أرجو الانتباه) نازية هتلر. النازية أحرقت اليهود بالكتمان. أخفت ذلك. أما نازية “إسرائيل” راهناً، فهي معلنة وممدوحة، ومسموحة ومغفورة خطاياها.. رجاء لا تهدّدونا بالجحيم. إننا نحيا في زمن غربي سافل ولصوصي أفدح من الجحيم.

الفلسطيني، كما اكتشفت، ليس عربياً. في الأصل، العروبة نفقت من زمان، ولربما لم تكن، أو كانت بصيغة الغائب أو المتخاذل أو المتآمر. كنية الفلسطيني واحدة فقط. الفلسطيني ينتسب إلى ذاته. إلى فلسطينه. وفلسطين أقوى من الآلهة

لا أعرف الجواب على السؤال: من يأمر من؟ الغرب أم “إسرائيل”. أظن، أن الدلائل تشير إلى الأمرة “الإسرائيلية”. لقد أقدمت دول التبعية الغربية، على دعم الجرائم “الإسرائيلية”، ومعاقبة كل من ليس الى جانب “إسرائيل”. إذاً، “إسرائيل” هي الأقوى، فلا حول ولا قوة إلا بغزة.

قليل من الهرطقة المسلية: أين العرب؟ سؤال سخيف. لا جواب. العرب وضع نقطة العين. الغرب هو طموح العرب. أموال باهظة وسخية ومطيعة، من أجل نقطة فوق العين. عَرَبْ وغرب. شقيقان غير متساويين. تابع ومتبوع. ولذلك، قام العرب بواجب أداء الحلول المستعصية.

يتقنون الطاعة، ويا للأسف، لا يجيدون التمثيل. يفضلون الوضوح.. شارع المتنبي في بيروت، قريباً من ساحة الشهداء. ضدان.

راهناً، شارع المتنبي يمتد من المحيط الى الخليج، من “ماريكا” إلى “عربيكا”.

قلنا ما يجوز قوله. ماذا بعد؟

أسئلة ضرورية، بإجابات ناقصة. المرجعيات الدينية “فالصو”.

الفاتيكان صامت. شكراً ولو غضب المسيح المصلوب. تلاميذه أنكروه وهو صاعد إلى الجلجلة. إلى آخره. كان يسوع يُصلب، وحوله أم ونساء باكيات. رجاء، أعيدوا الاعتبار إلى المرأة، فهي أقوى من الرجل. ضعوه في رتبته. إلى الوراء قليلاً.

إقرأ على موقع 180  "الحوربات" الإنتخابية اللبنانية.. لئلا تضيع

المراجع الإسلامية، حدّث ولا حرج. مليارات ممتدة، ولا صوت يعلو على صوت الآذان. لم يلجأوا إلى آية.. إن آيات الفداء المطعمة بروح الدماء، أكثر صدقاً من الكتب. إخس. الله منفي ومغيَّب. العقوبات ممنوعة، والمساءلة مشكوك فيها.

المراجع الأخلاقية؟ مجلس الأمن؟ هيئة الأمم المتحدة. لا تسأل. إنها في غيبوبة إلزامية. إياك أن تسأل عن الجامعة العربية، عن منظمة التعاون، عن وعن.. اصمت. إنها هيئات مشغولة بهراء الكلمات ومهرجانات الدجل الفني.. ثرواتنا ليست لشعوبنا. لا أحد يجرؤ على مخالفة اوتوسترادات المال: من الدول الغنية إلى الدول الأغنى .. والموت للفقراء.

كفى..

لكن لا يمكن التغاضي عن “الإعلام”. لم تمت الصحافة. بل قُتلت، وأعيد تمثيل دورها بأناقة وفداحة. الصحافة تنطق بلغة مدفوعة الثمن.. الإعلام العربي، ليس عربياً أبداً. هو إعلام غربي بلغة عربية عاهرة. الإعلام الغربي يقيم في قلعة مالية ومطبّع لصدقات. المال هو سيد الصحافة والإعلام. اننا نعيش على كذب أممي. ما يقوله الغرب كاذب. ما يقوله الإعلام العربي فادح. ومع ذلك، نُصدّقه، بل، نُفتن به.

كفى..

علينا أن نُبدع لغتنا. أن نبني المعاني. أن نؤلف الطرق. أن نصون الإنسان. أن نؤمن بأن لا شيء فوق الإنسان. الإنسان ربنا الأرضي. الرب السماوي مكتفٍ بالصلوات والـ.. الانسان، أرقى ما في الوجود، هو بحاجة إلى افق ناصع، إلى أرض صلبة، إلى إيمان كريم، إلى قوة بنّاءة، إلى مخاطرات محسوبة، إلى حب مستدام.

لذا،

ثمة فعل إيماني يبدأ: أؤمن بالإنسان، وهذا يكفيني.

سيقولون إنني أهذي.

صح.. على الأرجح.

أعذروني.

Print Friendly, PDF & Email
نصري الصايغ

مثقف وكاتب لبناني

Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  روسيا على ناصية المتوسط: وحدة ليبيا... وتحرير "كنيسة الروم"!