هو لبناني جداً. بحث عن لبنانه، فلم يجده. “الدولة، مومس سرية”. إنها وجه هذا المجتمع التافه. المواقف النظرية تافهة. لبنان “على حذائه كل المواقف النظرية والمواقف الإنسانية. هذه كلها، تسقط في المجتمع اللبناني التافه، كما تسقط حبة العطر في مرحاض”. وعليه، يجب أن نفتك بهذا اللبنان “البهورجي” التافه و”نؤذيه بالفعل”.
بأيّ حق، مئة محتكر يغزون لبنان، بدعم من طوائف، تدعي العفة الروحية، وتتبارى في جولات النهب والسرقة، فيما أبناء لبنان المعترين في كل مستحيل يقعون. المجتمع الطائفي اللبناني، يعامل “أتباعه النشامى”، كأرقاء. كلمات أنسي الحاج هذه، عمرها ستون عاماً، وما تزال تنجب كوارث أخلاقية. والدولة تتولى أولاً، حماية هؤلاء.. عصابة لصوص، متفرعة الحضور، من الشمال إلى الجنوب، وهؤلاء، محمّيون ومقدّسون ولا يتجرأ أحد عليهم، وهم معروفون ومعلنون ومرتكبون ومحمّيون من عبيد برتبة طائفية مصانة.
يعلن أنسي الحاج طلاقه النهائي مع مغارة علي بابا اللبنانية. وعليه، فإنه يدعو إلى خيانة هذا “الوطن”: “أخونه.. لبنان الحاضر فضيحة”.. “الدولة أسيرة في أيدي باترونات الدعارة الاقتصادية والسياسية والطائفية، دولة تقبض معاشاتها من المئة مليونير الذين يُرخّصون لها بالحكم متى شاؤوا ويشحطونها من الحكم متى شاؤوا”.
إزاء هذا الوصف، يعلن أنسي عصيانه، فيدعو إلى عدم الاعتراف بحكومة “مقبرة ولا بنواب تافهين أو عملاء.. نحن ضد لبنان الحاضر، التمساح، ومغارة الحراميي والمجرمين”. وعليه، نريد أن ننتقم. وكلنا يعرف، ماضياً وحاضراً، حتى اللحظة الراهنة، في العام 2024، أن النظام الرأسمالي، أفظع وأقوى وأشرس نظام رأسمالي في العالم. اشترى الدولة برمتها. توزعوها. اعتقلوا القضاء وساقوه إلى منصة عاهرة. القضاء خادم أمين لطغمة القوى الرأسمالية الطائفية. لم نعرف قاضيا استشهد من أجل حق.
في 17 تشرين الأول/أكتوبر من العام 1965، كتب أنسي الحاج مقالة بعنوان: “هؤلاء هم إسرائيل”: “افتحوا أبواب السجون ليخرج منها كل المساجين وتمتلئ الزنزانات عوضاً عنهم بالزعماء، الذين نظموا سنة 1958 مذبحة لبنان الطائفية الرهيبة.. حاكموا أبطال الاغتيال والتعذيب والخيانة الذين عادوا فحكموا لبنان”
يعلن أنسي الحاج شرطه ليكون الإنسان في لبنان لبنانياً: عليه أن يعلن ويفعل وينتظم في قافلة الخارجين من نظام الخدم، من قافلة البهائم، من فضيلة الاستسلام وساكني الحظائر السياسو – طائفية.
ماذا أقول أيضاً؟ لا شيء سوى أن أدع أنسي الحاج يقول غضبه في توصيفه للواقع آنذاك، وعلينا أن ننسخه ونضيف إليه، بعدما بلغ لبنان مرتبة المذبحة. ولقد حصلت المذابح بعد مقالات أنسي الحاج في “الملحق” بسنوات.
لا أحزاب في لبنان. الحزب كذبة ونفاق كلمات.
لا أحزاب في لبنان البتة. شُبِّه لهم بأنهم على خطى كارل ماركس وأنطون سعادة وميشيل عفلق، وسواهم من مؤسسي حركات هدفها بناء مستقبل معقول. عبث. لا حياة لمن تحزّب. تاريخ الأحزاب، هنا، وفي بلاد الأشقياء العرب، موحلة سياسة وصراعات وانتقامات داخلية. كانوا ضوءاً أعمته مواخير الصراعات والانقلابات. بح. لا أحزاب في الماضي والرحمة على من تبقى على قول الشاعر: “قفا نبكِ من ذكرى..”.
إذاً، لم يكن لبنان يشبه أغانينا: “لبنان يا قطعة سما”. لا يشبه أناشيد الشعراء. فليعذرنا “الأخوين رحباني”.. كيف للبنان أن يكون فيروزياً، وهو على امتداد أرضه وسمائه، موحلة ومواخير ونهباً. هذا جحيم ولا يمكن أن يكون “قطعة سما”. لا نستطيع أن نصدّق طهرانية القصائد الرائجة حتى اليوم، في “دولة” لبنان، التي اشتهرت بأنها دولة عصابات رسمية معترف بها.
في 17 تشرين الأول/أكتوبر من العام 1965. (قارنوا جيداً) كتب أنسي الحاج مقالة بعنوان: “هؤلاء هم إسرائيل”: “افتحوا أبواب السجون ليخرج منها كل المساجين وتمتلئ الزنزانات عوضاً عنهم بالزعماء، الذين نظموا سنة 1958 مذبحة لبنان الطائفية الرهيبة.. حاكموا أبطال الاغتيال والتعذيب والخيانة الذين عادوا فحكموا لبنان”.. وهذا ما حصل بعد مذابح الحرب الطائفية العظمى، في ما بين العامين 1975 و1990. قانون العصابات هو السائد. أنظروا إليهم في كل وقت، ماضياً وحاضراً وغداً. نخرج من المشهد بعصابات الكذب والدجل والزقيفة (المصفقون).
دعانا لإفراغ لبنان من زبانيته ولصوصه وقيادات طوائفه ديناً ودنيا ومالاً. “أحفروا القبور لحفاري قبور لبنان. أخنقوهم بأيديكم. تاريخ لبنان في أيديكم”.. إن لبنان يُخرج على الدوام المتآمرين عليه. يا ذُلنا، يا عارنا، يا كُلّ شيء ضدنا
لماذا كل هذا؟ ألا يتعلم اللبنانيون من كوابيس القتل؟
يعلن أنسي الحاج في مناخ التراضي الوطني ما يلي: “جميعهم كذّابون”. معه حق، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً. يقول أنسي: “يسارهم كذّاب ويمينهم كذّاب. لا تصدّقوا أحداً منهم. لا تصدّقوا الأحزاب اللبنانية ولا السياسيين ولا الحكام. إنهم طائفيون وعملاء. وعملاء للذين يستعملونهم ضدكم.. شعب لبنان حتى اليوم كان عبداً للعملاء.. كان عبداً للطائفيين”.. منذ ربع قرن (يلزم إضافة 60 عاماً أيضاً) وهم رأسماليون، طائفيون، وعائليون، يستعبدوننا روحاً وجسداً. يفرضون الخوة ويزوّرون الإرادة، يتاجرون بكل الممنوعات”.
منذ ربع قرن يحتّلون دولتكم. يُعلنون أنهم هم الذين صنعوها وصنعونا. نحن خدمهم. هؤلاء. سمّموا لبنان مع أتباعهم الأشاوس والبهائم. سمّموا لبنان. مسخوا مواهبه. باعوه. حوّلوه إلى غابة لكواسر المال وذئاب المنافسة.. “هؤلاء هم إسرائيل” لقد باعونا: “الذين باعوا أراضيهم من الصهاينة في فلسطين والذين باعونا في 1958.. باعوا جلودنا وضمائرنا وأرواحنا”.
غضب مثالي عند أنسي الحاج.
دعانا لإفراغ لبنان من زبانيته ولصوصه وقيادات طوائفه ديناً ودنيا ومالاً. “أحفروا القبور لحفاري قبور لبنان. أخنقوهم بأيديكم. تاريخ لبنان في أيديكم”.. إن لبنان يُخرج على الدوام المتآمرين عليه. يا ذُلنا، يا عارنا، يا كُلّ شيء ضدنا.
هل أنا خائف؟
من زمان. أدمنت على الخوف. هو خوف بنّاء. وخوفي اليوم في فلسطين، دليلٌ على أن الخوف هذا، صادقٌ وبناءٌ ومحركٌ نضالي. الماضي كان لهم. حوّلوه جحيماً. فليكن المستقبل جائزة دمائنا، ودماء أبطال غزة والضفة وشمال الجنوب.
بعد كل هذا الألم، لا مفر دائماً من الأمل.