نعم يا آرون؛ حللت عقدة لسان بني قومك. أنت تنتحر، كما تقول القوانين الوضعية، وأنت ترتكب جريمة ايذاء النفس التي يعاقب مرتكبها.. وفي الوقت نفسه، لا تُجيز شرائع عديدة التعزية بك.
لكنك يا آرون تجاوزت تلك القوانين والشرائع وارتديت بزتك العسكرية وظهرت ببشرتك البيضاء السمحة التي غالباً ما كانت مريحة للآخرين وعامل مساعدة قبل أن يُحوّلها الذئاب إلى رمز توحش وقتل بآلات الدمار العسكرية.. ومضيت في قرع جرس الإنذار على المجتمع الأميركي الذي تمادى في سكوته عما يجري من جرائم ضد الإنسانية تُموّل من أموال دافع الضرائب الذي يجهد لتحصيل قوته ودفع فواتيره في الولايات المتحدة المعقدة.
ولد آرون عام 1999 في مدينة سان انطونيو بولاية تكساس ونشأ في عائلة تنتمي الى جمعية “مجتمع المسيح”. منزل العائلة يقع على مسافة أقل من مائة متر من كنيسة التجلي Church of the Transfiguration التي يشرف برجها العالي على المنزل وعلى الحي بكامله.
يرفرف أمام المنزل العلم الأميركي وعلم آخر كتب عليه: “نداء الى السماء”.
وعلى مدخل المنزل لوحة كتب عليها مقتطف من سفر التكوين 28:17: “كان خائفاً وقال كم هو مهيب هذا المكان. انه ليس سوى بيت الله. انه بوابة الجنة”.
كانت والدته دانيال تعمل في قسم الإعلام في تلك الجمعية وعمل معها آرون عندما كان صغيراً. والده ديفيد عامل فني في البناء وعضو ناشط على صفحة مسيحية على الفايسبوك.
تأسست جمعية “مجتمع المسيح” في ستينيات القرن الماضي على أيدي امرأتين وتوالى على رئاسة الجمعية بعد وفاتهما عدة نساء وتشير مواقع التواصل إلى أن عدد المنتسبين يبلغ نحو ثلاثمائة يقيمون قرب الكنيسة.
تطوع آرون بوشنيل في القوات الجوية الأميركية وأصبح فنياً في وحدة الأمن السيبراني. كان رؤساؤه معجبين بمهاراته في العمل وشجّعوه على اكمال دراسته في الهندسة السيبرانية.
كان آرون مولعاً بالموسيقى الدينية ويعزف ويشارك والدته في توزيع الكتب والنشرات والألحان الدينية.
نقل عنه بعض أصدقائه أنه كان يندفع لمساعدة المحتاجين لكن أحد أصدقائه تحدث الى جريدة “نيويورك بوست” قائلاً:
“آرون كانت لديه معلومات سرية حول وجود قوات أميركية تشارك في عمليات القتل في غزة”.
هناك صديق آخر له اسمه بيربونت قال إنه بحلول العام 2024 أصبح بوشنيل أكثر إنفتاحاً في تقبل الإعتراضات على أداء الجيش الأميركي، ففي أعقاب مقتل الشاب الأميركي من أصل أفريقي جورج فلويد على يد الشرطة الأميركية في مدينة مينيابوليس عام 2020، أخبره بوشنيل أنه بدأ رحلة البحث في تاريخ الولايات المتحدة وأنه أراد اتخاذ موقف من جميع أعمال العنف التي تُقرها الدولة الأميركية.
تمكن آرون من بث وقائع توجهه نحو رصيف السفارة الإسرائيلية في واشنطن حيث ووضع سائلاً مجهولاً على وجهه وجسمه وأحرق نفسه بشكل حي ومباشر على الهواء مباشرة قاطعاً بذلك الطريق على من يحاول تشويه عمله.. وهكذا كان البث الحي بالصوت والصورة:
“اسمي آرون بوشنيل، وأنا عضو في الخدمة الفعلية في القوات الجوية الأميركية وأنا لن أكون شريكاً بعد الآن في جريمة الإبادة. أنا على وشك الانخراط في عمل احتجاجي شديد التطرف، لكنه بالمقارنة مع ما يعاني الشعب الفلسطيني على أيدي مستعمريه ليس أبداً عملاً متطرفاً. هذا ما قرّرت الطبقة التي تحكمنا اعتباره عادياً.. فلسطين حرة”.
شعرت “الطبقة” التي تحدث عنها آرون بخسارة مدوية في السياسة والإعلام إذ أنّه نبّه الجمهور الأميركي إلى الجرائم التي ترتكب في غزة ونجح في تحريك الرأي العام الأميركي وسرعان ما تحوّل مكان احتراقه إلى منصة خطابية تضامناً مع أبناء غزة. لكن “الطبقة” نفسها سارعت إلى إطلاق حملة تشويه للعمل الذي قام به آرون وحملة أخرى شديدة اللهجة ضد جمعية “مجتمع المسيح”، وهي تحاول أن تشغل الناس عن غزة بأمور أخرى وبالتالي طمس جريمة ذهب ضحيتها حتى الآن أكثر من 100 ألف بين شهيد وجريح، فضلاً عن عشرة آلاف مفقود.
“الطبقة” نفسها التي تحدث عنها آرون ليس مستبعداً أن تكون هي وراء حذف موقع أُنشئ على شبكة الانترنت لجمع تبرعات لعائلة آرون Go for fund بعد أن تلقى تبرعاً بخمسين دولاراً من دون معرفة السبب وراء هذا الحجب السريع.
فعلها آرون بوشنيل.