إصبع والدة الأسير أحمد مناصرة.. أكثر من “طوفان”!

لا يصح تساؤل البعض، عمّا إذا كان الإفراج عن آلاف الأسرى الفلسطينيين يستحق عملية بحجم "طوفان الأقصى"، بكل أبعادها وتداعياتها وتضحياتها، فقد صار لزاماً علينا أن نغادر منطقة الهزيمة والإنهزام وأن يعود للإنسان العربي قيمته، حتى لو كان فرداً واحدا.. وهنا سأكتفي بالحديث عن قصة أسير فلسطيني واحد هو أحمد مناصرة.

قبل الحديث عن أحمد مناصرة حريٌّ بنا العودة إلى قصة المرأة العربية الهاشمية شراة العلوية، التي استغاثت بالخليفة العباسي المعتصم بالله، ابن هارون الرشيد، ونادته “وامعتصماه”، بعد أن تعرّض لها أحد جند الروم في مدينة العمورية في تركيا، وسحلها في السوق وهو يسوقها إلى السجن. وحينما وصلت إلى مسامع الخليفة استغاثة المرأة، ردّ عليها “لبيك يا أختاه.. لبيك يا أختاه”. وخاض لأجلها معركة فتح عمورية وطرد منها الجيش الرومي.

وبطبيعة الحال، تكبّد المسلمون خسائر بشرية بسبب إهانة إمرأة، وكان يمكن السكوت عليها في حسابات المهزومين والمستسلمين، لكن ليس هكذا تورد الإبل عند العرب.. وليس الأعراب طبعاً. مع الإشارة إلى أن معركة العمورية كانت فاتحة لتحرير الكثير من المدن والبلدات الاسلامية من الروم.

 بالعودة إلى أحمد مناصرة؛ إبن بلدة بيت حنينا في القدس الشرقية، فقد كان في 12 تشرين الأول/أكتوبر 2015، دون الـ 13 عاماً، بينما كان يُرافق ابن عمه حسن مناصرة (15 عاماً)، في مستوطنة بسغات زئيف في القدس. أطلقت عليهما الشرطة الإسرائيلية النار، أصيب أحمد على الأثر، فيما ارتقى ابن عمه شهيداً.

عُولج أحمد في المستشفى ومن ثم اقتيد إلى السجن بتهمة طعن إسرائيليين بمعاونة ابن عمه في المستوطنة المذكورة من دون وجود أي دليل حسي على ذلك. ولم تعثر المحاكم التي انعقدت لمحاكمته على أي دليل يُثبّت اشتراكه في عملية الطعن. وبرغم ذلك أُدين بتهمة محاولة القتل في العام 2016 بموجب إجراءات قضائية تم التلاعب بها، علماً أنه كان دون السن القانونية الدنيا للمسؤولية الجنائية في ذلك الوقت.

يقبع أحمد في السجن منذ ثماني سنوات، بينها آخر ثلاث سنوات (منذ خريف 2021) يُمضيها في الحبس الانفرادي. وقد تمّ تشخيص حالته بالفصام، حيث يُعاني من تخيلات ذهانية، كما أنه يعاني من اكتئاب حاد مصحوب بأفكار انتحارية. زدْ على ذلك سوء المعاملة التي تعرّض لها قبل الانفرادي وبلغت حد حرمانه من الحصول على كتب تعليمية كان يطلبها لاستكمال الدراسة في السجن. ولطالما تلاعب سجّانوه بأعصابه، إذ يُردّدون أمامه بأن الحبس الانفرادي سيُمدّد له.

وقد حُرِمَ أحمد المناصرة من لقاء عائلته أكثر من سبع سنوات، حتى سُمِحَ لوالدته، بعد طول عناء وطلبات تقدم بها محاميه، أن تلمس أصابعه للمرة الأولى في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، وذلك بعد رفض القاضي الإسرائيلي السماح لها بمصافحته. وعن هذا الأمر، قالت والدة الأسير؛ “أمسك ابني بإصبعي وظلّ يقبله وهو يرتجف ويبكي بشدة. فرحتُ كثيراً لأنني لمست إصبعه بعد حرمان طويل.. كان ابني كثير التأثر بالأمر”.

هذه واحدة من مئات القصص التي يُتَوقف عندها وتستحق التضحية، وحسناً فعلت حركة “حماس” بأسرها عشرات الإسرائيليين لتُبادلهم بآلاف الأسرى الفلسطينيين، فكما قال المعتصم بالله “لبيك يا أختاه”، قال يحيى السنوار ورفاقه “لبيكم يا إخوتنا الأسرى”!

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  التطبيع السعودي فرصة لفلسطين.. وإلا لاتَ ساعة مندم
مهدي عقيل

أستاذ جامعي، كاتب لبناني

Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  إيران تشتري الوقت.. وواشنطن تُلغي إجتماع بروكسل!