“طموح بنيامين نتنياهو إلى “النصر المطلق على حماس” يولّد واقعاً، لن تُهزم فيه الحركة، ولن تتم معالجة التهديدات الجدية لإسرائيل، مثل حزب الله والحصار البحري الحوثي واستعادة الردع الإقليمي. نتنياهو، ومعه جميع أعضاء “كابينيت الحرب”، من غالانت، وصولاً إلى غانتس، لا يعرفون ما يقولون: الحرب لن تنتهي من دون الوصول إلى خط النهاية في رفح.
يتم طرح صورة وهمية للعالم كله، تستند إلى معطيات صحيحة: 75% من الكتائب التابعة لـ”حماس” تم تفكيكها، وبقيت 6 كتائب، 4 منها في رفح. لكن هل القصة هي قصة كم تبقى من كتائب “حماس”، وكم انتقل منها إلى حرب العصابات؟ الانشغال المهووس فقط باحتلال رفح يمنع الجيش من التوصل إلى أهداف لا تقل أهميةً في الشهر القريب. غزة ليست سباقاً، إنما هي ماراثون لم تحقق فيه إسرائيل أهدافها الاستراتيجية. النتيجة: انتصار تكتيكي يمكن أن يتحول إلى هزيمة استراتيجية.
السنوار: “الإسرائيليون موجودون بالضبط حيث نريدهم أن يكونوا“
بعد 5 أشهر من القتال، يجب أن ننظر إلى الجمهور ونقول الحقيقة:
حققنا، جزئياً فقط، هدف تحرير الرهائن. عملياً، “حماس” تتمسك بمواقفها، وتشعر بالنصر.
الرغبة الإسرائيلية في “تفكيك حُكم حماس” لم تتحقق. وفي الوقت نفسه، نجحت “حماس” في خلق ضغوط دولية، عبر ادعاء “إبادة شعب”، وصور الأطفال التي يتضورون من الجوع، وأعداد القتلى الغزيين الذين يُقال إنهم “مدنيون”. صحيفة “وول ستريت جورنال” أشارت إلى أن يحيى السنوار يعتمد على هذا، تحضيراً للمعركة في رفح، ومرّر رسالة إلى قيادة “حماس” في قطر: “لا تقلقوا، عدد القتلى الكبير من المدنيين سيؤدي إلى ضغوط على إسرائيل لوقف القتال”. وبحسب الصحيفة، فإن رسالة السنوار وصلت إلى الدوحة مع رسالة بهذه اللغة: الإسرائيليون موجودون بالضبط حيث نريدهم أن يكونوا”.
ما الذي يؤلم “حماس” فعلاً؟
فشل “حماس” الكبير هو في عدم قدرتها على إشعال هجوم إقليمي على إسرائيل. قيادة الحركة لا تزال تأمل بتغييرات من خلال نشوب اضطرابات في شهر رمضان. لنأمل بأن تنجح السياسة الإسرائيلية الذكية والمضبوطة في منع ذلك، وبصورة خاصة في القدس، وأيضاً في غزة. لكن، عندما ننظر إلى ردّ “حماس” على المقترح الذي قدمه الوسطاء والولايات المتحدة، يمكن أن نلاحظ ما يزعج قيادة “حماس” في غزة: إنهم يطالبون بعودة النازحين من الجنوب إلى منازلهم المدمرة جزئياً في الشمال. هناك، تكمن قصة الردع.
من دون قصد، بات الإنجاز الأكبر لإسرائيل في مجال الردع الإقليمي هو الدمار الكبير الذي خلّفته المعارك في مدينة غزة. علينا أن نستعمل هذا الإنجاز الرادع، وأن نعمّقه – بكل الطرق القانونية الممكنة.
الوضع في شمال القطاع، عسكرياً وإنسانياً
على الرغم من أن إسرائيل أعلنت “السيطرة العملياتية” في شمال القطاع، وعملياً، انسحبت من الجزء الأكبر من هناك، فإن الوضع في الشمال ليس جيداً بالنسبة إلى إسرائيل. لا يزال هناك 300 ألف نسمة في الشمال، بينهم آلاف “المخربين”. ويتركزون في مراكز الإيواء التابعة لـ”الأونروا”، في الأساس في جباليا والرمال، وفي أجزاء أُخرى جنوبي المدينة: حي الزيتون وصبرا. “حماس” تحاول إظهار بعض السيطرة: رجال شرطة يعتقلون اللصوص وبعض موظفي البلدية يحاولون إظهار أنهم يعملون.
على الجيش أن يعمل على تنظيف شمال القطاع كلياً، وتحديداً، الجزء القريب من إسرائيل، من جميع بنى “الإرهاب” والناشطين الموجودين بالآلاف في شمالي مدينة غزة. لا توجد طريقة أُخرى للقيام بذلك، سوى إجلاء السكان الذين ما زالوا يشكلون دروعاً بشرية لناشطي”الإرهاب” الموجودين بينهم
“الإرهاب” في شمال القطاع لم ينتهِ: من بين عشرات حالات إطلاق القذائف الأسبوع الماضي، كان هناك 9 من الشمال في اتجاه سديروت وأشكلون والغلاف. طريقة “حماس” هي زرع عبوات مختلفة، بعضها في بيوت سرية. مقاتلو الحركة يتحركون من دون سلاح، وبملابس مدنية، ويندمجون داخل المجتمع، ويحملون السلاح خلال قيامهم بهجوم، ويعودون ليكونوا مدنيين. هناك إمكانية لم يتم فحصها كلياً حتى اللحظة (لأنه لا يمكن الدخول إلى كل منزل في مدينة غزة)، وهي وجود رهائن في مدينة غزة. لذلك، يجب إخلاء كل المدينة إلى الجنوب – لكي تسقط منظومة الإمداد اللوجستي التابعة لـ”حماس”. هذه المنظومة تتشكل من مئات آلاف المدنيين الذين بقوا في مدينة غزة، ويحصلون الآن على مساعدات من إسرائيل – تصل أيضاً إلى “مخربي حماس” الذين يختبئون بينهم.
إجلاء السكان من الشمال إلى الجنوب
من أجل خلق ضغط إضافي على “حماس”، وفي الوقت نفسه، تخلص إسرائيل من المسؤولية عن حياة السكان المدنيين، يجب أن تنفّذ إسرائيل سياسة بعكس السياسة التي ينفّذها الجيش الآن. على الجيش أن يعمل على تنظيف شمال القطاع كلياً، وتحديداً، الجزء القريب من إسرائيل، من جميع بنى “الإرهاب” والناشطين الموجودين بالآلاف في شمالي مدينة غزة. لا توجد طريقة أُخرى للقيام بذلك، سوى إجلاء السكان الذين ما زالوا يشكلون دروعاً بشرية لناشطي”الإرهاب” الموجودين بينهم.
وفي إطار العمليات العسكرية في مدينة غزة ومحيطها، يستطيع الجيش، بحسب القانون الدولي، الطلب من السكان الذهاب جنوباً إلى المناطق الإنسانية في المواصي ورفح وشاطئ خان يونس. هناك في جنوب القطاع، وفقط هناك ستؤمّن المساعدات الإنسانية للمدنيين. على الجيش أن يسمح لكل جهة: الولايات المتحدة، مصر، الإمارات، أو السعودية، بتحمّل مسؤولية إدخال المساعدات إلى جنوب القطاع، عبر مصر ومعبر رفح. وعملياً، من الأفضل إخراج إسرائيل كلياً من المسؤولية عن الجانب الإنساني: وقف الفحص الأمني الذي يجري في معبر “نيتسانا” و”كرم أبو سالم”، وأن يتم توجيه الانتباه الدولي إلى معبر رفح.
العصا والجزرة
لأن العالم كله يضغط على إسرائيل للامتناع من القيام بحملة على رفح، والمشكلة في إجلاء 1.4 مليون شخص من المنطقة كبيرة جداً، من الأفضل لإسرائيل أن تحافظ على إمكانية الدخول إلى رفح كتهديد – وعدم تنفيذه الآن.
التفكير السطحي في أننا فقط إذا “فككنا 4 كتائب إضافية لحماس في رفح”، فسنصل إلى خط النهاية، ونسير نحو “الانتصار المطلق”، لا تأخذ بعين الاعتبار أن الحرب في غزة متعددة الأبعاد. مثلاً: سيستغل ناشطو “حماس” والمواطنون الإجلاء شمالاً من رفح، من أجل تنظيم أنفسهم بهدف “مسيرات عودة” إلى شمال القطاع.
من الأفضل لإسرائيل أن يبقى الفلسطينيون هناك في طنجرة الضغط في رفح. هذا بالإضافة إلى أن إجلاء السكان جنوباً من شمال القطاع سيسمح للجيش بالقيام بحملات مشابهة في مركز القطاع (دير البلح) والجزء الغربي من النصيرات (مناطق لم يعالجها الجيش برياً). وعملياً، أقترح أن ينسحب الجيش كلياً من جنوب القطاع في شهر رمضان، وأن يركز قواته في وسط القطاع وشماله، في الوقت الذي يستمر في السماح للسكان بالتوجه جنوباً إلى المناطق التي لا يعمل فيها الجيش حالياً، وتوجد فيها مساعدات إنسانية.
خضوع “حماس” لمصر
البديل من الحملة العسكرية على رفح يجب أن يتضمن عاملاً إضافياً مهماً، إذ يمكن أن تؤدي مصر ودول أُخرى دوراً مهماً: الاقتراح على “حماس” الاستسلام في معبر رفح، وتسليم سلاحها لمصر. بالنسبة إلى الحركة، هذا أفضل من الخضوع لإسرائيل. يمكن أن يتم طرح جزرة على شكل منح مالية لقاء كل قطعة سلاح تابعة لـ”حماس” يتم تسليمها لمصر في معبر رفح خلال رمضان. ويمكن أن يتم منحهم منحة مالية مضاعفة في الأسبوع الأول من حملة جمع السلاح – بهدف تحريك العملية.
نتيجة هذه الخطوات كلها، تحتفظ إسرائيل بإمكانية العمل عسكرياً في رفح، لكن في الوقت الحالي، تخلق فصلاً واضحاً، إذ يسيطر الجيش على مناطق خالية في شمال القطاع في الوقت الذي يتحرك السكان جنوباً، بينما يعتمد السكان، أكثر فأكثر، على المساعدات التي تصل عبر رفح ومصر – من دون أي علاقة اقتصادية/ مدنية لإسرائيل.
إن لم تخضع “حماس”، ولم تُحرّر جميع الرهائن بعد شهر رمضان – حينها، يتم الدخول إلى رفح”.
(*) المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية