بدأت رحلة معاناة إثيوبيا جراء فقدانها لأية موانئ بحرية، منذ استقلال إريتريا عنها عام 1993. فبعد انفصال إريتريا كلّيًّا عنها لم يعد للسلطات الإثيوبية أية سيطرة على الموانئ المطلة على البحر الأحمر. وبحسب الحدود الجديدة، تنتهي الحدود التي تسيطر عليها أديس أبابا عند جنوب إريتريا، وهي حدود برية، وبالتالي خسرت إثيوبيا ميناءي مصوع وعصب اللذين أصبحا تحت سيطرة إريتريا.
في البداية لا بد من الإشارة إلى أنه بعد تحررها من الاستعمار البريطاني، انتقلت إريتريا إلى حكم النظام الفيديرالي وعلى رأسه أديس أبابا، وذلك نتيجة اقتراح أمريكي كحل وسط بين البلدين. لكن وبعد فترة من الزمن، اشتد الخلاف يين الطرفين حول مسألة الحدود الأمر الذي خلق توترات لدى كلا الطرفين، أدى في النهاية إلى نشوء مقاومة شعبية في مقابل الحكومة الفدرالية، واشتدت قواها سنة 1961 حين بدأت الحرب بين تلك المقاومة والسلطات الفيديرالية، أدت في نهاية المطاف إلى استقلال إريتريا.
ومع وصول آبي أحمد إلى رئاسة الوزراء، عادت مشكلة المنافذ البحرية إلى الواجهة كأولوية في سياسة حكومته. وقد اعتبر آبي أحمد في خطاب له أن حصول بلاده على منفذ بحري مسألة حيوية. وفي هذا المجال، شرعت الحكومة في سياسة استخدام الموانئ في دول الجوار. لكن ونظرًا لعدم استقرار الدول الأفريقية على مختلف الصعد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، واجهت تلك السياسة عقبات من نواحي عدة.
أمام إثيوبيا خيارات عدة يمكن المضي بها، نظرا لامتلاك معظم الدول المجاورة لها مرافئ في منطقة إستراتيجية، لكن لكل توجه من يمكن لإثيوبيا المضي به، ظروف خاصة وحسابات دقيقة، ذلك أن في كل منها عقبات يقع على إثيوبيا جزء من المسؤولية في وضعها في طريق البحث عن منفذ بحري
تجدر الإشارة إلى توقيع إثيوبيا إتفاقيات لاستخدام موانئ كل من الصومال وجيبوتي والسودان وكينيا عام 2018. ولكن تميّزت كل من تلك الاتفاقيات بعوائق وضعت مستقبل اعتماد إثيوبيا عليها أمام واقع مليء بالثغرات. فعلى صعيد علاقة أديس أبابا بدول الجوار، لا بد من ذكر الأزمة الحالية التي أثارتها إثيوبيا إثر توقيعها اتفاقية إطار مع أرض الصومال، إذ إن الأخيرة دولة انفصالية غير معترف بها دوليا، الأمر الذي أدى إلى توتر العلاقات بين إثيوبيا والصومال التي رأت أن التقرب بين حكومة آبي أحمد وأرض الصومال تجاوزا للحكومة في مقديشو. وبذلك تكون أديس أبابا قد ابتعدت عن إمكانية التقرب من الصومال المجاورة لها، بهدف استخدام موانئ الأخيرة كمنفذ على البحر الأحمر.
في السياق ذاته، تربط السودان وإثيوبيا علاقات هامشية تهددت بالانقطاع بفعل عوامل عدة وعلى رأسها استمرار إثيوبيا بمشروع سد النهضة الذي يضر بالسودان كدولة تعتمد على نهر النيل. إضافة إلى ذلك، لا تزال المشاكل الحدودية قائمة بين الدولتين حول منطقة الفشقة التي يتنازع الطرفان عليها والتي شهدت انتشارا للجيش السوداني منذ عام 2020. في الصومال السودان عامل آخر يمنع إثيوبيا من الاعتماد على موانئهما، فحتى لو بدأت الفجوة بين أديس أبابا وتلك الدولتين بالالتئام، ستبقى الحرب في السودان والحرب على الجماعات المسلحة في الصومال سدًّا يحول دون إمكانية الاستثمار فيهما. وهذا ما ينقلنا إلى عامل عدم استقرار الدول المحيطة بإثيوبيا وأثره على عدم تمكن إثيوبيا من إقامة شراكة معها لاستخدام منافذها البحرية. فأديس أبابا تريد تنشيط حركة تجارتها من خلال تسهيل عمليات الاستيراد والتصدير ونقل تلك العمليات إلى المرافئ، لكن الأوضاع التي تعيشها الدول آنفة الذكر يهدد تلك العمليات التي تتطلب قدرا من الأمان.
وبخصوص جيبوتي، لا تحظى هذه الأخيرة باهتمام كبير من قبل أديس أبابا، وذلك بسبب تواجد قوى دولية فيها مما يرفع من نسبة استخدام موانئها كقواعد لتنفيذ سياستها في البحر الأحمر، خاصة مع دخول الولايات المتحدة الأمريكية – التي تمتلك قاعدة عسكرية في جيبوتي- في مواجهة مع حركة أنصار الله في البحر الأحمر.
يبقى الخياران المتاحان لإثيوبيا وهما كينيا وأرض الصومال، لكن الظروف فيهما تتشابه وتلك القائمة في الدول آنفة الذكر. إذ تواجه كينيا خطر اندلاع حرب بين الدولة والتنظيمات المسلحة. فقد صنّف “مؤشر الإرهاب العالمي” كينيا على مدار العقد الماضي من بين أكثر 25 دولة في العالم تضررا من العمليات الإرهابية. وكذلك الحال في أرض الصومال، ففي الوقت الذي لا تزال فيه الأخيرة غير معترف بها كدولة مستقلة، يلعب تنظيم الشباب الصومالي دورًا أساسيًّا في تنفيذ عمليات داخل حدودها.
أمام إثيوبيا خيارات عدة يمكن المضي بها، نظرا لامتلاك معظم الدول المجاورة لها مرافئ في منطقة إستراتيجية، لكن لكل توجه من يمكن لإثيوبيا المضي به، ظروف خاصة وحسابات دقيقة، ذلك أن في كل منها عقبات يقع على إثيوبيا جزء من المسؤولية في وضعها في طريق البحث عن منفذ بحري.