مُقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان.. فاشلة أم فعّالة؟

في آخر منشور عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عمدت شركة "كوكا كولا" إلى الترويج لصورة الأسيرة الصهيونية نوا أرغاماني مع والدها، وزجاجة "الكوكا كولا" بين أيديهما في أول لقطة لها بعد إفلاتها من الأسر، بهدف الترويج لـ"كوكا كولا" في مواجهة من يدعون إلى مقاطعتها.. وبرغم ذلك ما يزال هناك من يقول أن لا علاقة لـ"كوكا" بدعم حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني!

ثمة أشخاص كُثر لا يفهمون مدى تأثيرهم في مسألة مقاطعة البضائع المُنتجة من قبل شركات أجنبية وعربية داعمة لإسرائيل. برغم أن اللبناني “يعرف كل شيء”، لكن هذا لا يُبرّر لكل من يقول إنه لا يعلم إن كانت هذه الشركة داعمة لإسرائيل أم غير داعمة؟

هذا اللبناني الذي يتابع تفاصيل الأخبار، يشعر بالعجز حيال قدرات الشركات الداعمة للعدو. المشكلة هنا نابعة من كونه مجرد مواطن عاجز عن التغيير في البلد على صعيد الانتخابات النيابية ومحاربة الفساد. لذا يمكننا القول إن المسألة متشابهة جداً وغير متشابهة في آن معاً.

متشابهة لأنه لو آمن هذا المواطن/الفرد بقيمة صوته في الانتخابات النيابية لما وصلنا إلى مجلس نيابي (copy paste) عن المجالس السابقة.

المسألة غير متشابهة لأن القرار هنا فردي، غير حزبي وغير طائفي وغير مذهبي. طابعه العام إقتصادي، لكن مضمونه وطني وقومي بامتياز.

***

ما قبل العدوان الأخير على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، كُنتُ أشرب الـ”سفن آب” باستمرار، لكنني قرّرت منذ اللحظة الأولى للعدوان أن أقاطع وأن أسير بدرب الدعوة لمقاطعة كل ما يُنتجه الغرب الداعم لإسرائيل من طعام وشراب وألبسة ومنتجات إلخ..

ففي جولة لي على دكاكين الحيّ حيث أقيم، طلبت منتجاً لبنانياً بديلاً لشراب بارد في يوم صيفي حار وهو (“آر. سي”)، فجاءت إجابات الباعة: “لا يوجد”. وكنت أتساءل ما سرّ هذا التقصير بالتوزيع من قبل شركة محلية؟.

اللافت للانتباه في الأمر أن البائع يقول دوماً: “عندي بيبسي. سفن آب”. ومع رسم علامات تعجب لإشعاره بأنه يرتكب خطيئة ما كونه غير مقاطع، أفاجأ بضحكة ساخرة تشي بكلمات مثل: “شو رح تأثر المقاطعة على هذا المشروب”؟

هذا الاستخفاف بفعّالية المقاطعة – التي دفعت عدداً كبيراً من المطاعم والشركات في دول أوروبية عديدة للتوقف عن دعم إسرائيل أو للإقفال – يجب أن تكون على أرضنا أكثر انتشاراً وفعاليّة، مثلها مثل الحراك الجامعي في مختلف جامعات العالم الغربي.

ففي حيّ صغير لا تتعدى مساحته الـ500 متر مربع يوجد 4 دكاكين، جميعها تبيع منتوجات “بيبسي كولا” و”كوكا كولا” ولا يوجد داخلها أي منتج بديل. مع العلم أن شركة “كوكا كولا” التي أقفلت عام 2020 عادت وفتحت معاملها في العام 2022 وهي فرع لشركة عالمية تدعم بشكل علني أيضاً إسرائيل.

عمدت شركة “بيبسي” إلى رفع اعلانات ضخمة على “بانويات” في العاصمة والمناطق تسخر فيها من المُقاطعين بالقول لهم: (خليكم عطشانين)، كما صوّرت “فيديو كليب” لمطربين مشهورين في لبنان والعالم العربي يروّجون لمشروبها. فكان الرد عليها بـ”بانويات” مثل (خليك خسران.. أنا مش عطشان) و(خليها تصدّي.. قاطع)

البديل المحلي

البديل قد يُفسح المجال للتفكير بخيارات بديلة كما حصل في حالة مقاطعة “ستارباكس” مثلاً، لكن البديل المحلي غير متوفر لهذه المشروبات.

وما يُستحب ذكره – وإن كان المثال بعيداً نسبياً – أنه مع بدء نزوح السوريين إلى لبنان في العام 2011 ارتفعت نسبة بيع السجائر اللبنانية المُنتجة عن طريق الريجي مثل (سيدرز)، وبشكل كبير إلى درجة أنه اعتبرت هذه الفترة ذهبية بالنسبة للريجي وارتفعت نسبة مبيعاتها 300%. وهذا الرقم هو حصيلة تحقيق كبير ضمن دراسة لزميلة ألمانية أجرته في لبنان.

لم تخجل شركات “بيبسي كولا” و”كوكا كولا” و”سفن آب”. مثلاً، عمدت شركة “بيبسي” إلى رفع اعلانات ضخمة على “بانويات” في العاصمة والمناطق تسخر فيها من المُقاطعين بالقول لهم: (خليكم عطشانين)، كما صوّرت “فيديو كليب” لمطربين مشهورين في لبنان والعالم العربي يروّجون لمشروبها. فكان الرد عليها بـ”بانويات” مثل (خليك خسران.. أنا مش عطشان) و(خليها تصدّي.. قاطع).

ثمة شوارع وعواصم عربية، ولا سيما الأردن، صارت المقاطعة فيها نهجاً شعبياً، أما نحن، في لبنان، فلم نتامل بجدية مع خيار مقاطعة المؤسسات والشركات الداعمة لإسرائيل وجيشها. صحيح أن عددنا ليس بكبير، لكن مع وجود مليونيّ نازح سوري، وحوالي 300 ألف لاجىء فلسطيني، وعشرات آلاف المغتربين والعمال الأجانب، ومن خلال دعاية وطنية ضخمة، تعتمد على خطابات المؤثرين ورجال الدين والسياسيين والفنانين، يُمكننا أن نُحدث فرقاً في المعركة عندما تشعر المؤسسات الداعمة لإسرائيل أن هناك من يعاقبها.

عقد احتكاري.. وفتاوى

ما يلفت الإنتباه أن شركة “بيبسي كولا” تُبرم عقداً رسميّا مع التعاونيات والدكاكين والأفران ومحلات “الإكسبرس” تمنع بموجبه صاحب هذه المؤسسات التجارية من بيع أي منتج آخر غير منتجها في المكان نفسه، ولو كانت المؤسسة دكانة في أقصى البقاع الشمالي أو عكار، حيث يتوّجب على المُخالف للعقد دفع 100 ألف دولار للشركة مقابل إيداع براد باسم الشركة مجاناً. هذا ما أكدته صاحبة “ميني ماركت” في منطقة حي السلم، وهو ما أكدّه العديد من أصحاب المحال الذين التقيتهم.

هذا الاحتكار ممنوع قانوناً، فأين السلطات المسؤولة التي في صلب عملها المراقبة والمتابعة والتشجيع على دعم الإنتاج المحلي. فشركة “بيبسي” ألوان وأنواع و”الكولا” أيضاً، إضافة إلى عبوات المياه والعصائر. إذن الاستهلاك كبير ويتطلّب جهداً توعوياً كبيراً.

إقرأ على موقع 180  كيف أصبحت قطر "الوسيط" بين أميركا و"طالبان"؟

من هنا، يتوجه عدد من الناشطين في الجامعات بدعوة إلى الذين يُفتون، يُحلّلون أو يُحرّمون، لاستصدار فتوى تُحرّم وتمنع شراء هذه المنتوجات التي تدعم إسرائيل.. علماً أنه عند مناقشة أحد أصحاب المحال التجارية حول ضرورة المقاطعة، قال لي إن شيخاً مُسلماً أكد له جواز بيع وشراء هذه المنتجات التي تقتلنا بطريقة غير مباشرة. والأطرف من ذلك أن أحد شبّان المحلة التي أقطن فيها كان يُخبرني أنه يُقاطع كل المنتجات الداعمة لإسرائيل ولا تطأ قدمه أي مقهى يُشتبه بدعمه لإسرائيل.. وقبل أن يُكمل روايته أخرج علبة دخان من جيبه (وينستون) وعندما قلتُ له أن هذا النوع مدرج ضمن لوائح المقاطعة، ضحك وقرر انهاء الحديث!

حملة مقاطعة داعمي إسرائيل

المقاطعة ليست عبارة عن لائحة طعام نختار أو لا نختار ما نريد منها بل يجب أن تشمل كل المنتجات التي تصنعها مصانع الغرب الأوروبي والأميركي التي تدعم الدولة العبرية، وقد قامت حملات عربية كثيرة معنيّة بالمقاطعة عبر وسائل التواصل، وعمّمت “كودات” تكشف بلد المصنع والشركة المُصنّعة. وأحدث الأمر أثراً كبيراً ولا سيما في الجامعات والمدارس، أما في لبنان، فما زالت المقاطعة هامشية. لماذا؟

يُجيب عن هذا السؤال د. عبدالملك سكرية، رئيس الجمعية الوطنية لمقاومة التطبيع، والعضو في حملة مقاطعة داعمي إسرائيل، فيقول إن نموذج المواطن اللبناني الأعم “يتميز بالفردية والأنانية وشوفة الحال”، وهو يعتقد أن لبنان هو قلب العالم وأنه بلد مميّز جداً، لذلك يقع بكثير من الأخطاء فيدفع الثمن. دليله على يقول أن المصارف وبحماية من الطبقة السياسية الحاكمة، نهبت الشعب اللبناني، وبرغم مضي خمس سنوات على جريمة العصر، لم يتحرك أكثر من مليون مودع لبناني ضاع جنى عمرهم بالبنوك وصاروا متسولين وفقراء، برغم أن الناهب معروف. وهذا يُعطي صورة أن اللبناني لم يقم بما يجب أن يقوم به لكي يسترد أمواله ويطالب بحقه.. فقصة مقاطعة بضائع داعمة تحتاج إلى جهد كبير جدا للإقدام على شيء من هذا القبيل.

سكرية: المقاطعة تشجّع الصناعة الوطنية وتفتح الباب أمام اليد العاملة اللبنانية، وتخفّض نسبة الاستيراد، وهذا يؤدي إلى التقليل من الخلل في الميزان التجاري. وللتفعيل أكثر نحن على تواصل مع أحزاب وأندية طلابية في الجامعات لشرح فكرة المقاطعة وللاستفسار والنقاش والحوار

ثمة انقسام تاريخي في المجتمع اللبناني: فئة أولى تعتبر نفسها امتداداً للغرب، وقادتها مرتبطون بالغرب والاستعمار، لذا يجدون أن القضية الفلسطينية لا تعنيهم، وهؤلاء تبنوا تاريخياً مقولة “قوة لبنان في ضعفه”، ونظّروا لـ”الحياد” و”النأي بالنفس”.. إلخ. أما الفئة الثانية ـ يضيف سكرية ـ فهي تاريخياً مع قضية فلسطين، ولطالما كانت لها مساهماتها في الصراع مع إسرائيل، و”جمهور هذه البيئة يعتبر أنه يُقدّم دماء خيرة شبابه شهداء لأجل فلسطين وينظر إلى المقاطعة نظرة الدرجة الثانية، فهو يُقدّم تضحيات بمستوى الدرجة الأولى، ومن هنا فإن قصة الدرجة الثانية تحتاج إلى جهد كبير ليقتنع بها ويُمارسها”. لكن بعد “طوفان الأقصى”، بدأ الوضع يتطور بشكل إيجابي “وأنا متفائل بالمستقبل. فكرة المقاطعة ترسخت بعد 7 أكتوبر، ومن لم يستطع المقاومة بالسلاح، ويشعر بحالة غضب وغليان إزاء ما يحصل على أرض فلسطين يومياً، بدأ يقتنع أن المقاطعة هي الوسيلة التي يُمكنهُ من خلالها دعم المقاومة وغزة”.

ويشير سكرية إلى أن الأسئلة “بدأت تنهمر علينا حول السلع التي يجب أن نقاطعها، وبرغم امكاناتنا المتواضعة، ركزنا جهدنا على الجامعات وبدأ يؤتي ثماره. مثلاً أحد محلات شارع السادات في رأس بيروت ـ على مقربة من إحدى الجامعات الخاصة ـ وضع لافتة تقول إن مبيعاته لا تشمل أية سلعة تابعة لشركة داعمة لإسرائيل. وهذا اختراق عظيم للجو العام يُمكن أن يُبنى عليه، واعتقد أن هذه الفكرة ستنتشر في أكثر من منطقة، وسيتنافس كثيرون لنيل شرف هذا الموقف”.

ويرى سكرية أنه “في لبنان يوجد أكثر من 12 مخيماً فلسطينياً وبعض التجمعات الشعبية. ولبنان يستورد معظم ما يستهلك من أكل وملبس، وهذا عامل ضعف في السياسة الإقتصادية. ونحن ومن خلال اطلالاتنا الاعلامية نقول دوماً إن المقاطعة تشجّع الصناعة الوطنية وتفتح الباب أمام اليد العاملة اللبنانية، وتخفّض نسبة الاستيراد، وهذا يؤدي إلى التقليل من الخلل في الميزان التجاري. وللتفعيل أكثر نحن على تواصل مع أحزاب وأندية طلابية في الجامعات لشرح فكرة المقاطعة وللاستفسار والنقاش والحوار”.

Print Friendly, PDF & Email
سلوى فاضل

صحفية لبنانية

Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  لبنان ما بعد "الترسيم".. تطبيع أو تصدير أو تسييل؟