اصطفوا للصلاة.. فذبحهم جيش غولدشتاين

Avatar18011/08/2024
ها هو ذا الأمر يحدث مرة أُخرى، وهذه المرة في مدرسة "التابعين" في غزة. ومرة أخرى يُقال إن ما جرى كان "عن غير قصد"، وإن ما حدث "ليس إبادة جماعية"، ولا يمكن أن يكون كذلك بأي حال من الأحوال! فالإبادة الجماعية، كما نعلم جميعاً، مشروطة بتوفر "نية" واضحة لإرتكابها، أي أن العدد المرعب من الضحايا الذين سقطوا لا يعني بالضرورة أنه كانت هناك نية لتنفيذ مجزرة جماعية، بحسب الكاتب جدعون ليفي في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية (*)

حينما “قتل” حزب الله 12 طفلاً في بلدة “مجدل شمس” في الجولان، قبل نحو أسبوعين، تنادت إسرائيل ثم صرخت: “هذه مجزر.. هذا قتل.. هذه وحشية”. فهل افترض أي شخص في إسرائيل أن حزب الله كان فعلاً ينوي قتل 12 طفلاً درزياً في الجولان المحتل؟ لكن مسألة النوايا لا تُطرح أبداً عندما يتعلق الأمر بأفعال حزب الله، إذ أن الافتراض الجاهز والمسبق هو أن نوايا الحزب قاتلة دائماً…، أمّا الجيش الإسرائيلي، فهو قصة أُخرى تماماً؛ إنه جيش يتمتع بطهارة السلاح، وهو ليس بـ”قاتل”! لكن الذين لقوا حتفهم في قصف استهدف مدرسة “التابعين” في مدينة غزة، فجر السبت، قُتلوا تماماً كما قُتل أطفال “مجدل شمس” في ملعبهم، وتهمة القتل مماثلة بين الحالتين.

خلال الأيام العشرة الأخيرة، قصف الجيش الإسرائيلي ثماني مدارس، وقتل في كل منها العشرات من النازحين. وفجر السبت، بلغ القتل ذروته، إذ قُتل نحو 100 شخص كانوا قد نهضوا من نومهم لأداء صلاة الفجر في المسجد المجاور للمدرسة. كان بعض الضحايا قد نزحوا إلى هناك قبل فترة وجيزة من نزوحهم عن ملجأهم السابق، بعدما تم قصفه أيضاً. البعض منهم كانوا قد فقدوا أفراداً من عائلاتهم، والآن فقدوا الباقين ومُحيت عائلاتهم من السجل المدني بالكامل. كانت الصور التي بثتها قناة “الجزيرة” على شاشتها مروعة: فتيات يولولن وينتحبن فوق جثث آبائهن، بطانيات ملونة وأغطية من البلاستيك تحوي أشلاء بشرية كان أصحابها قد استيقظوا لتوهم لأداء لصلاة، لكنهم ذُبحوا، تماماً كما حدث عندما اقتحم المستوطن الإسرائيلي باروخ غولدشتاين الحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل، في عام 1994، ونفذ مجزرة بالمصلين. لكن عدد ضحايا مدرسة “التابعين” يناهز ضعف من ذبحهم غولدشتاين، والقاتل ليس مستوطناً بل الجيش الإسرائيلي نفسه.

كعادته، أصدر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بياناته التي لم يعد أحد في العالم يصدقها، جاء فيها: “لقد تم اتخاذ الكثير من الإجراءات قبل تنفيذ الهجوم للتقليل من إصابة مدنيين قدر الإمكان. ومن هذه الإجراءات استخدام ذخائر دقيقة، ووسائل التنبؤ والمعلومات الاستخباراتية”.

الجيش الإسرائيلي لم يقدم دليلاً قوياً واحداً على وجود مقرات “عسكرية” داخل المدارس الثمانية التي تم قصفها.. الإسرائيليون يبررون كل ما يفعلونه في غزة بأنه “أخلاقي”، لكن أحداً سواهم غير مقتنع بذلك. حينما يحدث ذلك 8 مرات في 10 أيام فهذه سياسة متعمدة لارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية

إذا كان أكثر من 100 شخص قد قُتلوا بعد كل هذه الوسائل والإجراءات “المُبهرة” التي اتخذها الجيش الإسرائيلي، فتخيلوا كم كان عدد القتلى ليكون لو لم يتم اتخاذ الإجراءات التي ذكرها المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي!

إدعاءات باطلة.. وإبادة جماعية متعمدة

إن محاولة الادعاء بأن “الفلسطينيين يبالغون في الأرقام” لأن حركة “حماس” تسيطر على وزارة الصحة الفلسطينية، هي محاولات بائسة؛ فوزارة الصحة في إسرائيل يسيطر عليها حزب “شاس”، فما الفارق بينهما؟ هذا ناهيك عن أن الجيش لم يتمكن أبداً من دحض بيانات وزارة الصحة الفلسطينية بشكل واضح.

لم يعد بإمكان أي أحد أن يصدق مثل هذه السخافات، وخصوصاً عندما تكون هذه هي المدرسة الثامنة التي يقصفها الجيش الإسرائيلي في غضون عشرة أيام فقط. كما أن القصص التي تتحدث عن وجود مقرات لـ”حماس” داخل مدارس الإيواء باتت أيضاً صعبة التصديق. فالجيش الإسرائيلي لم يقدم حتى الآن دليلاً قوياً واحداً على وجود مقرات عسكرية داخل المدارس الثمانية التي تم قصفها. وبالطبع تقديم “دليل” أمر غير مهم بالنسبة للإسرائيليين، فهم مستعدون لتبرير كل أفعالهم، وبشكل مسبق، ويصرّون على أن كل ما يفعلونه في غزة “أخلاقي”، لكن ليس هناك أحد مقتنع بذلك، سواهم.

نقول كل هذا ونحن نؤكد على أنه حتى لو كان هناك “مقر” لقيادة “حماس”، وهو مصطلح غامض، فلا يوجد أي مبرر لقتل عشرات النازحين العُزل الفقراء الخائفين والمذعورين، وأغلبهم من الأطفال. كما أنه ليس كل “مقر” (يكون ذاك “المقر” أحياناً مبنى يختبئ فيه شرطي من حكومة “حماس”) يستحق أن تنفَذ فيه مجزرة جماعية. في الواقع، لا مبرر أبداً لذلك، وحينما يحدث ذلك ثماني مرات في غضون عشرة أيام فقط، فمن الواضح أن هناك سياسة متعمدة هنا لارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية.

إن إمكان وصول هذه الحرب الأكثر عبثية وإجراماً في تاريخ إسرائيل، إلى نهايتها، يدفع الحكومة والجيش (لأنها جرائم معلقة بناصية الجيش) إلى بذل مزيد من الجهود لقتل أكبر عدد ممكن من دون تمييز، ومن دون أي رادع. نسف ثمانية مدارس في عشرة أيام هي مبرر كافي لتقديم الالتماس العاجل إلى محكمة “لاهاي”، ولم يولد بعد رجل القانون الذي يمكنه تفنيد تهم كهذه عن بلد.

إقرأ على موقع 180  السؤال الأمريكي يتجدد.. من تسبب بخسارة الصين؟

في عام 1996، أثناء عملية “عناقيد الغضب” في لبنان، قتل الجيش الإسرائيلي 100 نازح ونازحة لبنانيين، كانوا قد لجأوا إلى ملجأ تابع للأمم المتحدة في قرية قانا في جنوب لبنان. في ذلك الوقت أيضاً، حاولت إسرائيل الإنكار واختلاق الأعذار والمبررات. وبعد بضعة أيام، اضطرت إلى إنهاء العملية. لكن مع الأسف، فإن جريمة القتل التي حدثت فجر السبت لن تؤدي إلى نتيجة مشابهة، فإسرائيل أصبحت دولة أُخرى، وجيشها كذلك؛ لقد أصبحا عبارة عن قلوب قاسية ومتحجرة، كما هي قلوب معظم الإسرائيليين.

(*) المصدر: “مؤسسة الدراسات الفلسطينية“.

 

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
online free course
إقرأ على موقع 180  وفي البدء كانت.. "جمّول"!