“الثلاثاء الأسود”.. ما هي الأهداف وما هو سر التوقيت؟

التفجيرات التي حصلت في يوم "الثلاثاء الأسود" في عدد من المناطق اللبنانية واستهدفت عدداً كبيراً من المقاومين الذين يحملون جهاز النداء الآلي "بايجر" حدث غير مسبوق من حيث الحجم أو من حيث طبيعة العمل التخريبي.

يندرج هذا الجهد في إطار “حروب الظل” الإسرائيلية الموجَّهة ضد بلدان المنطقة، بهدف تعطيل إمكانياتها في مقاومة مشاريع الإحتلال، لكن فكرة تنفيذ التفجيرات في مناطق مأهولة عدة وبهذا العدد الكبير تنطوي على روح إرهابية خالصة تشبه ما جرى في بعض البلدان من عمليات قتل جماعية. إذ إن اتساع نطاق التفجيرات يجعل التحكم بأهدافها أمراً في حكم المستحيل، حيث يُمكن أن يقضي أو يُصاب مدنيون فيها لمجرد وجودهم إلى جانب هذه الأجهزة، وهذا ما حصل بالفعل لبعض عائلات المقاومين. ولو أن ما حدث قد جرى لـ”إسرائيل” نفسها أو لبلدان غربية لرأينا توصيفاً مختلفاً لما حدث وإدانات واسعة ووو.. لكن ما قد يكون جريمة وإرهاباً في مكان ما، هو بطولة إسرائيلية في مكان آخر.

الحصيلة الكبيرة للإصابات تؤشر الى طبيعة التحدي الأمني الذي يفرضه هذا الحدث من الآن فصاعداً. وفي انتظار أن توضح نتيجة التحقيقات أسباب ما حدث، هناك فرضيتان تم التداول بهما في الساعات الماضية:

الأولى؛ زيادة تسخين جهاز النداء الآلي بشكل مفتعل الى درجة تؤدي الى تفجير بطارية الليثيوم العائدة له.

الثانية؛ زرع كمية صغيرة من المتفجرات القوية داخل الجهاز سواء داخل المصنع أو في محطة وسيطة قبل وصوله الى الوجهة النهائية.

وقد جادل محلّلون بأن انفجار بطارية الليثيوم عن طريق رفع درجة حرارتها لا يسبب إصابات قاتلة، كما حصل في هذه التفجيرات، كما أنه يُسبّب حريقاً في معظم الحالات وليس إنفجاراً، ولهذا، هناك ميل إلى التفسير الثاني، وله ما يدعمه من تجارب.

ينبغي أن نعرف أن جهاز “الموساد” الإسرائيلي له حضور في سوق السلع التجارية الدولية، ولا سيما الأجهزة الإلكترونية، عن طريق عدد من الضباط الإسرائيليين الذين لديهم شركات أو لديهم علاقات مع الشركات العاملة في السوق. ولهم إطلاع على بعض الصفقات وسلاسل التوريد وإمكانية التسلط على بعضها وتحوير المنتَج من خلال إدخال تعديلات صناعية أو برمجية لإفساده أو تفخيخه. وسبق للعدو الإسرائيلي أن قام بالتلاعب بأجهزة طرد مركزي بيعت عن طريق وسطاء إلى ايران، ما أدى الى تدمير هذه الأجهزة وإلحاق أضرار جسيمة بدورة الوقود النووي في منشأة نظنز في أصفهان عام 2010.

كما أعلنت وزارة الدفاع الايرانية في نهاية آب/أغسطس العام الماضي عن كشف مخطط لجهاز “الموساد”.. “حاولت فيه إحدى الشبكات المحترفة إدخال قطع تتضمن عيوباً في عجلة الإنتاج الصاروخي لكي يجري استخدامها في إنتاج الصواريخ المتطورة في وزارة الدفاع، بحيث يتم تحويل الصواريخ المنتَجة إلى عبوات ناسفة لضرب الخطوط الصناعية والموظفين العاملين في هذا المجال”. وأكدت أنه “جرى تحديد وكشف كل مسارات الموساد وأنشطته لتوريد ونقل القطعة المعيوبة عبر ضباطهم وعملائهم الداخليين”.

ورُبّ ضارة نافعة، إذ يفرض هذا الحدث بشكل مُلحّ إعادة فحص كل ما تم أو يتم استيراده من مواد يمكن أن تدخل في المجهود الحربي، من مكوّنات تدخل في التصنيع أو معدات وأجهزة اتصال، مما يُمكن أن يقطع الطريق على أي ثغرات تلحق بالجبهة في وقت الحرب الكبرى، إنْ وقعت.

حسب موقع “المونيتور” الأميركي، وإستناداً إلى مصادر استخباراتية، فإن شحنة “البايجر” التي تم استيرادها قبل أشهر قليلة من إحدى دول شرق آسيا تم تفخيخها قبل تسليمها إلى الحزب وعندما اكتشف عنصران من الحزب اختراق هذه الأجهزة، قرّرت إسرائيل تفجيرها، في حين كانت الخطة الأصلية تقضي بتفجيرها مع بدء الحرب الشاملة بين حزب الله وإسرائيل

ما هي أهداف هذه التفجيرات؟

يمكن تحديد مجموعة أهداف لهذا النوع من العمليات الإرهابية:

1- صنع مشهدية دامية تهدف إلى الترويع وإسقاط الروح المعنوية والإيحاء للمقاومة والشعب اللبناني وكلِ من يرى هذا المشهد أن اسرائيل قادرة على إلحاق الأذى بأعدائها بطرق لا تخطر على بال. وتوسيع رقعة الإستهداف يشير إلى هذه العقلية الجهنمية.

2- تحييد أكبر عدد من المقاومين الذين يشاركون في معركة نصرة فلسطين.

3- كشف بعض المراكز التي قد تكون غير معلنة، عبر استهداف شاغليها ممن يحملون هذه الأجهزة.

4- إشعار المقاومة أن ما من شبكة إتصال آمنة. فقد أقدم العدو في السنوات الماضية على خرق شبكة الاتصال السلكية الداخلية التابعة للمقاومة عبر تركيب معدات تنصت على بعض محطاتها في الجنوب، وتم كشف هذه المعدات. كما أن العدو بما لديه من إمكانات تكنولوجية متقدمة يُمكنه التعرف على بعض الأهداف من خلال جهاز الهاتف المحمول. والآن جاء تفخيخ “البايجر” ليقول العدو للمقاومة إنها مكشوفة أمنياً أمامه. لكن هذا “التشبيح” الإستخباري، على الرغم مما فيه من مهارة واحتراف، لا يعكس كل الحقيقة؛ فهناك معركة متواصلة في الخفاء بين أجهزة المقاومة وأجهزة العدو تعلو فيها يد المقاومة حيناً، ويد العدو حيناً آخر.

إقرأ على موقع 180  قيس سعيد وراشد الغنوشي: دهاء متبادل

وإذا صحّ ما يقال ويشاع أن هذه الأجهزة التي تم تفجيرها هي في الأساس وسيلة تنصت اعتمد عليها العدو للحصول على معلومات وتحديد أماكن المقاومين على مدى 11 شهراً من عمر “جبهة الإسناد”، فإن انكشاف الموضوع عن طريق تفجيرها على عجل قد يُسهم في فك اللغز الذي طالما جرى الحديث عنه بشأن طريقة تعرف العدو على تحركات المقاومين الذين تم اغتيالهم في الشهور الماضية. لكن هذه الخلاصة تحتاج إلى مزيد من التدقيق من الأجهزة التي باشرت التحقيق.

وقبل ساعات قليلة من حدوث التفجيرات، يوم الثلاثاء، ذكر جهاز الأمن العام الاسرائيلي (“الشاباك”) أن حزب الله خطّط لاغتيال شخصية أمنية إسرائيلية رفيعة المستوى (قالت وسائل إعلام العدو لاحقاً إنّه رئيس أركان الجيش السابق الجنرال أفيف كوخافي) عن طريق عبوة ناسفة مرتبطة بجهاز تفعيل عن بُعد يحتوي على كاميرا وهاتف نقّال.

أخيراً، ربما يشير ما حدث، على الرغم من قساوته، إلى أن يد العدو ليست مبسوطة كما قد يتصور البعض. فقد تحدّث قادة العدو خلال الأيام والأسابيع الماضية عن اكتمال الإستعدادات لتوسيع العمليات ضد لبنان. وقد كانت التفجيرات التي استهدفت الآلاف من الاشخاص في لبنان فرصة للعدو من أجل شنّ هجوم فوري بهدف اقتناص وجود بلبلة وعدد كبير من الإصابات من المقاومين وغيرهم لتنفيذ وعيده. لكن هذا لم يحصل، لماذا؟

حسب موقع “المونيتور” الأميركي، وإستناداً إلى مصادر استخباراتية، فإن شحنة “البايجر” التي تم استيرادها قبل أشهر قليلة من إحدى دول شرق آسيا تم تفخيخها قبل تسليمها إلى الحزب وعندما اكتشف عنصران من الحزب اختراق هذه الأجهزة، قرّرت إسرائيل تفجيرها، في حين كانت الخطة الأصلية تقضي بتفجيرها مع بدء الحرب الشاملة بين حزب الله وإسرائيل.

أيضاً يُمكن تفسير ذلك بأن العدو يُدرك أن هذه التفجيرات لن تشلّ المقاومة وإن أحدثت خسائر كبيرة. كما أن العدو ما يزال يُراهن على تحقيق مكاسب جزئية فورية مثل الإغتيالات وعمليات التخريب، لأنه لا يثق حتى الآن بقدرته على تحقيق إنجاز عسكري على الأرض وهو الذي لم يتمكن من تركيع المقاومة في غزة بعد 11 شهراً على اجتياح القطاع واحتلال معظم أجزائه. لكن لا يعني ذلك بأي حال تجاهل أي احتمال أو النوم على حرير.

 تفجيرات “الثلاثاء الأسود” الدامي ستبقى حدثاً في الذاكرة لفترة طويلة، لكنها فرصة جديدة لخلق حالة تضامن وطني ظهرت في حالات التبرع بالدم في جميع المناطق اللبنانية، ولأخذ العبر مما حصل على الصعيد الأمني من خلال تكثيف الجهد الوقائي، إضافة الى صياغة رد ناجع على التغول الصهيوني المتزايد.

Print Friendly, PDF & Email
علي عبادي

صحافي وكاتب لبناني

Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  إيلاريون كبوجي.. تليقُ بك أجراس فلسطين