شذرات إنسانية من حياة المناضل ماجد أبو شرار (2/1)

عادةً ما يُعرف المناضل والسياسي والمثقف ويُعرَّف بنتاجه ومواقفه العامة، لكن قلّما يتم الانتباه إلى جوانب في حياته، كعلاقته بعائلته، ومحيطه، وزملائه، وأمّه وأبيه. وفي هذه المقالة التي تنشرها مدونة "فلسطين الميدان"، في ذكرى استشهاد ماجد أبو شرار (1936 - 1981) على جزأين، سنجد إضاءة على جانب مهم في حياته، بقلم ابنته سماء، وهو علاقته بالنساء وموقفه منهن، بشهادة بعض اللواتي عملن معه، ورافقنه في دروب عديدة من حياته ونضاله خلال مسيرة عمل تنوعت بين الإعلام المركزي لحركة "فتح"، ورئاسة الإعلام الموحد، ورئاسة تحرير صحيفة "فتح" اليومية، ومسؤولية المفوض السياسي العام لـ "فتح" في الفترة 1973 - 1978، وكذلك أمانة سر المجلس الثوري بعد المؤتمر الثالث للحركة، وعضويته في اللجنة المركزية في انتخابات المؤتمر الرابع (1980). 

لم تأتِ الفكرة من فراغ، وأقصد هنا فكرة الكتابة عن علاقة ماجد بنساء كثيرات، عرفهن خلال العمل النضالي والاجتماعي والمهني، فلم يصدف أن التقيت امرأة عرفها ماجد إلاّ وبادرت لتحدثني عن “نصير المرأة الدائم”، كما يحلو لها الوصف. عادةً ما يوصف الرجال في منطقتنا بالازدواجية، أي أنهم يقولون شيئاً ويفعلون شيئاً آخر عندما يتعلق الأمر بالمرأة، لكن ماجد ظل استثناء، كما وصفته المناضلات اللواتي عرفنه عن قُرب، فهو الرجل الذي لا يدعي التقدمية والديمقراطية، إنما يمارسها بحذافيرها.

ربما تكون شهادتي بماجد مجروحة، إذ فقدته في وقت مبكر من عمري، وبالتالي، أميل إلى الرغبة في الاحتفاظ بكل ما هو جميل، وتجاهُل أي شائبة إن وُجدت. لم أحظَ يوماً برفاه أن يكون رجلاً عادياً أستطيع أن أنتقده كما أشاء، فقد كان في حياته قائداً، ومع استشهاده، بات “الشهيد القائد”، الأمر الذي صعّب المهمة أكثر، فللشهادة حرمتها وقوانينها الخاصة، ونحن نميل إلى تأليه الشهيد، بغض النظر عما كان عليه في حياته. كل شهيد يصبح “الأفضل والأنقى والأجمل”، وتضيق مساحة النقد، أو لنقل إنها تصبح محرّمة. لهذا وذاك، كنت دائماً أستمع إلى ما يَقلنه النساء عنه بشغف، فذلك يؤكد تجربتي الإيجابية معه؛ كأنثى أولاً، وكإبنة ثانياً، لأجزم أن الصورة التي أحتفظ بها عنه، أقلّه فيما يخص علاقته بالنساء داخل البيت وخارجه، ليست خيالية.

كما يحدث مع أغلبيتنا، تبدأ رحلة البحث عن المزيد بعد الفقدان، كأننا نريد التمسك بخيط، ولو كان رفيعاً، لإبقاء الفقيد بيننا، ربما لأن المسلّمات لم تعد ترضينا.

منذ سنوات وأنا أحاول جمع شهادات نساء عن ماجد، وكان هناك صديق مقرّب أعاد إحياء الفكرة منذ نحو عام، فباشرت التواصل مع أكثر من سيدة أعرف أنه كانت تربطها به علاقة عمل، أو علاقة اجتماعية، أو الاثنتان معاً. ولم تكن الفكرة بشأن ما سأفعله بهذه الشهادات متبلورة، إذ يعتمد ذلك على عددها ونوعيتها، والتواصل معهن أعاد ذاكرتي إلى سنوات جميلة، كنت أحتفظ فيها بتفاصيل صغيرة للعلاقة التي كانت تربطه بهؤلاء السيدات؛ فمنهن من بقيت علاقتنا بها حميمة، على الرغم من مرور كل هذه السنوات على استشهاده، ومنهن مَن انقطع الاتصال بهن لبُعد المسافة، أو تغيُر الأوضاع المحيطة.

هناك أكثر من هدف لإثارة الموضوع، ربما على رأسها أنه شبه غائب، فغالباً ما نتحدث عن مشوار الشهيد، ونُغفل تفاصيل إنسانية من هذا النوع، تكشف عن جانب مهم من شخصيته. إن العلاقة الصحية بين الرجل والمرأة لا تكشف فقط عن ميزة إنسانية يجب أن تكون القاعدة وليس الاستثناء، بل أيضاً تسلط الضوء على تركيبة مختلفة للشخص، بعيدة عن عالم ذكوري يسكننا، يفترض أن للرجل يداً إلهية عليا تسمح له بممارسة جميع العادات الخاطئة الموروثة منذ أجيال.

تنوّعت الشهادات التي وصلت إليّ، منها ما ركز على الجانب المهني، لكن طغت على أغلبها المواقف الإنسانية التي ربما أرادت هذه السيدات استذكارها عند الحديث، أو الكتابة عن ماجد، أو ربما هذا فعلياً ما علق في أذهانهن عنه. لقد وصلت إليّ شهادات قيّمة للمناضلة والناشطة النسوية جيهان حلو، والمخرجة والكاتبة خديجة حباشنة أبو علي، وفتحية طه زوجة الشهيد علي طه، ونينا جدع صويص زوجة غطاس صويص (نزيه أبو نضال)، ونعيمة دغباج (أم ثائر) زوجة الشهيد حنا مقبل، وجانيت (هند) جوهرية زوجة الشهيد هاني جوهرية، والمناضلة الراحلة فاطمة البرناوي، والروائية والصحافية نوال حلاوة، وزاهرة حبش زوجة القيادي الفلسطيني صخر حبش. وسنتناول بعضها، وليس كلها، لأن البعض جاء في شكل مقتضب للغاية، وفي بعض الحالات، تربط ماجد علاقة بزوج السيدة التي قدمت الشهادة أكثر من ارتباطها بشخصه. والملفت للانتباه في جميع الشهادات، على الرغم من خصوصية كل واحدة منها، الحميمية تجاه ماجد، وما كان يمثله بالنسبة إلى كل واحدة من هؤلاء النساء العظيمات اللواتي قدّمن إلى الثورة الفلسطينية سنوات من أعمارهن.

ماجد.. والنساء في عائلته

أعود قليلاً بالذاكرة إلى علاقة ماجد بالنساء داخل عائلته، ابتداءً بوالدته وأخواته، مروراً بزوجته وبناته، وانتهاءً بالمرأة بصورة عامة.

كانت تربط ماجد علاقة حميمة ووثيقة بوالدته فاطمة الشريف، فقد وجد نفسه منذ شبابه مسؤولاً عنها وعن إخوته وأخواته، وترك غزة التي كان يقطنها والده، وعاد إلى دورا ليبقى بجوار أمه. وقد أبعده عمله في الثورة الفلسطينية عنها جغرافياً، لكن ارتباطه بها ظل راسخاً. لا أنسى حماسته الطفولية عندما كانت جدتي تأتي من دورا إلى بيروت لزيارتنا. كان ماجد كالطفل الملهوف في انتظار وصولها، والهدايا التي كانت تحملها له، وتحديداً لبن الجميد والجعدة.

علاقتي بماجد كانت مميزة، هذا ما أذكره، ولربما كانت اختلفت، أو تطورت لو أتاح لنا القدر المزيد من الوقت. لم يكن أباً فحسب، بل أيضاً الصديق الذي يسمع ويحلل، ويمد يد المساعدة، أو يعطي النصيحة عندما يشعر بأنني في حاجة إليها. هناك الكثير من المواقف التي ربطتني بماجد تبرهن أنه كان سابقاً لعصره، وربما يأتي الوقت المناسب لأتناول هذه التفاصيل بصورة أوفى

لم تكن جدتي من النوع الذي يتحدث كثيراً، أو يُظهر الكثير من المشاعر – هذا ما أذكره عنها – لكنها كانت تجلس مع ماجد بالساعات، تحدّثه عن دورا وأهلها، لتسمح لنفسها هنا وهناك بابتسامة خجولة لدى تعليق ماجد على هذا أو ذاك، فعلى الرغم من أنه الابن الأكبر بين تسعة أبناء أشقاء، فقد كان يعود طفلاً مع كل زيارة لوالدته إلى بيروت.

ربما لخّص ماجد العلاقة الدافئة التي تربطه بوالدته بمقطع من قصته القصيرة “حكاية الرحيل”، والذي ذكّرتني به عمتي الروائية بشرى أبو شرار عندما حدّثتها عن المادة التي أعمل عليها. ويكتب ماجد: “كان أبرز ما في يومي آنذاك ابتسامة رضى تطل من شفتي أمي.. كانت بسمتها برعم زهرة برتقال، فيه عطاء وله شذى طيب، كنت أتملى وجه أمي المجعد الشمعي اللامع فأرى فيه كل معاني الخير والحب والإخلاص.. كانت تحبنا وكنا نحبها، كانت في البدء تود أن تقبّلني كل صباح كما تفعل مع شقيقاتي وشقيقي.. لكنني رفضت فقطبت جبينها ثم فردته وتنهدت، فهمست بحنو:

– أماه.. بسمتك برعم زهرة برتقال، فيه عطاء وله شذى طيب وأنا لا أريد لهذا البرعم إلاّ أن يظل بكراً نضراً ندياً.. لا أريد لآثار النوم التي تطبع وجهي كل صباح أن تذبل البرعم وتفقده نضارته.. أريده بكراً وبكراً دوماً.

يزداد البرعم تفتحاً ونضارةً وتربت بكفها الطري على كتفي وتهمس بصدق وحرارة:

– وفقك الله يا محمد ومنحك كل ما عنده من خير وهناء..”.

وكانت علاقته بأخواته مختلفة عما كانت عليه بأمه؛ فهو الداعم، والأب، والصديق الدائم لأخواته البنات، فهن يجدنه لدى حاجتهن إليه كأخ ورفيق يسهل الحديث إليه. ما زلت أذكر سعادة ماجد الحقيقية عندما كانت تزورنا إحدى أخواته المقيمات بلبنان، أو خارجه، والفرح والمزاح والأحاديث التي تتخلل الزيارة. وكان موجوداً أيضاً في أي أزمة تمر بها أخواته، سواء احتجن إلى إيجاد حل للمشكلات، أم إلى البدائل. وكانت له علاقة مميزة بأخته يسرى التي كانت تكبره بعدة سنوات، والتي حدّثتني لساعات وساعات عن الأخ والصديق الداعم في كل المواقف. وقد ورثتُ عنه حبه الكبير لعمتي التي توفاها الله قبل سنوات، فكنت أشعر بوجوده معنا كلما تحدثت إليها، وأذكر في أول زيارة إلى بيتها في القاهرة أنني دخلت غرفة نومها لأجد صورة ماجد المبرْوزة وهي تعلو سرير الزوجية، فسألتها ما إذا كان “عمو محمد لا ينزعج من الصورة فوق رأسه”، فاستهجنت السؤال وكأنني ارتكبت جريمة في طرحه. كما أذكر أيضاً علاقة ماجد الجميلة بأخته بشرى من والده، وكيف كان يحتضنها كأخ أكبر، ويمازحها ويلاعبها ويلبي طلباتها، هي وأخواتها، خلال دراستهن الجامعية.

إقرأ على موقع 180  تجربة يوليو.. الثورة ضحية إنقلاب

ماجد الزوج.. أيضاً

تزوج ماجد مرتين: الأولى من والدتي فاطمة العزة التي رحلت مبكراً، والثانية من إنعام عبد الهادي التي تركتنا بعد 27 عاماً من رحيله، بفارق عشرة أيام من ذكرى استشهاده. ولا أذكر علاقة والدي بأمي، فقد كنت طفلة لدى وفاتها، لكنني أعتقد أن علاقته بإنعام كانت متقدمة على غيرها من العلاقات التي أذكرها بين النساء والرجال، بشهادة العديد من النساء اللواتي كن يعرفن طبيعة هذه العلاقة، التي كانت بعيدة عن التقليدية؛ فعلى الرغم من مشاغله الكثيرة، فإنه لم يتردد يوماً في دخول المطبخ لتحضير أطباقه المفضلة، أو المساعدة في الاعتناء بنا، وتحديداً بأختي الصغيرة دالية، أو القيام بغير ذلك من المهمات التي جرت العادة أن تتولاها المرأة. وأذكر تماماً كيف كان يجلس مع إنعام في المساء، عندما لم يكن لديه عمل، أو ارتباط، أو فعالية خارج البيت، لمشاهدة مسلسل ما، أو الحديث في غرفة الجلوس الدافئة في بيتنا في كورنيش المزرعة. وكانت جملة إنعام الشهيرة التي تقولها كلما سألتها عن السبب الذي يجبرها على تحمُّل مسؤوليتنا، أنا وأخي سلام، بعد استشهاد ماجد: “الحب الذي أعطاني إياه والدك خلال أربعة أعوام يكفيني العمر كله”.

علاقتي بماجد كانت مميزة، هذا ما أذكره، ولربما كانت اختلفت، أو تطورت لو أتاح لنا القدر المزيد من الوقت. لم يكن أباً فحسب، بل أيضاً الصديق الذي يسمع ويحلل، ويمد يد المساعدة، أو يعطي النصيحة عندما يشعر بأنني في حاجة إليها. هناك الكثير من المواقف التي ربطتني بماجد تبرهن أنه كان سابقاً لعصره، وربما يأتي الوقت المناسب لأتناول هذه التفاصيل بصورة أوفى.

خديجة حباشنة أبو علي

ترددت أغلبية مَن تواصلت معهن في إعطاء شهاداتهن، خوفاً من ألاّ “يفين ماجد حقه”، بحسب قولهن، وخديجة حباشنة أبو علي [1] هي إحداهن. وقد وصفت خديجة علاقتها بماجد قائلة: “ما أعرفه أو أقوله عن الشهيد القائد ماجد أبو شرار، المناضل السياسي والإعلامي المتميز، يأتي بصورة عامة من المستوى الرفيع في العمل الإعلامي خلال المرحلة التي أدار فيها الإعلام الموحد في كل المجالات الإعلامية؛ وكالة أنباء تُبث بثلاث لغات، وملصقات فنية رفيعة المستوى، ومجلات بعدد من اللغات الحية، والإذاعة والسينما. وكان أغلب الإنتاج الإعلامي الفلسطيني في سبعينيات القرن العشرين في أرقى حالاته”.

وتشير المخرجة الأردنية التي عملت في صفوف الثورة الفلسطينية لسنوات طويلة في الأردن ولبنان إلى موقف خاص جداً اضطرها إلى اللجوء إلى ماجد، وكشف عن شهامته النادرة، بحسب قولها. وتروي حباشنة أنه قبل عقد قران شقيقتها التي كانت تدرس في لبنان حينها، ذهبت إلى ماجد لدعوته إلى حفل الزفاف، وشددت عليه للحضور، لأن أياً من رجال العائلة لم يتمكن من القدوم من الأردن، فطمأنها بأنه سيَحضر، مؤكداً أنه في إمكانها اعتباره عائلتها التي لم تأتِ، وفعلاً، هذا ما حدث، إذ جاء برفقة جمع من الأصدقاء، وفي هذا الصدد تقول: “كانت مفاجأة لي ولأهل العريس عندما امتلأت قاعة الزفاف بالمدعوين من كوادر اتحاد المرأة، ومدراء جميع أقسام الإعلام وعائلاتهم، وزملاء العمل، وفي مقدمة الجميع الأخ ماجد، وامتلأ المكان بباقات وأكاليل زهور تبارك للعروسين وأهلهم، وأغنوا الحفل بالفرح والمرح. وكان حفل الزفاف رائعاً بكل معنى الكلمة”. ربما يكون الموقف بسيطاً، لكن حباشنة تشدد على أنه “يحمل الكثير من معاني النخوة والشهامة والإنسانية التي تميز بها ماجد أبو شرار، المناضل الوطني والثوري النبيل. فالمواقف الإنسانية التي تبدو بسيطة هي التي تكشف معدن الإنسان”.

جيهان حلو

تصف جيهان حلو [2] سنوات الثورة الفلسطينية في السبعينيات بأنها كانت “حافلة بالنضال الوطني والاجتماعي، وبصورة خاصة قضية تحرير المرأة، وكسر قيود التقاليد البالية التي تكرس تبعيتها وعبوديتها.” ووفقاً لحلو، فقد حملت تلك المرحلة كمّاً هائلاً من التحول الاجتماعي بالنسبة إلى واقع المرأة الاجتماعي، وبداية تغيُر في وعي الرجل الذي رأى المرأة تحقق البطولات وتقدم المبادرات. وتضيف حلو أن أغلبية كوادر الثورة أصبحت تشجع المرأة، وتفتخر بنضالاتها، إلاّ إن هذا الوعي لم يتجذر إلاّ عند القلة في البداية، وكانت عملية تراكمية. وأصبحت هناك مفارقات، كمقولة إن فلان “مع مشاركة المرأة النضالية، شرط ألاّ تكون أمه أو زوجته أو أخته.” وكان الحكم أيضاً على تعامُل هذا الكادر مع زوجته بالنسبة إلى تربية الأطفال وشؤون المنزل هو “هل يكون سي السيد؟” العادات القديمة تموت ببطء، لكن حلو تؤكد أنه في المقابل، كانت هناك نماذج رائعة، لها موقف مبدئي وحضاري من المرأة، له علاقة بالتربية والمكون الشخصي، منها ماجد أبو شرار وحنا ميخائيل (أبو عمر)[3] اللذَين أصبحا في الثورة رافعة ومثالاً في مسار تحرُر المرأة.

وتصف حلو شخصية ماجد بالكارزمية، بسبب طبيعته الديمقراطية وإنسانيته الدافئة: “كان يتعامل بتواضع مع الكبير والصغير، والمرأة كما الرجل، ويحترم حامل الرأي الآخر، ولا يُصدر الأحكام المطلقة، على الرغم من تمسُّكه بمبادئه وآرائه السياسية. وكان لا يألو جهداً لمساعدة من يوسّطه لحل مشكلة عالقة، أو مساعدة ما”. ولهذا كله، تقول حلو إن ماجد حظي بشعبية واحترام من كل قواعد “فتح” وما كان يسمى اليمين واليسار في الحركة، وقلما تمتع بهما قادة “فتح” في ظل الاستقطاب الذي كان قائماً.

ونظراً إلى العلاقة الاجتماعية التي كانت تربطهما بوجود أبو عمر، وبعد تغييبه القسري، تقول حلو إنها كانت شاهدة على مشاركة ماجد في تحضير الطعام، وترتيب أو تنظيف المائدة والصحون تلقائياً ومن دون تكلّف، واهتمامه بالقضايا المنزلية: “كان واضحاً للأصدقاء أن علاقة ماجد بشريكة حياته، المشاركة في النضال، تقوم على الندية والتفاهم. أمّا علاقته بأولاده، فكانت الأجمل، إذ يلعب ويتحدث إليهم كالبالغين، بلا فارق بين بنت أو صبي، فهو صديقهم”.

لم تكن نظرة ماجد إلى المرأة سطحية تُغفل المضمون، وينطبق ذلك على تصرفاته قولاً وفعلاً. وتؤكد حلو أنها لم تسمعه يستخدم أي ملاحظات، أو كلمات تجعل المرأة سلعة، كما كان حال الكثير من الكوادر، حتى المثقفين منهم: “كان البعض لا يخجل من أن يعلق على كوادر المرأة بشأن مظهرها الخارجي، كقول ‘هي جميلة‘، أو ‘كالدبابة‘، وهذا بالتحديد ما قاله لي أحد الشخصيات المعروفة في وصف بعض النساء الممتلئات الجسم، وعندما أبديت استنكاري لهذه اللغة الذكورية البشعة، لم يكترث القائل، واكتفى بالتباهي والقول إنني نسوية متعصبة”.

(*) المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، يتبع الجزء الثاني غداً (السبت).

[1] خديجة حباشنة أبو علي، كاتبة وسينمائية ومناضلة سياسية ونسوية أردنية، عملت مع الثورة الفلسطينية في الأردن ولبنان.

[2] جيهان حلو، مناضلة وناشطة نسوية وباحثة وكاتبة، لها العديد من الإصدارات، آخرها كتابها عن زوجها المناضل حنا ميخائيل بعنوان “غُيب فازداد حضوراً حنا ابراهيم ميخائيل (أبو عمر)”.

[3] حنا ميخائيل (أبو عمر)، مناضل وباحث أكاديمي وسياسي فلسطيني وقيادي في حركة “فتح”، اختفى سنة 1976 مع تسعة من رفاقه من كوادر المقاومة في أثناء توجّههم من بيروت إلى طرابلس، شمالي لبنان، في زورق مطاطي.

Print Friendly, PDF & Email
سماء أبو شرار

صحافية وباحثة فلسطينية مقيمة في بيروت

Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  الأتراك وفلسطين.. عدم الإكتراث فضيلة!