فلتتبنَ حكومة لبنان المقاومة.. ربحها أكبر من خسارتها!

على مر العقود الماضية، وباستثناء حرب العام 1948 التي شاركت فيها جيوش عربية عدة، تجنب لبنان الرسمي المشاركة المباشرة في الصراع العربي - الإسرائيلي في فصوله الممتدة من العام 1967 حتى يومنا هذا.

هذا الموقف الحيادي، الذي بدا طوال أكثر من خمسة عقود من الزمن، كأنه يحمي لبنان من ويلات الحروب، أصبح اليوم مفارقة تاريخية؛ إذ في حين أن العديد من الدول العربية التي شاركت في تلك الحروب قد توصلت إلى اتفاقيات سلام مع إسرائيل، وجد لبنان نفسه البلد الوحيد الذي يخوض صراعاً من نوع آخر: حرب عصابات طويلة الأمد مع إسرائيل من خلال المقاومة اللبنانية بفصائلها المتعددة. هذه الحرب غير النظامية أضعفت السيادة اللبنانية ووضعت الدولة اللبنانية في مأزق سياسي وأمني غير مسبوق.

إن موقف الحكومة اللبنانية، اليوم، في ظل الصراع القائم مع إسرائيل قد بلغ نقطة حرجة، حيث لم تعد تملك ترف الوقوف موقف المتفرج على ما يحدث بين حزب الله وإسرائيل. فإذا خسر حزب الله هذه المعركة، ستكون إسرائيل قادرة على فرض شروط الهزيمة والاستسلام على الحكومة اللبنانية. وإذا انتصر حزب الله، فإنه سيفرض شروطه على الدولة اللبنانية نفسها. وفي كلتا الحالتين، ستكون الحكومة اللبنانية مجرد متلقٍّ، بدل أن تكون صانعة للقرار.

من هذا المنطلق، يبدو أن الخيار الوحيد المتاح للحكومة اللبنانية لاستعادة جزء من سيادتها المفقودة هو الدخول في هذه المعركة إلى جانب المقاومة اللبنانية التي يُشكّل حزب الله رأس حربتها. ليس فقط من أجل حماية أراضيها وشعبها من ويلات الحرب الإسرائيلية التدميرية، بل من أجل اكتساب الشرعية والمصداقية على الساحة الدولية.

إنّ الانضمام إلى هذه المعركة يعني أن الحكومة اللبنانية ستكون قادرة على تحفيز جهد دبلوماسي دولي يسعى إلى تحقيق وقف لإطلاق النار وشروط تسوية تسمح للبنان الدولة بفرض شروطه بغض النظر عن نتائج المعركة العسكرية على الأرض.

إذا اختارت الحكومة اللبنانية البقاء على الهامش، فإنها ستخسر القدرة على التأثير في مستقبل البلاد السياسي والأمني. ولكن إذا شاركت في الدفاع عن سيادة لبنان وأمن مواطنيه، ستتمكن من بناء موقف تفاوضي أقوى في الساحتين الدولية والإقليمية، وتعيد ترسيخ دورها كحكومة ذات سيادة، قادرة على تمثيل مصالح شعبها وكيفية حمايتها.

اليوم، لم يعد الوقت يسمح بالتردد. الحكومة اللبنانية أمام خيار استراتيجي حاسم: إما المشاركة في الدفاع عن لبنان جنباً إلى جنب مع المقاومة، أو مواجهة مصير مجهول تُحدّده قوى أخرى، سواء أكانت إسرائيل أم حزب الله.

وعندما أقول مقاومة، أعني أن تُطلق الحكومة اللبنانية باب التطوع في المقاومة الوطنية تحت رعايتها (حرس وطني بأمرة الجيش) وتكون الخطوة القانونية التمهيدية والتأسيسية لدمج المقاومة الإسلامية بالحرس الوطني (المقاومة اللبنانية) في المستقبل تحت رعاية الدولة على غرار العديد من الدول التي فيها جيوش شعبية أو تشكيلات مثل الحرس الوطني.

اليوم، لم يعد الوقت يسمح بالتردد. الحكومة اللبنانية أمام خيار استراتيجي حاسم: إما المشاركة في الدفاع عن لبنان جنباً إلى جنب مع المقاومة، أو مواجهة مصير مجهول تُحدّده قوى أخرى، سواء أكانت إسرائيل أم حزب الله

الانضمام إلى معركة حماية المواطنين يمكن أن يأخذ أشكالاً متعددة، تشمل على سبيل المثال لا الحصر، الحصول على أنظمة دفاع جوي وأنظمة أمن سيبراني وتنسيق وتوحيد جهود المراقبة والاستخبارات مع جميع قوى المقاومة. كما يُمكن للحكومة تعبئة مستشاريها ومهندسيها للعمل جنباً إلى جنب مع قوى المقاومة لردع التوغلات والأطماع الإسرائيلية وتعزيز قدرات الدفاع الوطني وبينها بناء ملاجىء ومستشفيات ميدانية ومراكز إغاثية إلخ..

إذا اتخذت الحكومة اللبنانية مثل هذه الخطوات، فإنها لن تكون مجرد شريك سلبي في الصراع، بل ستلعب دوراً فاعلاً وحيوياً في تعزيز قدرات المقاومة على الأرض، مما سيؤدي إلى تقوية موقف لبنان التفاوضي في أي محادثات مستقبلية مع إسرائيل أو أي وسطاء دوليين. فالحكومة لن تكون فقط مدافعة عن شعبها، بل ستكون أيضاً قادرة على فرض شروطها الخاصة على الأطراف المعنية، سواء فيما يتعلق بوقف إطلاق النار أو إعادة ترسيم الحدود أو أي اتفاقات أمنية أو سياسية أو اقتصادية مستقبلية.

من خلال توحيد جهودها مع المقاومة وتعزيز دفاعاتها الذاتية، تستطيع الحكومة اللبنانية أن تحافظ على سيادتها وأن تظهر على الساحة الدولية كلاعب أساسي في تحديد مصيرها ومصير المنطقة. وفي المقابل، فإن الاستمرار في الابتعاد عن المعركة أو محاولة الحفاظ على الحياد في ظل هذه الظروف المتفجرة لن يؤدي إلا إلى مزيد من التهميش للحكومة، وربما إلى فقدان كامل للسيطرة على مستقبل البلاد السياسي والأمني.

الوقت لا يسمح بالانتظار. في ظل التهديدات المتزايدة، يجب على الحكومة اللبنانية اتخاذ موقف جريء ومباشر لحماية شعبها، وتعزيز سيادتها، وضمان أن لبنان، دولة وحكومة، حسم أمره في أن يكون عنصراً فاعلاً في تقرير مصيره بعيداً عن الإملاءات الخارجية، سواء أكانت من إسرائيل أو أي قوة إقليمية أخرى.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  "أوميكرون".. كورونا بحلة جديدة ومرعبة!
سامي محروم

أستاذ في جامعة بروكسل الحرة

Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  بايدن وترامب يستنسخان إنتخابات 2020 في 2024!