في هذا الظرف اللبناني الدقيق، لا يكفي الاكتفاء بالالتزام بالماضي والحاضر، بل يجب أن نجعل تاريخ التاسع من كانون الثاني/يناير المقبل، تاريخاً لوصول رئيس جديد للجمهورية يُنهي فراغاً استدام أكثر من سنتين ونيف ويضع لبنان على سكة بناء مستقبل إصلاحي حقيقي يؤدي إلى استقطاب المقيمين من ناحية وتحفيز المهاجرين على العودة إلى بلدهم من ناحية أخرى.
في لحظة كالتي نعيشها اليوم، لا يكفي إدارة التوازنات أو الحفاظ على الاستقرار وحده. نحن بحاجة إلى قفزة نوعية. فلنكن وطنيين، تغييريين، تقدميين، إصلاحيين، مستقلين، سياديين، وأحرارًا، ولنرفع سقف الطموحات في استحقاق انتخاب الرئيس المقبل.
لِمَ لا يكون مشروع الرئيس الجديد، إلى جانب التزامه بتطبيق القرار ١٧٠١ وتنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار، مشروعًا يُحدث تحولًا تاريخيًا في بنية الدولة اللبنانية؟
لنطالب بإلغاء الطائفية السياسية، ولتكن الرئاسة المقبلة آخر رئاسة تُحكم بالعرف الطائفي.
إن الجرأة الحقيقية اليوم لا تكمن فقط في انتخاب رئيس جديد، بل في صناعة مستقبل جديد للبنان، حيث تكون الرئاسة محطة للعبور إلى دولة المواطنة، وقضاء مستقل وعدالة حقيقية. فهل نمتلك الشجاعة لنخطو مثل هذه الخطوة؟
ليكن الرئيس المقبل منتخبًا مباشرة من الشعب، وفق برنامج انتخابي واضح يُحاسَب عليه. وإن استطاع مرشح ماروني أو غيره الفوز بثقة اللبنانيين في انتخابات شعبية مباشرة، فستكون شرعيته أقوى، لأنها ستنبع من إرادة الشعب، لا من تفاهمات الطوائف أو صفقات الغرف المغلقة.
ليعلن الرئيس التزامه بإنشاء مجلس للشيوخ، يكون الإطار المناسب لتمثيل المكونات الطائفية بعيدًا عن السلطتين التنفيذية والتشريعية.
ولنجعل لبنان دائرة انتخابية واحدة، في دولة مدنية تتجسد فيها قيم المواطنة الحقيقية لا المزيفة.
لنُفعّل اللامركزية الإدارية، ونجعل القضاء أساسًا للملك والدولة، والقضاة رجال عدل وليس محسوبيات.
إننا بحاجة إلى رئيس يجرؤ على مواجهة الموروثات التي كبّلت الدولة لعقود، ويقود البلاد نحو الديموس قراطوس الفاعلة لا المُصادرة.
هذا الانتقال نحو الدولة المدنية لا يعني إلغاء المكونات، بل تنظيمها على أسس دستورية عادلة، بحيث تكون كل طائفة جزءًا من نسيج وطني جامع، لا حجر عثرة في وجه التقدم.
لبنان الذي نحلم به ليس دولة تتعايش فيها الطوائف على مضض، بل دولة تتكامل فيها كل أطياف الشعب اللبناني، حيث تُبنى المؤسسات على أساس الكفاءة، وتُدار شؤون الدولة وفق القانون والمواطنة.
إن الجرأة الحقيقية اليوم لا تكمن فقط في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، بل في صناعة مستقبل جديد للبنان، حيث تكون الرئاسة محطة للعبور إلى دولة المواطنة، وقضاء مستقل وعدالة حقيقية. فهل نمتلك الشجاعة لنخطو مثل هذه الخطوة؟