الحرب على ايران.. إعادة رسم خارطة المنطقة

لم يكن مستغرباً أن تنضم الولايات المتحدة إلى الحرب الإسرائيلية الإيرانية باقدامها على ضرب منشآت نووية إيرانية، ذلك أن واشنطن كانت حاضرة منذ بداية هذه الحرب، ليس فقط عبر الدعم اللوجستي والتعاون الاستخباراتي وإسقاط الصواريخ والطائرات المُسيّرة عبر قواعدها المنتشرة في أرجاء الشرق الأوسط، بل وأيضاً عبر توفير التسهيلات المعلوماتية والتنسيق العسكري والاستخباراتي المستمر مع الجيش الإسرائيلي.

في هذا السياق، جاءت الضربة العسكرية الأميركية للمنشآت النووية في فوردو ونتانز وأصفهان، ومن ثم الرد العسكري الإيراني على قاعدة العديد العسكرية الأميركية في قطر، لكي ينجلي غبار المعركة وتُطلق إشارة البداية للتوجه نحو الحل السياسي؛ فقد بدأت تخرج تصريحات في الاعلام الإسرائيلي والأميركي حول اقتراب نهاية هذه المواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل، حتى وصل الأمر إلى حد اعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عن الاقتراب من تحقيق أهداف الحرب وارسال رسائل للمجتمع الإسرائيلي عن “نشوة الانتصار” التي تحققت بعد الضربات الأخيرة للمنشآت النووية الإيرانية المحصنة تحت الأرض، وهي منشآت كان يصعب على إسرائيل تدميرها، وبالتالي كان لا بد من قدرات تدميرية دقيقة لا تمتلكها سوى الولايات المتحدة.

نحن لم نشهد مواجهة عسكرية وحسب. هذه الحرب وظيفتها إعادة رسم خارطة المنطقة بقرار أميركي أوروبي وهذا ليس قراراً إسرائيلياً صرفاً كما يحاول نتنياهو تصويره، فتحرك البوارج الأميركية والبريطانية باتجاه منطقة الشرق الأوسط يعكس البعد الجيوسياسي للحرب وأهدافها، وتصريحات المستشار الالماني فريدريش ميرتس بقوله إن إسرائيل “تقوم بهذه المهمة القذرة بالنيابة عن الغرب”.. خير دليل على مدى الانسجام والتناغم الأوروبي والأميركي والإسرائيلي في هذه الحرب.

نعم، أهداف هذه الحرب تتجاوز تدمير البرنامج النووي الإيراني وإسقاط النظام وتفكيك الدولة الإيرانية بل تمتد إلى إعادة رسم خارطة المنطقة برمتها وفق رؤية أميركية بريطانية أوروبية جديدة، تتجاوز اتفاقية “سايكس بيكو” التي لم تعد تتلاءم مع المصالح الاستراتيجية للغرب في العصر الحديث.

فالحديث يدور اليوم عن مشروع أوسع يهدف إلى إعادة صياغة بنية الشرق الأوسط كما سبق وأن تحدثت عنه وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شيمون بيرس منذ عقدين من الزمن، بعنوان “الشرق الأوسط الجديد”.

ولعل قيام إيران بالرد عبر مهاجمة القاعدة الأميركية في العديد بقطر تُشكل مدخلاً ومخرجاً للانتقال من الميدان إلى الديوان، أي إلى المفاوضات، بعدما تبين أن هناك استحالة في اسقاط النظام الإيراني؛ فمن العوامل الحاسمة في مسار هذه الحرب مدى التفاف الشعب الإيراني حول النظام وقدرة النظام الإيراني والحرس الثوري الإيراني على الصمود والمواجهة الطويلة وادخال إسرائيل في حرب استنزاف طويلة المدى، فإيران تمتلك مساحة جغرافية شاسعة تقدر بـ1.6 مليون كيلومتر مربع، وكثافة سكانية تتجاوز 90 مليون نسمة، ما يجعل أي هجوم خارجي عاجزاً عن تحقيق أهداف سريعة أو حاسمة.

فمنذ العام 1973، لم تخض إسرائيل حرباً تقليدية مباشرة أمام جيش نظامي، وإنما انحصرت معاركها في مواجهات مع حركات مقاومة ومنظمات مسلحة وحركات تحرر وطني، وهو ما يجعل هذه الحرب مختلفة تماماً من حيث التعقيد والمخاطر والانعكاسات.

ومجدداُ تُثبت إسرائيل أنها مجرد وظيفة. الإسرائيلي في هذه الحرب ينطلق من وظيفته كأداة تخدم المصالح الإمبريالية الأميركية والبريطانية في الشرق الأوسط، بينما يبقى الهدف الحقيقي والأعمق هو إعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة بشكل يخدم تلك المصالح الغربية على المدى الطويل .

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  لبنانُ الفساد و"الدنانير".. وشعبه غير السعيد!
حسين الديك

كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني

Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
online free course
إقرأ على موقع 180  الأسطورة الصهيونية تتمدد في الشرق الأوسط!