
ليس ثمة نصر مطلق أو هزيمة مطلقة. ما حدث في غزة ولبنان يكفي لأن يصنع تاريخًا مُشرًفًا لصمود قلّة قليلة في مواجهة التغول والتوحش الإسرائيلي.
ليس ثمة نصر مطلق أو هزيمة مطلقة. ما حدث في غزة ولبنان يكفي لأن يصنع تاريخًا مُشرًفًا لصمود قلّة قليلة في مواجهة التغول والتوحش الإسرائيلي.
قبل حرب إسرائيل الشعواء على لبنان بأشهر قليلة، وخلال فترة حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني في غزة، تردّدت عبارة "هودي جماعة ما بيشبوهنا ونحن ما منشبهون"، في إشارة منهم إلى بيئة المقاومة تحديدًا، ما دفع ببعض هذه البيئة للرد بعبارة: "طبعًا نحنا ما منشبهكون، وشبابنا حلوين مثقفين متعلمين وأكيد ما بيشبهوا حدا"!
نحن نقترب من نهاية الشهر الأول على استشهاد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. غياب لم يكن محسوباً عند جمهوره ولو أن الرجل ما كان يشتهي إلا أن يسقط شهيداً على طريق القدس في ذروة هذه الجولة، لا أن يموت طريح الفراش في انتظار جولة جديدة ربما لن تأتي في زمانه!
تُعتبر غريزة البقاء من أقوى الغرائز الإنسانيّة، كونها تُحفّز باقي الغرائز، كالتملك، شهية الطعام، تدارك المخاطر، صد أي تهديد يواجه الفرد أو الجماعة، وكل ذلك بهدف البقاء، مع الإشارة إلى أن ثمة غريزة أخرى لحفظ الذات وبالتالي البقاء، هي غريزة الهروب من المواقف التي تُشكّل خطرًا على الذات.
ثمة نص قرآني يقول بأن الله خلق الإنسان بأبهى صوره. كثيرة هي الآيات التي تُشير إلى الجبلة التي حملها الإنسان معه إلى هذه الدنيا ومنها الآية القرآنية "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم". وهي صورة ميّز الله الإنسان بها عن الحيوان بامتلاكه أحسن وأعدل قامة كونه حظي بمؤهلات عقلية وقيمية؛ فإما أن ينشد في حياته الطريقة لترجمتها، أو أن تكون حياته كالأنعام بل أضل سبيلا، وهو نص لا جدال فيه.
بعد تاريخ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، تحوّلت غزة إلى مسرح صغير لجمهور واسع على مدى الكرة الأرضية، في مشهدية من البطش المتواصل الموجه ضد شعب عاش مرارة النزوح والمجازر مراراً وذاق مُرّها تكرارّاً.
غداة "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، تبيَّن لنا أن كمائن إشغال الجيل الجديد وصولاً إلى رميه في الزنازين الإفتراضية، لم تحجب حقيقة مشاعر هؤلاء الناس، بل بالعكس، شكّلت محاولات طمس جريمة الإبادة المتمادية على أرض غزة، حافزاً لكسر محاولات التزوير المنظمة لوعي الشعوب عبر شيطنة المقاومة الفلسطينية من جهة وإبراز صورة "إسرائيل" الحضارية من جهة ثانية!
منذ العام 48، تاريخ النكبة الفلسطينية، تُنتهك حقوق شعب عربي بفعل احتلال أرضه وتهجيره وصولًا إلى محاولة إبادته كما يجري منذ أكثر من شهرين على أرض غزة، في مشهد تاريخي، لم نشهد مثيلًا له في عالمنا العربي.
برغم ثمانية عقود من احتلال فلسطين، بينها سبعة عشر عامًا من حصار غزة والتي تخللتها سلسلة حروب متواصلة ضد القطاع، إلا أن ما تشهده غزة في هذه الأيام لا يُمكن للعقل البشري تحمّله لجهة حجم الدمار وعدد الشهداء واستباحة المدارس والمستشفيات وأماكن العبادة والتجمعات التي يفترض أن تكون آمنة.
لا تُظهر محاولة التحرش التي حصلت منذ أيام في منطقة البيال في بيروت بعداً يقتصر على الاعتداء الجسدي على الضحية، بل يثير سيرورة متكاملة قديمة العهد في محاولة الاعتداء على أجساد الضحايا، ولكن ما يثير القلق اليوم هو انتقال معظم حالات التحرش من "حلبة الواقع" إلى "حلبة الافتراضي" وهذا ما يظهر بشكل ملموس في ممارستي العيادية.