أعلن رجب أردوغان أن اطلاق العملية العسكرية في شمال سوريا قد يحدث بين ليلة وأخرى… ما مدى واقعية هذا الخيار؟
في الوقت الراهن، يبدو موقف رجب طيب أردوغان داخل تركيا ضعيفاً للغاية. نتيجة للنفوذ المتزايد للمعارضة التركية، نراه مجبراً على استخدام أية وسيلة لتأكيد قدرته على حكم الدولة وحل مشاكل تركيا على الساحة الدولية. المشكلة التركية الأكثر إيلاماً في المرحلة الحالية هي قضية اللاجئين السوريين. لقد بدأ الأتراك العاديون يبدون استياءً علنياً وضمنياً من حقيقة أنهم مجبرون على احتواء اللاجئين القادمين من سوريا في ما يشكل ضغوطاً اقتصادية على تركيا، التي تعاني أصلاً من مشاكل على هذا الصعيد. علاوة على ذلك، يشكو الأتراك من أن اللاجئين السوريين يرفضون التكيف مع الواقع التركي. يعيد بعض الأتراك الارتفاع الأخير في النشاط الإجرامي في تركيا (عمليات السرقة والتخريب) إلى وجود السوريين. لهذا السبب، ثمة، في أنقرة وعدد من المدن التركية الأخرى، من ينظر بسلبية إلى المخاطر التي قد ترتب على أيّ تصعيد جديد في سوريا يؤدي إلى مزيد من القتل والتهجير، وهو أمر لا يسهم على الاطلاق في تقوية المواقف السياسية لأردوغان.
بالإضافة إلى ما سبق، فإنّ المعارضة التركية – غير النظامية – الاستفادة من الظروف، وإسقاط ملاحظاتها سياسية على أيّ تصعيد جديد في سوريا، للمطالبة باستقالة الرئيس التركي، لكونه سيصبح غير قادر على حل مشكلة اللاجئين السوريين.
بمعنى آخر، بسبب العامل السوري في تركيا، ثمة مخاطر حول إمكانية تنظيم محاولة جديدة للانقلاب على اردوغان، فضلاً عن احتمالية تصعيد النزاعات العرقية الداخلية.
ومع ذلك، حين يتعلق الأمر بالمستقبل السياسي لرجب طيب أردوغان، يبدو مهماً للغاية على المدى القصير بالنسبة إلى الرئيس التركي صرف انتباه السكان المحليين، من خلال إطلاق العمليات العسكرية في البلدان المجاورة. وحيث أن خطط مواجهة الأكراد في شمال شرق سوريا لا تزال على جدول أعمال تركيا، فإن اختيار هذه الوجهة لعمليات الجيش التركي بدت أمراً مفروغاً منه.
في الوقت ذاته، تشعر تركيا بالقل إزاء الغضب المحتمل للولايات المتحدة، التي بات الأكراد السوريون حلفاء وثيقين لها، لذلك، يتوخى رجب طيب أردوغان الحذر في كل مرة يعلن عن استعداده لبدء عملية عسكرية في سوريا.
حتى الآن، يبدو خطابه العسكري مصمم فقط لتجييش عواطف جمهور تركي داخلي محدّد، في حين يدرك المجتمع الدولي أنه من دون موافقة واشنطن، لن يخاطر الرئيس التركي بشن هجوم في شمال شرق سوريا.
الآن هناك صفقة بين الولايات المتحدة وتركيا. إذا أعطى دونالد ترامب الضوء الأخضر للأتراك، واستطاع تأمين الأكراد مقدماً، فسيتمكن رجب أردوغان من شن الهجوم.
في حالة بدأ الهجوم التركي، كيف سيؤثر ذلك على الوضع الميداني؟
في كل الأحوال، سيتعيّن على تركيا مواجهة ليس فقط الأكراد في سوريا، ولكن أيضاً الجماعات المسلحة الموالية لطهران وبغداد. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ موسكو ليست مستعدة لمنح الأتراك فرصة تعزيز موقفهم مع الولايات المتحدة،
أو تقويض العلاقات القائمة بين موسكو والأكراد السوريين، حيث أن الكرملين لا يزال يعتبرهم حلفاء إستراتيجيين.
لذلك، في المرحلة الأولى من بدء الأعمال العسكرية، إذا حصل ذلك فعلاً، ستفضل تركيا نشر قواتها المسلحة على طول خط المواجهة بالكامل، وأن تحاول السيطرة خلال الأيام الأولى من العملية على عدة مناطق مأهولة بالسكان، وليست ذات أهمية استراتيجية. بعد ذلك، ستبدأ جولة من المفاوضات، ونتيجة لذلك، ستصر تركيا على إمكانية طرد الأكراد إلى الحدود مع العراق. سيتطلب ذلك وقتًا طويلاً، ويمكن أن يصعّد الأتراك وتيرة النزاع في حال لم ينالوا شيئاً في المقابل.
بالإضافة إلى ذلك، لم يكن من قبيل الصدفة فتح معبر القائم على الحدود السورية العراقية في 30 أيلول/سبتمبر 2019. هذا المعبر سيسمح لإيران بنقل مجموعاتها المسلحة بحريّة عبر العراق إلى شرق سوريا، وقد يشمل ذلك تعزيز المواقع الكردية. حشد القوات هذا يثير قلق رجب طيب أردوغان، الذي يعتزم نتيجة لذلك الاتفاق مع طهران ودمشق وبغداد.
ماذا سيكون موقف روسيا؟
روسيا ليست مهتمة بفتح جبهة جديدة في سوريا قبل حل المشاكل في إدلب. بالإضافة إلى ذلك، لا تنوي روسيا تعريض الأكراد السوريين لخطر الدمار. وفي الوقت ذاته، وباعتبار أنها تمتلك علاقة تحالفية مع أنقرة، لن تكون موسكو قادرة على التصرف بشكل علني ضد تركيا، ومع ذلك، يمكنها ممارسة الضغط على الشركاء الأتراك عبر العراق وسوريا وإيران، وهذه الدول الثلاث تعارض بشكل قاطع الوجود التركي في شمال سوريا.
ماذا سيكون موقف الولايات المتحدة؟
هدف الولايات المتحدة، في هذه الحالة، سيكون إخراج تركيا من إدلب، وبالتالي تدمير التفاهمات الروسية-التركية. لكن واشنطن لا تستطيع أن تفقد دعم الأكراد السوريين. بموجب ذلك، قد تسمح واشنطن لأنقرة ببدء العمليات العسكرية في شمال شرق سوريا، ولكن بشرط أن يكون الأكراد قد غادروا هذه المنطقة من قبل.
كيف يؤثر ذلك على مسار في أستانا؟
على الأرجح لن يتأثر مسار مفاوضات أستانا بالعمليات العسكرية التركية، فالهمة الاساسية لعملية أستانا تتمثل في تشكيل بديل لمسار جنيف… ولكن إلى أي مدى سيكون المشاركون في محادثات أستانا قادرين على التقدم باقتراحات للمرحلة الثانية من عملية التسوية السياسية؟ من المبكر معرفة ذلك.