

ونعى الرئيس دونالد ترامب دونالد كيرك الذى جمعته به علاقات قوية، وقال ترامب فى تدوينة على منصة “تروث سوشيال”: «لقد رحل العظيم، بل الأسطورى، تشارلي كيرك. لم يفهم أحد أو يمتلك قلب الشباب فى الولايات المتحدة أكثر منه.. كان محبوبًا من الجميع». كذلك نعى كيرك كل قيادات الحزبين الجمهورى والديموقراطى، وكبار السياسيين والمؤثرين الأمريكيين. فى الوقت ذاته، لم يتعرض هؤلاء إلى أحد أهم أبعاد عملية الاغتيال تلك، وما سبقها من حوادث إطلاق نار متكررة فى المدارس الأمريكية، ألا وهى السلاح المستخدم فى الجريمة.
عقب كل حادثة قتل، يشتد النقاش فى دوائر واشنطن حول حق حمل السلاح وتقييده، وبعد أيام وأسابيع تهدأ النقاشات لتتجدد مع وقوع حادثة جديدة. وكان الدستور الأمريكى، الذى كتب فى نهاية القرن الـ18 عشر، قد شدّد على حق المواطن فى امتلاك وحمل السلاح.
ولفهم الفشل الأمريكى فى مواجهة هذه الظاهرة القاتلة، والتى يزهق بسببها عشرات الآلاف من الأرواح سنويًا، يجب إدراك قوة اللوبى الداعم لحق حمل السلاح النارى بل تسهيل الحصول عليه.
هناك الكثير من الجمعيات والمنظمات الداعمة بقوة للتعديل الثانى فى الدستور الأمريكى والذى يحمى حق حمل السلاح للمواطنين المدنيين. وتعد الرابطة الوطنية للسلاح “إن آر إيه”(NRA) أهم هذه التنظيمات، نظرا لتاريخها الطويل الذى يتخطى 160 عامًا، إضافة إلى مواردها المالية الضخمة التى منحتها قوة سياسية واسعة.
ولدى الرابطة 3 هيئات منفصلة، وتهتم «إن آر إيه» بشكل أساسى بتعزيز التدريب والتعليم وسلامة استخدام السلاح، فى حين أن لها هيئة ثانية تركز على النشاط السياسى وتعمل ذراع ضغط للمنظمة، وهيئة ثالثة تتمثل فى الذراع الخيرية للمنظمة، والتى تقدم خدمات إنسانية واسعة للمحتاجين من أعضائها.
فى عام 2024، أنفقت الرابطة الوطنية للسلاح ما يزيد على 300 مليون دولار على جهودها الداعمة لحق امتلاك السلاح كحق دستورى للمواطنين الأمريكيين من خلال دعم المرشحين الجمهوريين على المستوى الرئاسى أو مستوى الكونجرس والمحليات.
وتضغط الرابطة بشدة على جميع مقترحات الحد من سهولة الحصول على الأسلحة، وتجادل بأن المزيد من الأسلحة يجعل البلاد أكثر أمانًا.
وهى تعارض بشدة معظم التشريعات المحلية والولائية والفيدرالية التى من شأنها تقييد ملكية الأسلحة. فعلى سبيل المثال، ضغطت من أجل إعادة بيع الأسلحة التى صادرتها الشرطة، بحجة أن تدمير الأسلحة هو، فى الواقع، مضيعة للأسلحة الممكن استخدامها.
وتمتلك الرابطة نفوذًا كبيرًا، غير مباشر، من خلال أعضائها المنخرطين سياسيًا، الذين يصوت الكثير منهم بطريقة أو بأخرى بناء على هذه القضية فقط.
وتصنّف الرابطة، من جانبها، أعضاء الكونجرس الأمريكى درجات من «إيه» (A) إلى «إف» (F) بناء على مدى دعمهم حقوق شراء السلاح. ويمكن أن يكون لهذه التصنيفات تأثير خطير على أرقام استطلاعات الرأى، بل يمكن أن تُكلف المرشحين المؤيدين للحد من بيع الأسلحة مقاعدهم فى بعض الولايات.
وتناضل «إن آر إيه» من أجل الحريات الدستورية كما تفهمها، خاصة الحق فى امتلاك سلاح. وتعارض الرابطة توسيع نطاق نظم التحقق من خلفية مشترى الأسلحة النارية، لأن التحقق من الخلفية لا يمنع المجرمين من الحصول على الأسلحة النارية، ولأن بعض المقترحات للقيام بذلك من شأنها أن تحرم المواطنين من الإجراءات القانونية الواجبة، ولأن الرابطة تعارض تسجيل الأسلحة النارية فى قاعدة بيانات فيدرالية.
***
ثم تأتى الثقافة الأمريكية وتاريخها الفريد فى منح الدستور الأمريكيين حق امتلاك السلاح للدفاع عن النفس، ولمواجهة خطر استبداد الحكومة عند تأسيس الجمهورية الأمريكية قبل 250 عامًا. ومع تطور النظرة الإيجابية للدستور لدرجة تقديس نصوصه من القوى المحافظة، أصبح الجدل لا يتعلق بحق شراء الأسلحة، بل بضوابطها وطبيعتها.
ويمتلك الأمريكيون أسلحة نارية أكثر من أى دولة أخرى فى العالم، ويستمر هذا العدد فى النمو كل عام. وتظهر روح الحرية الشخصية وتطورها على مدى السنين بوضوح فى علاقة الأمريكيين بالسلاح النارى.
وتشير استطلاعات الرأى إلى امتلاك 32% من الأمريكيين سلاحًا ناريًا، أى ما يقرب من 106 ملايين أمريكى.
ويملك الأمريكيون ثُلث الأسلحة النارية فى العالم أو ما يقرب من 400 مليون قطعة سلاح، أى ما يُعادل 120 سلاحًا ناريًا لكل 100 مواطن. ويشترى الأمريكيون ما يقرب من 40 مليون قطعة سلاح بشكل قانونى كل عام، وفقًا لسجلات مكتب التحقيقات الفيدرالى.
من ناحية أخرى، يعد الصيد باستخدام الأسلحة النارية جزءًا من التراث الثقافى الأمريكى، وأداة مهمة لإدارة الحياة البرية، وجزءًا مهمًا من الاقتصاد الزراعى والحيوانى. ويمارس ما لا يقل عن 15 مليون أمريكى هواية الصيد، ويعد هؤلاء من بين أبرز المؤيدين للرابطة الوطنية للسلاح.
وقد يفاجأ البعض عندما يعلمون أن ملكية الأسلحة النارية فى أمريكا تتجاوز الخطوط العرقية والإثنية، وتشير استطلاعات متخصصة إلى أن مشترى الأسلحة متنوعون بشكل متزايد، ويصبحون مالكين للأسلحة لأسباب متنوعة بما فى ذلك زيادة انعدام الأمن الناجم عن الوباء وارتفاع الجريمة والتوترات العرقية. وتبلغ نسب مالكى السلاح بين العائلات البيضاء 47%، وبين السود 37% و26% بين الهيسبانيك، و20% من العائلات الآسيوية فى أمريكا.
***
تقليديًا، وبعد وقوع عملية اغتيال سياسى أو حادث إطلاق نار جماعى فى إحدى المدارس، تخرج مبادرات مطالبة بتمرير قوانين تحد من حوادث إطلاق النار يتبناها الديموقراطيون. فى حين يحذر القادة الجمهوريون من مخاطر تسييس حوادث إطلاق النار، ويرجعوا السبب لذلك ليس للسلاح المستخدم، بل للشخص الذى أطلق النار.
وعلى الرغم من دعم الأغلبية العظمى من الأمريكيين لوضع ضوابط مشددة على شراء الأسلحة النارية المتطورة، فإن الجمهوريين ربطوا حق شراء السلاح بقضايا اجتماعية وثقافية ودينية أخرى شديدة الأهمية. من هنا أصبح كل داعمى التشدد فى ممارسة حق الإجهاض من الداعمين بالتبعية لحق شراء الأسلحة.
وبسبب انقسام الكونجرس، وعدم تمتع أى من الحزبين بأغلبية 60%، يصعب تغيير أى من التشريعات الحالية الحاكمة لحق شراء الأسلحة النارية، على أن يتم الانتظار لفتح النقاش من جديد مع وقوع الحادثة القادمة.
(*) بالتزامن مع “الشروق”