خطة ترامب في غزة.. الشيطان يكمن في التفاصيل

إن الخطة التي طرحها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بشأن وقف الحرب في غزة ليست مبادرة معزولة عمّا يدور من تطورات على الصعيد الدولي بخصوص القضية الفلسطينية، بل جاءت لاحتواء الاعترافات الدولية بدولة فلسطين والانقسام داخل المعسكر الغربي، الذي كان تاريخياً موحداً خلف إسرائيل. كيف؟

إقرار المبادرة الفرنسية-السعودية، وتصويت دول أوروبية لصالح حل الدولتين، أحدثا شرخاً غير مسبوق في الموقف الغربي، ما اضطر واشنطن للبحث عن مسارٍ جديدٍ بعدما وجدت نفسها؛ إلى جانب إسرائيل وألمانيا وإيطاليا وهنغاريا فقط؛ في مواجهة غالبية دول الاتحاد الأوروبي والعالمين العربي والإسلامي وأميركا اللاتينية وآسيا.

وبرغم أن التحول في مواقف دول وازنة، مثل فرنسا وبريطانيا وإسبانيا وبلجيكا وهولندا والبرتغال، هو ما فرض على واشنطن تقديم مبادرةٍ جديدةٍ تحفظ موقعها، وفي الوقت نفسه تُجنبها خسارة حلفائها التقليديين، إلا أن الخطة التي طرحها ترامب بشأن غزة جاءت لتأخذ في الحسبان مطالب إسرائيل الأساسية، وعلى رأسها: نزع سلاح حركة حماس، إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، فرض السيطرة الأمنية والعسكرية على القطاع وضمان حرية الحركة داخله، تدمير قدرات حماس وإبعاد قياداتها إلى خارج القطاع.

في المقابل، تلحظ “الخطة” مطالب فلسطينية تتعلق بـوقف الحرب، ورفض التهجير، وإعادة الإعمار، وضمان بقاء السكان في أرضهم من دون أي تهديد بالترحيل أو الإبعاد، وهو أمر جيدٌ للفلسطينيين.

الشيطان يكمن في التفاصيل

لا تزال التفاصيل والجداول الزمنية غامضة في “الخطة” المكونة من 20 نقطة، والتي كشف عنها البيت الأبيض. فالبند التاسع عشر- على سبيل المثال- الذي يتحدث عن فتح “حوار بين أتباع الديانات” بهدف تشكيل وعي جديد وإحداث تغيير في ثقافة التنشئة الفلسطينية، يراه البعض محاولة لـ”كي الوعي”. وهناك المعلومات المسرّبة من الإعلام الإسرائيلي، والتي تشير إلى بنودٍ تمنح إسرائيل الحق بالعودة للعمل العسكري إذا لم يتم نزع أسلحة “حماس” وفي أي وقت تراه مناسباً، فضلًا عن مقترحٍ يتحدث عن فرض إدارة دولية بمشاركة فلسطينية، وهو ما ترفضه إسرائيل بشكل واضح، وتشترط بأن لا يكون هناك أي دور للسلطة الفلسطينية في أي صيغة خاصة بإدارة القطاع.

ويتجلى موقف اليمين الاسرائيلي في الشروط التي يطرحها وزير المال، بتسلئيل سموتريتش، لوقف الحرب في غزة، وهي: سحق حماس ونزع سلاحها وإبعاد قادتها، رفض قيام دولة فلسطينية، ضم الضفة الغربية، ومنع مشاركة السلطة الفلسطينية في إدارة القطاع، ما يجعل الحديث عن إمكانية وضع خطة ترامب موضع التنفيذ محل شكّ.

لذلك، ما يزال من السابق لأوانه الحكم على “الخطة الأميركية”، لأن تفاصيلها النهائية لن تتضح قبل اجتماع كافة الأطراف المعنية وإعلان المواقف بشكل واضح ودقيق ومفصل، لا سيما موقف اليمين الإسرائيلي و”حماس”. كذلك لا بد من إضافة التفسيرات اللازمة لبنود “الخطة” وتوضيح الضمانات المطلوبة ووضع آليات التطبيق.

في الواقع، إن نجاح خطة ترامب مرهون بوجود إرادة سياسية أميركية حقيقية. أما إذا كانت مجرد مناورة لوقف موجة الاعتراف بدولة فلسطين، ومجاراة خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الرافض لقيام دولة فلسطين، فستلحق “الخطة” بمصير “خارطة الطريق” للعام 2003، التي تعمد رئيس وزراء إسرائيل السابق آرييل شارون إفشالها بعد أن تبناها مجلس الأمن الدولي بالإجماع، وفق القرار رقم (1515)، في العام 2003.

تجدر الإشارة هنا إلى أن خطة ترامب لا تتضمن أي تعهد أميركي بالاعتراف بدولة فلسطين على حدود العام 1967، ما يضعها في إطار التأقلم التكتيكي لا التحول الاستراتيجي.

هناك تحولات كبيرة في المشهد الدولي وثمة تغيّر جذري في مواقف بعض الدول تجاه القضية الفلسطينية، وبالتالي لن تستطيع واشنطن وتل أبيب مواجهة هذا التحول إلى ما لا نهاية. ونجاح “خطة وقف الحرب في غزة”، أو فشلها، يتوقف على مواقف الأطراف المعنية وضمانات التنفيذ.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  رون بن يشاي: هذه هي خطة نصرالله!
حسين الديك

كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني

Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  العرب "يستثمرون" في حرب المعادن الأميركية الصينية!