وسام متى27/10/2019
"شيء ما كبير حدث للتو!"... بهذه العبارة "التويترية" هيّأ دونالد ترامب نفسه للإعلان عن "انتصار" يمكن استثماره داخلياً، تزامناً مع تسريب أولى المعلومات عن عملية عسكرية اميركية جرت في سوريا، واستهدفت زعيم تنظيم "داعش" أبا بكر البغدادي.
لا يقتصر استثمار مقتل البغدادي على ترامب. الأتراك، والعراقيون، والأكراد تسابقوا على الكشف عن دور ما قاموا به في هذه العملية، التي تنتظر الإعلان الرسمي عن “نجاحها” بعد سيل المعلومات غير المؤكدة حول مصير “الخليفة”.
مجلة “نيوزويك”، التي كانت أول من نشر النبأ، ذكرت أن مسؤولاً في الجيش الأميركي أبلغها بأن البغدادي قُتل، مشيرة إلى أن قوات العمليات الخاصة نفذت العملية بعدما حصلت على معلومات استخباراتية يُعتد بها.
وكالات الأنباء العالمية، نقلت عن قائد أحد الفصائل المسلحة في محافظة إدلب بشمال غرب سوريا إنه يُعتقد أن البغدادي قُتل في غارة بعد منتصف الليل، شاركت فيها طوافات وطائرات حربية في قرية باريشا قرب الحدود التركية، كما وقع اشتباك على الأرض خلالها.
كذلك، نقلت وكالات الأنباء عن مصدرين أمنيين عراقيين ومسؤولين إيرانيين أنهم تلقوا تأكيدا من داخل سوريا بشأن مقتل البغدادي.
وقال أحد المصدرين العراقيين “مصادرنا الخاصة من داخل سوريا أكدت للفريق الاستخباراتي العراقي المكلف بمطاردة البغدادي مقتله مع حارسه الشخصي الذي لا يفارقه أبداً في إدلب، بعد اكتشاف مكان اختبائه عند محاولته إخراج عائلته خارج إدلب باتجاه الحدود التركية”.
وبث التلفزيون الرسمي العراقي لقطات مصورة لما قال إنها غارة أميركية نُفذت في سوريا وقيل إن البغدادي قُتل فيها.
وأظهرت لقطات مصورة حفرة في الأرض بدا أنها ناجمة عن غارة وملابس ممزقة وملطخة بالدماء. كما بث التلفزيون العراقي لقطات ليلية لانفجار.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره بريطانيا، إن تسعة أشخاص قتلوا خلال الغارة التي استمرت ساعتين بينهم امرأتان وطفل واحد على الأقل. ولم يعرف المرصد السوري ما إذا كان البغدادي ضمن القتلى.
وذكر المرصد الذي يملك شبكة مصادر في سوريا أن منزلا يعتقد أنه كان الهدف الرئيسي للعملية تضرر بشدة جراء القصف الجوي قبل أن ينزل جنود من طوافات ويخوضون اشتباكات على الأرض.
وينتظر أن يصدر الإعلان الرسمي عن مقتل البغدادي على لسان ترامب، أو على الأقل هذا ما توحي به تغريدته حول هذا “الحدث الكبير”. وذكرت فوكس نيوز ان الفحص البيومتري أكد أن القتيل هو البغدادي.
المتحدث باسم البيت الأبيض أعلن في وقت متأخر أمس السبت إن ترامب يعتزم الإدلاء “ببيان مهم” في البيت الأبيض الساعة التاسعة صباحا بالتوقيت المحلي (1300 بتوقيت غرينتش). ولم يذكر المتحدث تفاصيل أخرى.
واذا ما ذهب الإعلان الترامبي نحو إعلان النجاح في تصفية البغدادي، فسيكون الرئيس الأميركي قادراً على استثمار ذلك إلى أقصى درجة أمام معارضيه.
ويتعرض ترامب لانتقادات من الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء بسبب قراره سحب القوات الأميركية من شمال شرق سوريا مما سمح لتركيا بمهاجمة حلفاء واشنطن الأكراد.
وعبر كثيرون ممن انتقدوا قرار ترامب عن قلقهم من أن تؤدي خطوة الانسحاب إلى استعادة تنظيم الدولة الإسلامية قوته بما يشكل تهديدا للمصالح الأميركية. ولكن من شأن إعلان مقتل البغدادي أن يساهم في تهدئة تلك المخاوف.
ولأيام، خشي مسؤولون أميركيون من أن يسعى تنظيم “الدولة الإسلامية” لاستغلال الفوضى في سوريا. لكنهم رأوا أيضا في ذلك فرصة محتملة إذ توقعوا أن تحاول قيادات التنظيم الإرهابي التخلي عما اعتادت عليه من السرية للتواصل مع عناصرها، ما قد يشكل فرصة للولايات المتحدة وحلفائها لرصدهم.
وبالإضافة إلى ترامب، يبدو واضحاً أن جهات عديدة تريد استثمار تصفية البغدادي.
وزارة الدفاع التركية أعلنت أن الجيشين التركي والأميركي تبادلا ونسقا المعلومات قبل هجوم في محافظة إدلب السورية.
وأضافت الوزارة في تغريدة على “تويتر” أنه “قبل العملية الأميركية في محافظة إدلب السورية الليلة الماضية، كان هناك تبادل للمعلومات وتنسيق بين السلطات العسكرية في البلدين”.
كذلك، نقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية عن مصدر في الاستخبارات العسكرية العراقية ان بغداد هي من زودت قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، بالمعلومات عن تحركات وأماكن تواجد زعيم تنظيم داعش، ومن بينها الموقع الأخير الذي قٌتل فيه،
وبدورها، قالت “قوات سوريا الديمقراطية” التي يقودها الأكراد اليوم الأحد إنها تعاونت مع الولايات المتحدة في “عملية ناجحة” ضد تنظيم الدولة الإسلامية في إشارة واضحة إلى عملية قتل البغدادي.
وبعيداً عن موجة “الاستثمار”، وبانتظار التأكيد الرسمي لمقتل البغدادي، يبقى السؤال المحوري حول مستقبل “داعش” بعد تصفية “الخليفة”.
لفترة طويلة ساد اعتقاد أن البغدادي يختبئ في مكان ما على الحدود العراقية السورية.
وكانت الشبكة الإعلامية التابعة لتنظيم “الدولة الإسلامية” نشرت في 16 أيلول/ سبتمبر الماضي رسالة صوتية مدتها 30 دقيقة قالت إنها من البغدادي، وذكر فيها أن العمليات تحدث يومياً، ودعا أنصاره إلى تحرير نساء محتجزات في مخيمات في العراق وسوريا بسبب صلاتهن بـ”داعش”.
وقال البغدادي في الرسالة الصوتية أيضا إن الولايات المتحدة ووكلاءها تعرضوا للهزيمة في العراق وأفغانستان وإن واشنطن “استُدرجت” إلى مالي والنيجر.
وحكم تنظيم الدولة الإسلامية في أوج قوته الملايين في مساحات شاسعة امتدت من شمال سوريا مرورا ببلدات وقرى في وادي كل من نهري دجلة والفرات ووصولا لمشارف العاصمة العراقية بغداد. كما بلغ أطراف لبنان الشرقية.
لكن هزيمة التنظيم عام 2017 في الموصل العراقية والرقة السورية، وهما معقلاه الرئيسيان في البلدين، جردت البغدادي المولود في العراق من لقب “خليفة” وحولته إلى هارب يٌعتقد أنه يتحرك في مناطق صحراوية على الحدود بين العراق وسوريا.
وعلى الرغم من خسارة التنظيم للسيطرة على آخر مناطق مهمة كانت خاضعة له يُعتقد أن “الدولة الإسلامية” لها خلايا نائمة في أنحاء العالم وأن بعض مقاتليها يعملون في الخفاء في الصحراء السورية وبعض المدن العراقية.
ومن غير المعروف حتى الآن من هي الشخصية التي تخلف البغدادي في قيادة “داعش”، خصوصاً أن معظم القياديين البارزين في التنظيم الإرهابي قتلوا في ضربات جوية أميركية وروسية خلال السنوات الماضية.
وحتى وقت ليس ببعيد، كان يُعتقد أن قياديين “داعشيين” بارزين من بين المرشحين المحتملين للبغدادي، وهما اياد العبيدي وزير الدفاع في “الدولة الإسلامية”، وأياد الجميلي المسؤول الأمني في التنظيم الإرهابي. لكن الجميلي قُتل في نيسان من العام 2017، فيما يبقى وجود العبيدي غير معروف.
وفي كل الأحوال، فإنّ “داعش” قد يواجه أزمة قيادة في المرحلة المقبلة، ذلك أن الخلفية العسكرية لمعظم قادة التنظيم الذين ما زالوا على قيد الحياة، وعدم امتلاكهم مؤهلات دينية، يعنيان أن أياً منهم سيجد صعوبة في الصراع على “الخلافة”.
بذلك، يصبح مستقبل “داعش” أمام واحد من ثلاثة سيناريوهات:
– الأول: ظهور “خليفة” جديد متوافق عليه ويحظى بسلطة قوية في التنظيم.
– الثاني، تعرض “داعش” لصراع على القيادة على النحو الذي يؤدي إلى تشرذم ما تبقى من قوته.
– الثالث (وهو امتداد للسيناريو الثاني): تفكك التنظيم إلى خلايا عابرة للحدود، بما يؤدي إلى ولادة تنظيم أكثر خطورة، يصطلح البعض على تسميته بـ”داعش-2.0″، كما حدث بالفعل لتنظيم “القاعدة” بعد مقتل زعيمه أسامة بن لادن، أو ربما تحوّل الحالة الجهادية التي كان يشكلها التنظيم إلى جيل جديد من النشاط الإرهابي حول العالم.