باكستان.. هل تبقى “دولة مواجهة” مع اسرائيل؟
People sit on top of a bus as they go past flags of Pakistan and China that are displayed along a road, ahead of Chinese Premier Li Keqiang's visit to Islamabad May 21, 2013. Li will arrive on two-day official to Pakistan on May 22. REUTERS/Faisal Mahmood (PAKISTAN - Tags: POLITICS)

في مقالة الأسبوع الماضي، جرى التطرق إلى السياق العام للسياسة الخارجية الباكستانية، وحيث ترتسم خطوط عريضة حمراء تجاه الهند وروسيا، مما يجعل الإقتراب منها يمهد لخروج الجيش من ثكناته والسيطرة على مقاليد السلطة، لكن خطا احمر ثالثا، يتمثل في بنية العداء الباكستاني التقليدي لإسرائيل، ينبغي مراقبته للوقوف على التحولات الناشئة مع مرحلة ما بعد عمران خان. 

حين وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار 181 القاضي بتقسيم فلسطين في التاسع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 1947، وقف ظفر الله خان أول وزير خارجية باكستان في هيئة الأمم ليقول ويسأل مثلما تورد “دائرة المغتربين” التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية “ما هي غايتكم من إنشاء دولة لليهود؟ إذا كان الدافع إنسانيا فلماذا تقفلون حدودكم أمامهم؟ لماذا تريدون أن تسكنوهم في فلسطين وتساعدوهم على إقامة دولة لهم ليشردوا مليون عربي”.

بعد خمس وثلاثين سنة على قرار التقسيم، نشرت مجلة “العربي” الكويتية (1 ـ 6 ـ 1983) مقالا للدبلوماسي المصري عبد الحميد عبد الغني، (كان يوقع مقالاته بإسم عبد الحميد الكاتب) استحضر فيه خطاب ظفرالله خان في الأمم المتحدة، حيث قال “ليس في ميثاق الأمم المتحدة ولا في قواعد القانون الدولي، ما يبيح للأمم المتحدة أن تفرض على شعب من الشعوب بأن يقسم نفسه ويوزع أرضه قطعة هنا وقطعة هناك”.

 وبحسب مقالة (4 ـ 3 ـ 2004) لأسعد عبد الرحمن القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في صحيفة “الإتحاد” الإماراتية كان النقاش في الأمم المتحدة حول مسـتقبل فلسطين في مطلع 1947 أول فرصة لباكستان لتشكيل سياستها الخارجية كدولة ناشئة، ومن الإنصاف القول إنها عارضت منذ البداية تقسيم فلسطين، إذ قال وزير خارجيتها حينئذ ظفرالله خان “إن الأمم المتحدة لا سلطة قانونية أو قضائية لها لتقسيم فلسطين”.

هذا الموقف الباكستاني المبكر، سيشكل قاعدة أساسية لسياسة خارجية باكستانية تقوم على نبذ الإعتراف بإسرائيل، بل والمشاركة في قتالها أحيانا كما سيظهر في سياق هذه المقالة، إنما قبل تناول ذلك، من مقتضيات التحليل المرور على مفاصل تاريخية وسياسية كان لباكستان فيها مواقف حادة تجاه الدولة العبرية:

في عام 1954، رفضت باكستان مشاركة اسرائيل في المؤتمر الأسيوي ـ الأفريقي، وحافظت على هذا الموقف في “مؤتمر باندونغ” عام 1955 الذي انعقد في اندونيسيا، واستنادا إلى ما تورده “الموسوعة الفلسطينية” انه خلال حرب الخامس من حزيران/يونيو1967 “بعث الرئيس الباكستاني محمد أيوب خان برسائل إلى رؤساء دول المواجهة العربية مع إسرائيل قال فيها: أرجو أن تشعروا بملء الحرية في أن تطلبوا منا ما تحتاجون إليه من مساعدات مادية وسنبذل كل ما في وسعنا لتقديمها”.

في حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 لم تكتف باكستان بنشر قوات للمساهمة في حماية مدينة دمشق فقط، بل دربت أيضا سوريين، كما أمنت أيضا للجيش السوري دعما بحريا، إضافة إلى الطيارين، وكان الباكستانيون لا يتقنون من العربية سوى ما يلزمهم للصلوات والأدعية، ومع ذلك أسقطوا عشر مقاتلات إسرائيلية في حربي 1967 و1973

عند هذا المنعطف المرتبط بـ”حرب الأيام الستة”، تنفتح مفاصل المشاركة الباكستانية في الحروب العربية ـ الإسرائيلية على مصراعيها، وعلى ما يقول كومارا سوامي، أستاذ شؤون الشرق الأوسط في جامعة جواهر لال نهرو الهندية، في دراسة نشرها مركز “القدس للدراسات السياسية” بتاريخ 8 – 6 – 2005 “أن طيارين باكستانيين كانوا يساعدون سوريا وبشكل فاعل أثناء حرب تشرين الأول/أكتوبر عام 1973”.

 وجاء في تقرير (17 ـ 4 ـ2017) منشور في صحيفة “العربي الجديد” أنه “في حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 لم تكتف باكستان بنشر قوات للمساهمة في حماية مدينة دمشق فقط، بل دربت أيضا سوريين، كما أمنت أيضا للجيش السوري دعما بحريا، إضافة إلى الطيارين، وكان الباكستانيون لا يتقنون من العربية سوى ما يلزمهم للصلوات والأدعية، ومع ذلك أسقطوا عشر مقاتلات إسرائيلية في حربي 1967 و1973، وعلاوة على ذلك، منعت دورياتهم الهجومية الهجمات الإسرائيلية على مدن ومنشآت أردنية وسورية ولبنانية ومصرية”.

وفي ذكرى حرب العام 1967، كتبت وكالة “أنباء الأناضول” التركية (6 ـ6 ـ2021) فقالت:

“رغم أن الحرب التي يصفها العرب بالنكسة، دارت بين إسرائيل ومصر وسوريا والأردن في يونيو/حزيران 1967، إلا أنها تحمل ذكريات لبطولات القوات الجوية لدولة خامسة لم يكن لها دور مباشر في الصراع، ولا يزال العرب يتذكرون بطولات طيارين من سلاح الجو الباكستاني الذين أسقطوا عدة طائرات إسرائيلية دون أن يخسروا أي من طائراتهم، فسيف الله الأعظم، الطيار المقاتل الباكستاني الذي توفي في يونيو/حزيران 2020، أسقط بمفرده ثلاث طائرات مقاتلة إسرائيلية خلال الأيام الثلاثة الأولى من الحرب، وفي شهادة للعميد الجوي المتقاعد كايزر طفيل، مؤلف ثلاثة كتب عن تاريخ القوات الجوية الباكستانية، فإن تلك القوات أسقطت ثلاث طائرات إسرائيلية، جميعها بواسطة الضابط الطيار سيف الله الأعظم بين 5 و7 حزيران/يونيو 1967”.

وكشف مساعد وزير الخارجية المصرية الأسبق، حسن هريدي في حوار تلفزيوني أوجزت مضمونه صحيفة “الوطن” القاهرية في السابع عشر من شباط/فبراير2021 “أن باكستان قدمت مساعدات إلى مصر لا يعرفها الرأي العام، منها مساعدات خلال حرب أكتوبر 1973، ومصر تقدر هذه المساعدات في الحرب المجيدة “، ووفقا لصحيفة “الدستور” المصرية في عددها الصادر بتاريخ 13 ـ 6 ـ 2021 “وقفت باكستان إلى جانب مصر في حرب أكتوبر 1973 حيث قامت بإيواء بعض السفن الحربية المصرية”.

ماذا عن باكستان وجمال عبد الناصر؟

حول ذاكرة العلاقات المصرية ـ الباكستانية، نشرت “الهيئة العامة للإستعلامات” المصرية (12ـ 11 ـ 2017) أنه “مع قيام ثورة تموز/ يوليو 1952، ساندت باكستان الثورة وأيدت سعيها للحصول على الاستقلال، وكان لمصر دور بارز في وقف الحرب الهندية – الباكستانية في عام 1965، حيث أرسل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في 8 أيلول/سبتمبر من العام نفسه طلبا لحكومتي البلدين بوقف فوري لإطلاق النار”.

وإذ شهدت العلاقات بين القاهرة وإسلام آباد فتورا وجفاء عام 1956، إلا أنها سرعان ما عولجت، وحين زار عبد الناصر باكستان، استقبله 200 ألف شخص في مدينة لاهور مثلما ذكرت صحيفة “الأهرام” في الخامس عشر من نيسان/ابريل 1960، ونقلت صحيفة “الوحدة” السورية (16 ـ 4 ـ 1960) عن عبد الناصر قوله للباكستانيين “إن قوتكم المعنوية كان لها الأثر الكبير في إزلة الحواجز المصطنعة، وعلينا تدعيم هذه الروابط الروحية والمعنوية، ورأيت في زيارتي كيف تنظر باكستان إلى هذه الروابط”، ومع اقتراب العام 1965 من خاتمته طالب وزير الخارجية الباكستانية ذو الفقار علي بوتو بطرد اسرائيل من الأمم المتحدة على ما أوردت صحيفة “الثورة” السورية في 21 تشرين الثاني/نوفمبر من العام السابق الذكر.

تلك الشفافية المفتوحة ألتي أطلق ذو الفقار علي بوتو العنان لها مع عبد الناصر، يضاف إليها طموح مفتوح بتحويل باكستان إلى دولة نووية، وهو القائل في عام 1965 إن الباكستانيين مستعدون لأكل الأعشاب في سبيل إدخال بلادهم إلى النادي النووي

يروي محمد حسنين هيكل في كتابه “الإنفجار” وقائع لقاء تاريخي بين جمال عبد الناصر وذو الفقار علي بوتو، هذا بعض منها:

إقرأ على موقع 180  أوروبا حاربت وصالحت.. متى تنتهي حروبنا؟

“في شهر تموز/ يوليو 1966 تلقى جمال عبد الناصر رسالة عاجلة من ذو الفقار علي بوتو، ومساء 20 تموز/يوليو استقبله عبد الناصر لمدة ساعة ونصف الساعة، ولم تطل المجاملات وقال بوتو لعبد الناصر: انت الوحيد الباقي من الزعماء الكبار، وأرجوك أن تعرف انهم خارجون لإصطيادك، وقد ذهب الرئيس ـ الباكستاني ـ ايوب خان مرة إلى واشنطن، وكنتُ معه، وكان طلبه الرئيسي زيادة المعونة لباكستان، وكان لديه موعد مع الرئيس جونسون، وذهب وحده، وعندما عاد قال لي إنهم قد يفكرون بزيادة المعونة بشرط واحد، هو التخلص منك ـ من عبد الناصر ـ  إني أردت ان أتحدث إليك، وأن أضع ما لدي تحت علمك تاركا لك الباقي”.

تلك الشفافية المفتوحة ألتي أطلق ذو الفقار علي بوتو العنان لها مع عبد الناصر، يضاف إليها طموح مفتوح بتحويل باكستان إلى دولة نووية، وهو القائل في عام 1965 إن الباكستانيين مستعدون لأكل الأعشاب في سبيل إدخال بلادهم إلى النادي النووي، وهو العامل على استقدام عبد القدير خان إلى باكستان في عام 1975 لتنفيذ ذاك الطموح، وهذا ما جعل اسرائيل ترفع وتيرة الخطر الإستراتيجي الباكستاني حيالها، وتحفل سجلات السنوات القليلة الماضية بتبادل “المواقف والرسائل النووية” بين تل أبيب وإسلام آباد، من بعض تفاصيلها الآتي:

ـ في السادس عشر من كانون الأول/ديسمبر 2016 ذكرت قناة “فرانس 24” أن وزير الدفاع الباكستاني خواجة آصف قال “وزير الدفاع الإسرائيلي يهدد بالرد النووي على افتراض قيام باكستان بدور في سوريا ضد تنظيم داعش، إسرائيل تنسى أن باكستان دولة نووية أيضا”.

ـ في السابع والعشرين من شباط/فبراير 2019 نقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية عن قناة “آري نيوز” الباكستانية قولها “إن الهند وإسرائيل كانتا تعدان مع دولة ثالثة لهجوم واسع النطاق على باكستان، والهند كانت مستعدة لتوجيه ضربة إلى ثمانية مواقع مختلفة في باكستان، وكانت إسرائيل معنية بضرب المنشأت النووية الباكستانية”.

ـ في الخامس من كانون الثاني/يناير 2022، أشارت قناة “التركية” إلى أن صحيفة (نويه تسورشر تسايتونغ ) السويسرية، ألمحت إلى احتمال ضلوع الموساد الإسرائيلي في تفجير ثلاث شركات ألمانية وسويسرية، كانت تدعم عملية تطوير باكستان برنامجها النووي”.

ـ في السادس من كانون الثاني/يناير 2022 بثت قناة “الميادين” المعلومة نفسها الورادة آنفا تحت العنوان التالي “صحيفة سويسرية: الموساد فجّر شركات ألمانية وسويسرية لوقف برنامج باكستان النووي”.

إن هذا الإستعراض لقواعد المواجهة الباكستانية ـ الإسرائيلية، يستدعي سؤالا مفاده عن احتمال الإستثناء ومحاولات التقارب بين الطرفين، وفي حقيقة الأمر أن الإستثناء المذكور جرت فصوله في عهد الجنرال برويز مشرف بعد إمساكه بزمام الحُكم بإنقلاب عسكري عام 1999، ففي الأول من ايلول/سبتمر 2005 التقى وزير الخارجية الباكستانية خورشيد قصوري بنظيره الإسرائيلي سلفان شالوم في مدينة اسطنبول، وفي السابع عشر من الشهر نفسه قال برويز مشرف لصحيفة “الشرق الأوسط” بعد شيوع خبر مصافحته لرئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون في نيويورك “إن باكستان تسعى الى فتح الحوار مع الدولة العبرية لدفع عملية السلام قدما، ولا أخاف المعارضة”.

وخلص تحليل لـ”التقرير الإستراتيجي الفلسطيني” الصادر في عام 2005 حول العلاقات الباكستانية ـ الإسرائيلية المستجدة إلى “أن أحدا من حكام باكستان لم يجرؤعلى فتح علاقات دبلوماسية مع اسرائيل مثلما فعل برويز مشرف”، وعلقت وكالة الأنباء الألمانية (DPA) بتاريخ 4 أيلول/سبتمبر 2005 بالقول “اتخذ الرئيس الباكستاني برويز مشرف الذي يوجه انتقادات شعبية لسياساته المؤيدة لأميركا، خطوة كبيرة ومثيرة بمد يد الصداقة لإسرائيل، وحتى الإجتماع بين وزيري الخارجية الباكستانية والإسرائيلية، كانت باكستان ترفض بشدة اي اتصال ـ مع اسرائيل ـ منذ قيام البلدين في الأربعينيات”.

ثمة مواقف أخرى لا تقل حدية تجاه اسرائيل، أطلقها خان في سنوات ترؤسه للحكومة الباكستانية، من غير المعروف إذا كانت ستعرف سبيلا إلى خلفه شهباز شريف

وبخروج برويز عن رأس السلطة، تراجعت الإندفاعة الباكستانية نحو تل أبيب، وحين وصل عمران خان إلى رئاسة الوزراء عام 2018 عادت المواقف المناوئة لإسرائيل لتتصدر واجهة السياسة الخارجية لباكستان، ومن ضمنها:

ـ بعد رواج تكهنات حول إمكانية تطبيع العلاقات بين باكستان وإسرائيل، قال عمران خان (قناة “الجزيرة” 13 ـ 11 ـ2020) إن بلاده تعرضت لضغوط للاعتراف بإسرائيل “بالنسبة لي، لا احتمال للاعتراف بإسرائيل ما لم تكن هناك تسوية ترضي الفلسطينيين”.

ـ نشر المكتب الإعلامي لعمران خان (صحيفة “الغد” الأردنية 19 ـ 8 ـ 2020) تغريدة على “تويتر”، هذا نصها “موقفنا واضح جدا، وهو كما قال القائد العظيم محمد علي جناح، إن باكستان لن تعترف أبدا بإسرائيل حتى يُعطى الفلسطينيون حقهم بتسوية عادلة”.

ـ في إجابة عن سؤال حول قضية كشمير، قال عمران خان (قناة “العالم” 12ـ 9 ـ 2021) إن “الهند تحاول تغيير هوية كشمير على غرار ما فعلته اسرائيل في فلسطين”.

ثمة مواقف أخرى لا تقل حدية تجاه اسرائيل، أطلقها خان في سنوات ترؤسه للحكومة الباكستانية، من غير المعروف إذا كانت ستعرف سبيلا إلى خلفه شهباز شريف، ففي ظل ما يقال عن إعادة صياغة السياسات الدولية بعد الحرب الروسية في اوكرانيا، تبقى موجبات النظر والتحديق بالسياسة الخارجية الباكستانية، أمراً مطلوباً لمعرفة حجم التحولات الطارئة في المشهد العام، على مستوى دول العالم ومن ضمنه دول الإقليم.

Print Friendly, PDF & Email
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  معضلة بايدن.. تحشيد ضد إيران أم تسوية معها؟