انتخابات الجزائر… أفق غامض وخيارات محدودة
Algerian demonstrators take to the streets in the capital Algiers to protest against the government, in Algeria, Friday, Nov. 1, 2019. Police struggled Friday to contain thousands of Algerian demonstrators surging through the streets of the capital to protest next month's presidential election and celebrate 65 years since Algeria's war for independence from France. (AP Photo/Toufik Doudou)

تكسو المشهد السياسي في الجزائر حالة من الغموض، قبل أقل من شهرين من  موعد الانتخابات الرئاسية، التي لا تسمح فيها حالة الشارع الملتهبة للمرشحين بالقيام بحملات انتخابية طبيعية والتواصل مع الناخبين بشكل فعال، وذلك في ظل إصرار السلطة على تجاهل المطالب الشعبية.

لم يهدأ الشارع الجزائري منذ انطلاق حراكه قبل 36 أسبوعاً. لا يزال مصراً على تحقيق مطالب ثورية من قبيل محاكمة رموز النظام السابق بالكامل، وخروج الجيش تماماً من المعادلة السياسية، وإرجاء الانتخابات الرئاسية المقررة في 12 كانون الأول/ديسمبر المقبل.

رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح تحدى مطالب الجماهير، مشدداً على أن الانتخابات ستجرى في موعدها، ومحاولاً تهدئة الشارع الغاضب بعبارات من قبيل “الشباب على درجة كبيرة من الوعي بالمخاطر وسيفشل مخططات العصابة (نظام عبد العزيز بوتفليقة) التي تعودت على الابتزاز السياسي”.

تصر السلطة الانتقالية الجزائرية على أن الحراك الشعبي حقق النسبة الأكبر من المطالب، وأنه يجب السير في اتجاه إعادة بناء مؤسسات الدولة خوفاً من الانهيار الاقتصادي والانفلات الأمني، وهو ما دفع الرئيس الجزائري المؤقت عبد القادر بن صالح إلى مناشدة المواطنين الحرص على التوجه إلى صناديق الاقتراع والتمسك بإجراء الانتخابات في موعدها، لأن البلاد أمام “اختبار عسير” يجب أن تعبره.

بدوره، دخل وزير العدل الجزائري بلقاسم زغماتي على خط مناشدة المواطنين التمسك بخيار الانتخابات، قائلاً إن “طوق نجاة للجزائر في أيدي مواطنيها في ظل تربص من لا يرغبون في وضع حد للمحنة” التي تعيشها البلاد، مطالباً الجميع بإنكار الذات لخدمة مصالح الوطن.

الشارع الغاضب رد برفض هذه التصريحات، لا بل زاد من وتيرة الدعوة إلى تظاهرات الجمعة رقم 37، يوم أمس، رفضاً لإجراء الانتخابات الرئاسية من دون ضمانات حقيقية لنزاهتها، لا سيما في ظل إشراف رجال الرئيس المتنحي عبد العزيز بوتفليقة عليها، وهو ما يعتبره المحتجون تجاهلاً للحراك ومطالبه، مبررين رفضهم للانتخابات بعدم وجود مرشحين مناسبين أو برامج انتخابية حقيقية أو ظروف تسمح بانتخابات ديمقراطية نزيهة.

المرشحون المحتملون للانتخابات الرئاسية بلغ عددهم 140، لكن القائمة تم تقليصها إلى 22 مرشحاً من المنتظر خوضهم الانتخابات في موعدها المقرر يوم 12 كانون الأول/ديسمبر المقبل، في حال لم يتم استبعاد أي منهم لأسباب قانونية أو إجرائية.

يقول المحلل السياسي عبد الرحمن هنانو لـ”180″ إن هناك إصراراً غير مبرر من السلطات الجزائرية على إجراء الانتخابات في موعدها، وهي بذلك تتحدى الإرادة الشعبية التي ترفض الانتخابات، ويظهر ذلك بوضوح في التظاهرات المستمرة كل جمعة دون توقف.

ويرى هنانو أن الانتخابات الرئاسية ولدت ميتة بسبب رفض العديد من الشخصيات التي تلقى قبولاً من الحراك الشعبي المشاركة فيها، لكونهم يعتبرونها مسرحية هزلية في ظل ترشح بعض رموز العهد البائد.

عبد الرحمن هنانو:  الانتخابات لن تطرح أية حلول للأزمة، بل ستعقد الأوضاع

ويوضح هنانو أن الشروط الإجرائية متوافرة لإجراء الانتخابات في موعدها، لكنها ستشهد عزوفاً من الجزائريين عن المشاركة، وهي لن تطرح أية حلول للأزمة القائمة، لا بل ستعقد الأوضاع بسبب انتخاب شخص لا يتمتع بإجماع شعبي، ولا يحظى بقبول من جانب الحراك، وبالتالي فإن الانتخابات ستنتج انقساماً غير مطلوب.

وأطلقت مجموعة من السياسيين والقياديين المعارضين وناشطون من الحراك الشعبي دعوة إلى تأجيل الانتخابات الرئاسية، مطالبين السلطة بعدم “فرضها بالقوة”، ومقترحين البدء في حوار وطني بين كافة الأطراف لمناقشة مخارج الأزمة، ومحذرين من إجراء أية انتخابات رئاسية من دون توافق وطني لأنها ستعد خطوة نحو المجهول، ومن شأنها أن تزيد الاحتقان وتنتج أزمة “شرعية” لأي رئيس يأتي عبر هذه الانتخابات، التي لا تجد الإجماع الشعبي المطلوب.

ومع إصرار السلطة الواضح على إجراء الانتخابات الرئاسية، يبدو خيار التراجع عنها أمراً صعباً، لا بل يدخل ضمن المستحيلات، كما أن إلغاءها الآن يضعف من موقف الجيش الذي يواجه اتهامات بسعيه للحكم من خلف الستار، ويفتح الباب واسعا لتأجيلها مرات ومرات، مع ما يترتب على ذلك من فراغ سياسي وزيادة في الضغوط الدولية والانقسامات الداخلية، ولذا يبدو كلا الخيارين مر.

يبدو خيار التراجع عن اجراء الانتخابات الرئاسية أمراً صعباً، لا بل يدخل ضمن المستحيلات

ويتحمل الجيش الجزائري الجزء الأكبر من مسؤولية صناعة الأزمة، بعدما حاول منذ البداية تطبيق سياسة فرض الأمر الواقع في مواجهة متظاهرين غاضبين لديهم مطالب عديدة، كما أنه يعيد إلى الأذهان صورته كصانع للرؤساء، برغم إدراك الجميع أن الحلول الفردية من دون توافق مع الطيف السياسي الواسع في بلد مأزوم سياسياً مثل الجزائر سيشعل الأزمة مجدداً.

وتبدو السلطات الجزائرية مصرة على تجاهل حقيقة أن الانتخابات لم تكن هي شعار الحراك الشعبي، وإنما اقتلاع جذور الفساد الذي دمر البلاد على مدار العقود الماضية، لذا فإن إجراء الانتخابات في ظل بقاء الأوضاع الحالية لن يغير شيئاً في منظومة الحكم القادمة، وهو ما دفع بعض المحللين السياسيين إلى التساؤل عما اذا كانت الانتخابات مجرد هدف أم غاية؟ وهل هي آلية لاختيار مرشح فرد جديد لمقعد الرئاسة بما في ذلك من مخاطر بناء نظام فاسد جديد؟ أم أداة يتم استخدامها بعد بناء تصور لعقد اجتماعي وتصور ديمقراطي جديد؟

إقرأ على موقع 180  كتاب "أميركا القيم والمصالح".. السعودية حليف أم صديق؟ (1)

ومع انتهاء المهلة النهائية للترشح، أصبحت الجزائر أمام 22  مرشحاً في المرحلة الإجرائية للانتخابات الرئاسية، بعدما تقدموا بملفاتهم إلى السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، مقرونة بآلاف التوكيلات الشعبية، على أن يتم الإعلان عن القائمة النهائية للمرشحين المستوفين للشروط بعد أيام.

وتبرز عدة أسماء من بين قائمة المرشحين، وعلى رأسهم علي بن فليس الأمين العام لـ”حزب طلائع الحريات” حالياً، ورئيس الوزراء الأسبق الذي كان جزءاً من نظام بوتفليقة، قبل أن ينافسه في الانتخابات الرئاسية في العامين 2004 و2014، بالإضافة إلى الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي عز الدين ميهوبي، الذي شغل منصب وزير الثقافة، ورئيس الوزراء الأسبق عبد المجيد تبون، الذي تولى هذا المنصب لمدة ثلاثة أشهر فقط في العام 2017، قبل أن تتم الإطاحة به، ورئيس حركة البناء الوطني الإسلامية عبد القادر بن قرينة.

وعلى الرغم من السير باتجاه إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، إلا أن هناك أزمة قد تعصف بها، بسبب إضراب القضاة الذين يفترض أن يتولوا الإشراف عليها.

وكانت النقابة الوطنية للقضاة أعلنت هذا الاضراب، الذي استجاب له حوالي 96 في المئة من الجسم القضائي – للمطالبة باستقلال القضاء وإلغاء قرارات الإطاحة بآلاف القضاة، وهو ما تسبب في شلل تام في مرفق القضاء، وتعطل كامل للمحاكم.

وزارة العدل ردت ببيان قالت فيه إنه يحظر على القاضي المشاركة في أي إضراب أو التحريض عليه لأن ذلك يعد إخلالاً جسيماً بمهام عمله، وأن قرارات النقل والتحويل للقضاة جاءت بإجماع أعضاء المجلس الأعلى للقضاء الذي يترأسه رئيس الجمهورية وينوب عنه فيه وزير العدل.

وفي محاولة لإرضاء المتظاهرين الغاضبين، أنهى الرئيس الجزائري المؤقت مهام رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان فافا بن زروقي “بطلب منها” من دون إبداء الأسباب.

وترأست فافا، وهي قاضية، أول مجلس لحقوق الإنسان تابع للرئاسة، في آذار/مارس عام 2017.

وكان الرئيس المؤقت أثار عاصفة جديدة من الغضب بسبب ما قاله للرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة “روسيا – أفريقيا” في مدينة سوتشي حين اعتبر أن “الوضع في الجزائر تحت السيطرة وأنني أريد طمأنتكم بأننا في الفصل الأخير من نهاية الأزمة”، متهماً الإعلام الجزائري بتضخيم الوضع، وترويج معلومات مغلوطة، وواصفاً المتظاهرين بأنهم قلة يخرجون للشارع بشكل دوري ويرددون بعض الشعارات.

من جهة ثانية، لم تفلح الأحكام العسكرية الصادرة بحق رجال بوتفليقة في تهدئة الشارع، وآخرها الحكم على الجنرال جبار مهنا الذي يحمل لقب “الجنرال اللغز” بالحبس، وذلك بتهمة تتعلق بالفساد وسوء استخدام السلطة، بالإضافة إلى حبس رئيس الاستخبارات الأسبق محمد مدين 15 عاماً، وحبس اللواء عبد الغني هامل المدير الأسبق للأمن الوطني، واللواء سعيد باي، والجنرال علي غديري المرشح السابق لانتخابات الرئاسة الملغاة، والتي كانت مقررة في نيسان/أبريل الماضي.

لم تفلح الأحكام العسكرية الصادرة بحق رجال بوتفليقة في تهدئة الشارع

ومع تصاعد الأزمة وتمسك كل طرف بمواقفه تبدو الجزائر عند مفترق طرق بخيارات محدودة، كل منها يمكن أن يفاقم من الأزمة القائمة.

الخيار الأول هو إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها من دون الاستماع إلى مطالب التأجيل، وبالتالي استمرار الاحتجاجات وزيادة وتيرة الانقسامات حتى مع انتخاب رئيس جديد.

الخيار الثاني هو تقديم ضمانات لنزاهة الانتخابات واستبعاد كل المرشحين المحسوبين على نظام بوتفليقة أو من الموالين له أو المستفيدين من فساده، وهو ما سيشكك في العملية الانتخابية برمتها، وسيزيد من الأزمة لأنه سيدمر الانتخابات من الأساس، خاصة مع تقديم المرشحين المحتملين أوراق اعتمادهم مع توقيعات المناصرين.

أما الخيار الثالث والأخير فهو تأجيل الانتخابات الرئاسية للمرة الثالثة واستمرار الفراغ لمدة غير محددة، مع الدعوة إلى حوار وطني عام بشكل عاجل، تتفق فيه القوى السياسية على حل توافقي.

Print Friendly, PDF & Email
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  الفيروس عندما يصبح أداة للقمع