أعطى اللبنانيون، كعادتهم، لزيارة الموفد الفرنسي كريستوف فارنو ربما ما يتعدى مضمونها. الزيارة إستطلاعية بالدرجة الأولى، والرجل لا يحمل لا مبادرة ولا تصورا واضحا للخروج من الأزمة التي نشأت عن إستقالة حكومة سعد الحريري، غداة حراك شعبي غير مسبوق في تاريخ لبنان.
إلتقى الموفد الفرنسي، في الساعات الأخيرة، كلا من الرئيس اللبناني ميشال عون، رئيس مجلس النواب نبيه بري، رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري، وزير الخارجية جبران باسيل.. ومسؤول ملف العلاقات الدولية والعربية في حزب الله عمار الموسوي.
الأهم من زيارة فارنو إلى بيروت، ما أعلنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال مشاركته في منتدى السلام في باريس أمس الثلاثاء، بأن موسكو “تدعم محاولات (سعد) الحريري تشكيل الحكومة، وحسبما أفهم، فإن فكرة تتمحور في تشكيل حكومة تكنوقراط، أعتقد أن هذا أمر غير واقعي في لبنان”.
هل كان موقف لافروف بمعزل عما سمعه من الفرنسيين أو بمثابة تعبير عن موقف مشترك أو أن لكل من البلدين مقاربته المختلفة للوضع اللبناني؟
وفق المعلومات التي توافرت لموقع 180، فإن الموفد الفرنسي أبلغ مستقبليه اللبنانيين بأن مهمته غير منسقة مع موسكو أو غيرها من العواصم، وأنها محصورة بتقصي الحقائق واستكشاف الفرص والتضامن مع لبنان في مواجهة الأزمة التي تعصف به، وأنه مكلف من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بإعداد تقرير سيقدم إلى قصر الأليزيه حول طبيعة الأزمة التي يواجهها لبنان حالياً، وفي هذا السياق، إستمع فارنو إلى شروحات قدمها له عون وبري والحريري وباسيل وكلها أجمعت على أحقية مطالب الحراك الشعبي.
الرئاسة الفرنسية كانت قد حذرت قبل أسابيع من تاريخ السابع عشر من تشرين الأول/أكتوبر ومن خلال سلسلة مراسلات رسمية بين البلدين من خطورة الوضع المالي والنقدي في لبنان، وأن ذلك من شأنه أن يؤدي “إلى إنهيار سعر صرف اليرة اللبنانية، الأمر الذي يحتم إتخاذ ما يلزم من اجراءات تصحيحية طارئة وسريعة وإلا فأن النتائج ستكون وخيمة، وهذا ما وصلت إليه الأمور”
وكان لافتا للإنتباه أن الموفد الفرنسي اكد دعم فرنسا للبنان و”شرعيته الدستورية”(هل كان يقصد الحريري)، وشدّد على حماية الاستقرار وضرورة التسريع في تكليف رئيس جديد للوزراء وتأليف الحكومة الجديدة “وفق الاصول الدستورية”، وقال فارنو إن فرنسا تتضامن مع لبنان وتناشد الجميع تهدئة الموقف والحيلولة دون تدهور الأوضاع، وامل في ان تصل جهود الجميع إلى نتيجة إيجابية، معولا على دور رئيس الجمهورية بوصفه “قائداً للبلاد”، وأكد دعم فرنسا لكل جهد تقوم به القيادات اللبنانية من أجل حل الأزمة.
وشكر الموفد الفرنسي عون على معالجته للامور “بروية وحكمة”، وأبلغه أنه تابع “بتمعن” اطلالته الاعلامية من مقر السفارة الفرنسية في قصر الصنوبر (بيروت)، حيث كانت تترجم مباشرة له، وعلى هذا الأساس، إستوضح فارنو من عون بعض نقاط المقابلة المتعلقة بالحراك، ورد عون شاكيا بأنه عرض أكثر من مرة الحوار مع الحراك، ولكن دعوته لم تلق أي تجاوب.
وإذا قال عون إن المشاورات مستمرة من أجل تأليف حكومة جديدة، تمنى الموفد الفرنسي عليه ان تسفر الاتصالات “عن تشكيل حكومة فاعلة تعيد الاستقرار والثقة وتطبّق الاصلاحات المنشودة”، ورد عون أن الحكومة حتى تقوم بالمطلوب منها يجب أن تؤمن الغطاء السياسي.
وفيما أكد الموفد الفرنسي أن بلاده جاهزة لمساعدة لبنان، أبلغ كلا من عون وبري والحريري أن بلاده ملتزمة بتوصيات مؤتمر سيدر الدولي لدعم لبنان الذي عقد في ربيع العام 2018.
وإذ شدد الموفد الفرنسي على أهمية الحفاظ على سلمية التظاهر وحماية أمن المتظاهرين، دعا مستقبليه إلى إستثمار الوقت وعدم تضييع الفرص.
وقالت مصادر دبلوماسية لبنانية لموقع 180 إن زيارة الموفد الفرنسي فارنو سبقتها “رسائل قاسية اللهجة وجهها الرئيس الفرنسي ماكرون إلى المسؤولين اللبنانيين من شانها ان تؤدي إلى تحملهم مسؤولياتهم في ضع حد لتدهور الوضع الاقتصادي والمالي، وبات يتوجب على المسؤولين في لبنان السير بقرارات اجرائية وتنفيذها دون إبطاء لاعادة الثقة الى الجهات المانحة والمستثمرين”.
وقالت المصادر إن الرئاسة الفرنسية كانت قد حذرت قبل أسابيع من تاريخ السابع عشر من تشرين الأول/أكتوبر ومن خلال سلسلة مراسلات رسمية بين البلدين من خطورة الوضع المالي والنقدي في لبنان، وأن ذلك من شأنه أن يؤدي “إلى إنهيار سعر صرف اليرة اللبنانية، الأمر الذي يحتم إتخاذ ما يلزم من اجراءات تصحيحية طارئة وسريعة وإلا فأن النتائج ستكون وخيمة، وهذا ما وصلت إليه الأمور، إذا أننا لم نجد أية آذان صاغية”. وكشفت المصادر أن ماكرون وخلال آخر لقاء جمعه بالرئيس الحريري في قصر الأليزيه في العشرين من أيلول/ سبتمبر أبلغ الحكومة اللبنانية أن التباطؤ الاقتصادي في لبنان “ينذر بازمة اقتصادية يخشى ان تتحول ازمة مالية”.
ماذا عن لقاء فارنو ومسؤول ملف العلاقات الدولية والعربية في حزب الله عمار الموسوي؟
تفيد المعلومات بأن الموفد الفرنسي وقبيل وصوله إلى بيروت هو من طلب الإجتماع بالموسوي، وقد تجاوبت قيادة حزب الله مع طلبه. وتمحورت المناقشات بين الطرفين حول مجريات الأزمة الحكومية والخيارات المطروحة، بالإضافة إلى مناقشة الوضع في منطقة الجنوب اللبناني وضرورة الحفاظ على القرار الدولي الرقم 1701. وتطرقت مناقشات الموفد الفرنسي مع حزب الله والرئيس نبيه بري إلى قضية التنقيب في البلوك رقم 9، في المنطقة البحرية قبالة الجنوب اللبناني وذلك في ضوء المخاوف اللبنانية من إحتمال إقدام الإسرائيليين على الحفر في جزء من المكامن التي يطالب لبنان بإستردادها كاملة في شمال حقل “كاريش” الإسرائيلي.
ووعد الموفد الفرنسي بنقل الهواجس اللبنانية إلى الحكومة الفرنسية وحث شركة “توتال” على التسريع في أعمال التنقيب في البلوك المذكور.