الدولار… هل دقت ساعة الانهيار؟

Avatar18019/06/2020
تشير النظرة التقليدية لسوق الصرف الأجنبي خلال الأزمات إلى أن الدولار لا يمكن أن يسير إلا في اتجاه واحد: الصعود. تضعف جميع العملات تقريباً أمام الدولار خلال فترة الصعوبات الاقتصادية مع استثناءات نادرة مثل الين الياباني والفرنك السويسري. ولكنّ هذه المرة، يمكن أن يكون كل شيء مختلفاً، فالدولار ضعيف للغاية، وفقاً لما تظهره أرقام ميزان المدفوعات وغيره من المؤشرات الاقتصادية والمالية... على الأقل هذا ما يعتقده كبير الاقتصاديين السابق في "مورغان ستانلي" ستيفن روتش.

يذكّر ستيفن روتش،  في مقال كتبه في موقع “بلومبرغ”، بأنّ عبارة “الامتياز غير المبرر” للدولار وردت للمرة الأولى في ستينيات القرن الماضي على لسان وزير المال الفرنسي آنذاك (الرئيس الفرنسي لاحقاً) فاليري جيسكار ديستان. ماذا يعني هذا التعبير؟ لقد سمح وضع العملة الاحتياطية العالمية للولايات المتحدة بطباعة كميات غير محدودة تقريباً من الدولارات، برغم وجود عجز كبير في الدفع لديها، وفي الوقت ذاته ظل الاقتصاد الأميركي مستقراً، وبقي الأميركيون يتمتعون بمستوى معيشة أعلى بكثير من معظم البلدان المتقدمة.

حتى الآن، تتجاوز الولايات المتحدة من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي كل دول أوروبا الغربية تقريباً، باستثناء النرويج وسويسرا. طوال ستين عاماً كان العالم متذمراً من ذلك، ولم يكن في استطاعته فعل أيّ شيء، لكنّ الوضع بدأ يتغيّر اليوم.

وفقاً لروتش، فإن قوة أية عملة تعتمد على عاملين: القوة الأساسية للاقتصاد والتصور الأجنبي لنقاط القوة والضعف في دولة معينة.

في الولايات المتحدة ، كان كل شيء يسير على ما يرام في ما يخص العاملين المشار إليهما سابقاً، لكن التوازن بدأ يختل تدريجياً، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الأزمة المرتبطة بوباء “كورونا”.

الآن، يبدو أن ظروف التغيير قد نضجت أسرع مما كان متوقعاً.

قوة أية عملة تعتمد على عاملين: القوة الأساسية للاقتصاد والتصور الأجنبي لنقاط القوة والضعف في دولة معينة.

بادئ ذي بدء، ينبغي الانتباه إلى معدل المدخرات في الولايات المتحدة (الأسر والشركات والدولة) الذي يقف حالياً عند مستوى قياسي منخفض.  في الربع الأول من العام الحالي، بلغ هذا المعدل 1.4 في المئة، في حين كان متوسطه 7 في المئة خلال الفترة الممتدة بين العامين 1960 و2005.  يعني ذلك عدم توافر احتياطيات داخلية كافية لضمان الاستثمار في الدولة. يتم تعويض هذا الوضع عن طريق استخدام الدولار كعملة احتياطي، وبواسطته يجري جذب الأموال الأجنبية.

أما الحساب الجاري، وهو المؤشر الأكثر دقة لحركة الأموال والسلع والخدمات (بما في ذلك الاستثمارات)، فقد بات في المنطقة السلبية منذ العام 1982، علماً بأنّ هذا العجز يميل دائماً إلى النمو.

على ما يبدو، سينهار معدل المدخرات نتيجة للأزمة الحالية إلى ناقص 5-10 في المئة. كان الرقم القياسي السابق الذي تم تسجيله في العام 2005 ناقص 1.8 في المئة. ونتيجة لذلك، سينخفض ​الحساب الجاري بشكل أعمق ضمن المنطقة السلبية، ومن المرجح أن يكون أقل من الحد الأدنى السابق ( ناقص 6.3 في المئة) الذي تم تسجيله في العام 2005.

وفقاً لروتش، حتى وضعية العملة الاحتياطية لن تسمح للدولار باحتواء مثل هذه الضربة. يعتقد الخبير الاقتصادي أن عملية محددة ستبدأ حين يبدأ العالم في إدراك تهاوي القيادة الأميركية، وقد ظهر ذلك بالفعل بعد انهيار نظام التجارة الدولية بسبب سياسات الإدارة الأميركية الحالية.

قد يُلام الرئيس دونالد ترامب على ذلك، لكن التركيز العام على الحمائية في المستقبل المنظور هو سمة غير حزبية. بالإضافة إلى ذلك، تأتي عوامل مستجدة من قبيل العصب السياسي المشدود والانقسام المجتمعي على نحو غير مسبوق منذ الستينيات، بالإضافة إلى الفشل في احتواء وباء الفيروس التاجي،  لتقوّض الثقة في الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للولايات المتحدة، وبالتالي الثقة في الدولار.

يمكن أن يحدث الانهيار في نهاية العام الحالي، أو في مطلع العام المقبل.

يعتقد روتش أن الدولار قد ينخفض ​​بنسبة 35 في المئة أمام سلة العملات الأجنبية في العام 2021.

سيكون حدث كهذا غير اعتيادي، لأن الدولار في الماضي كان يهبط على خلفية وضع مستقر في الاقتصاد العالمي. أما الآن، في فترة الأزمة، وفترة ما بعد الأزمة، فيمكن أن تترتب على مثل هذا الانهيار عواقب لا يمكن التنبؤ بها.

على وجه الخصوص، يمكن أن يتسارع التضخم بشكل كبير.

الدولار قد ينخفض ​​بنسبة 35 في المئة أمام سلة العملات الأجنبية في العام 2021.

في الوقت الحالي، تشجع بعض الدول المتقدمة التضخم الصغير في فترات الانكماش. ومع ذلك، فإنّ العالم اليوم مهدد بالركود، واعتماد الولايات المتحدة على الواردات، إلى جانب الإجراءات الحمائية، يجعل مسألة التضخم أكثر خطورة.

يشير روتش إلى أن انخفاض الدولار قد يُقابل بارتفاع في عملات الشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة – في المقام الأول الاتحاد الأوروبي والصين.

وفقاً للخبير الاقتصادي، فإن سعر الصرف الحقيقي لليوان الصيني (مع مراعاة الفارق في مستويات التضخم) ينمو الآن بشكل مطرد وموثوق، حيث ارتفع بنسبة 53 في المئة مقارنة بمستويات العام 2004 المنخفضة. وإذا استمرت الصين في تنفيذ إصلاحاتها الهادفة إلى تغيير هيكل الاقتصاد بشكل جذري، بما في ذلك التركيز بشكل أكبر على قطاع الخدمات والسوق المحلية، فإن الحاجة إلى تعزيز اليوان ستصبح حتمية.

إقرأ على موقع 180  التنين النووي الصيني قادم.. القلق أميركي أم روسي؟

بدوره يمتلك اليورو، وفقاً لروتش، مزايا معينة، وبنظره فإنّ التوقعات بشأن “الموت الوشيك” للعملة الأوروبية “مبالغ فيها للغاية”.

نظرة ستيفن روتش السلبية إلى الدولار ليست يتيمة، فقد قُدمت من قبل الكثير من الاقتصاديين في السابق، ولكنها ظلت مجرّد مقاربات هامشية… ولكن المزيد من الاقتصاديين ينظرون حالياً إلى التهديد المحدق بالعملة الأميركية بشكل جدي.

على سبيل المثال، اقترحت مجموعة من المتخصصين من معهد التنمية المستدامة وجامعتي هارفارد وبوسطن عدة سيناريوهات لتطوير النظام المالي العالمي بعد فترة الوباء. أحد هذه السيناريوهات أن يتم الحفاظ على الوضع الحالي. السيناريو الثاني أن تقوم الصين بتدويل عملتها  وخلق “اليوان الخارجي” مثل “الدولار الخارجي” الحالي. في هذه الحالة، إذا تمكن اليورو أيضاً من تجاوز مشاكله الهيكلية، وبالاقتران مع ضعف الدولار، فسينقسم العالم إلى كتل عملات متنافسة.

ولكن هناك سيناريو آخر أكثر قتامة بالنسبة إلى الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي: إذا فقد الدولار وظيفته المهيمنة، ولم يتم العثور على بديل مناسب، وفشلت دول مجموعة العشرين في اتخاذ قرار جماعي بشأن هذه المتغيرات، فإن العالم المالي سيغرق في الفوضى. يمكن للدول حينها بدء التداول على أساس المقايضة، وستصبح العملات المشفرة أموالًا حقيقية.

من جهته، يلاحظ المدون والمستثمر المالي الشهير مايك شيدلوك أن الاقتصاديات الكبرى تطبع الأموال الآن بشكل يائس في محاولة لانقاذ نفسها من الأزمة الاقتصادية، فقد خصصت اليابان بالفعل 929 مليار دولار لتحفيز اقتصادها، بينما خصصت الصين 500 مليار دولار، في وقت لا تبدو منطقة اليورو بعيدة على الإطلاق عن الانهيار بالرغم من أنها ستضطر إلى إنفاق مبالغ تقاس بتريليونات اليورو.

في ظل هذا الواقع، سينخفض ​​الدولار، وستنخفض منه كل العملات الأخرى، وستتنافس البلدان على من سيتخلى عن عملته بشكل أقوى. في مثل هذه الظروف، وحده الذهب – العملة القديمة الجيدة – سيرتفع.

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  لبنان: إتفاق رباعي جديد.. بلا إنقلاب