يستهل بن كاسبيت مقالته من عند التقديرات الإستراتيجية الأمنية التي حددها “معهد القدس” للعام 2020، وفيها يتناول الإستعدادات الضرورية لأقصى السيناريوهات العسكرية، بما في ذلك القرار الإسرائيلي المحتمل بشن ضربة استباقية ضد حزب الله. هذا التقدير درجت عادة هذه المؤسسات الإسرائيلية على إطلاقه منذ إنتهاء حرب تموز/يوليو 2006، وتنطلق معه تكهنات دائمة حول “احتمال اندلاع حريق في الجبهة الشمالية”.
ويضم “معهد القدس” خبراء لا يزال العديد منهم على صلة بمؤسسات الدفاع والاستخبارات الإسرائيلية، وأبرزهم الجنرال يعقوب عميدرور، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي، ورئيس شعبة الأبحاث الأسبق في جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، وهو ينتمي إلى المعسكر اليميني، “لكنه لم يكن مطلقًا من النوع المغامر الذي يريد تنفيذ الحلول بالقوة”. على العكس، فخلال سنوات عمله مع بنيامين نتنياهو، اكتسب سمعة “الشخص المسؤول” في مكتب رئيس الوزراء وكان على علاقة استراتيجية وثيقة مع مستشار الأمن القومي الأميركي السابق في عهد باراك أوباما، توم دونيلون.
يقول يعقوب عميدرور لـ”المونيتور” إن تل أبيب مطالبة باتخاذ قرار بتوجيه ضربة استباقية للبنان “بشكل جدي، لأننا ارتكبنا في الماضي خطأين استراتيجيين قاتلين أمام حزب الله؛ الأول، حين سمحت إسرائيل للحزب بتعاظم وضعه العسكري إلى مستويات خطيرة عقب الانسحاب الإسرائيلي من لبنان في العام 2000؛ الثاني، عدم الإصرار الإسرائيلي على تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701 عقب انتهاء “حرب لبنان الثانية” في 2006″، ويضيف “إذا تساهلنا مع امتلاك حزب الله لقدرات صاروخية حقيقية ومتطورة، فإننا سندفع ثمنا باهظا؛ لأن إسرائيل دولة صغيرة، وليس لدينا خيارات كثيرة، ولا نحتمل ارتكاب خطأ ثالث سنبكي عليه أجيالا، ولذلك، يجب عدم السماح للحزب بتجاوز الخط الأحمر”.
بالنسبة إلى عميدرور، “على إسرائيل الاستعداد لتحمل أثمان ضربة استباقية ضد حزب الله، فنحن نواجه لحظة فاصلة، وإذا تأكد لنا أنه تجاوز القدرات السابقة، وأحدث تغييرا في موازين القوى بصورة خطيرة، أو حاز سلاحا كاسرا للتوازن، فمن المحظور أن نسمح لذلك بأن يتحقق”.
ينكر عميدرور أن تكون تقديرات معهد القدس مبنية على “إحاطة إستخبارية”، لكنه يشير إلى قناعة متزايدة في أوساط الأمن بأن إسرائيل “مطالبة بالذهاب لعملية استباقية ضد الحزب من الناحية المبدئية”.
ينقل بن كاسبيت عن مسؤول عسكري إسرائيلي بارز قوله إن إسرائيل “لم تقم بضربة وقائية منذ تأسيسها”(…). “سيكون استثناء فقط لهذه القاعدة في حال حدوث تطورات نووية، ولهذا السبب دمرت المفاعلات النووية في مناسبتين منفصلتين: الأولى، في العراق (1981) والثانية في سوريا (2007)”.
ثمة إنطباع عن نتنياهو بأنه يكاد يكون رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي لم يتجرأ على إتخاذ قرار بشن حرب ضد لبنان. فعلها قبله إيهود أولمرت وآرييل شارون وإيهود باراك وإسحق رابين ومناحيم بيغن
يربط بن كاسبيت بين التطورات المرتقبة في الشمال وأوضاع رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالية وشخصية وزير الدفاع الجديد نفتالي بينت. إنتخابات آذار/مارس 2020 “قد تكون آخر انتخابات لنتنياهو. وقته في السياسة ينفذ. وإذا لم تحصل معجزة، سيترك الساحة السياسية في العام المقبل”.
ماذا يمكن أن يفعل نتنياهو في الشهرين الفاصلين عن تلك الإنتخابات؟ نتنياهو ملزم بالتشاور مع بيني غانتس (زعيم حزب أزرق أبيض)، وفي هذه الحالة يجب استدعاؤه وإقناعه بجدوى العملية، في أثناء الإستعداد للإنتخابات، وفي هذه العملية، يتم سحب أي مزايدة انتخابية من طرف خصومه في الأحزاب الإسرائيلية بأنه يحاول استغلال الحرب لمصالح حزبية وانتخابية”، يقول بن كاسبيت.
ثمة إنطباع عن نتنياهو بأنه يكاد يكون رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي لم يتجرأ على إتخاذ قرار بشن حرب ضد لبنان. فعلها قبله إيهود أولمرت وآرييل شارون وإيهود باراك وإسحق رابين ومناحيم بيغن. السؤال الحالي هل أن ضربة عسكرية إسرائيلية وقائية ضد حزب الله ستؤدي بالضرورة إلى حرب شاملة في الشمال “تعاني خلالها إسرائيل من أضرار جسيمة غير مسبوقة”؟ أم أنه يمكن إستثمار عمل عسكري ما من دون ضرر سياسي طالما أنه في طريقه إلى التقاعد الحتمي ضمن المسار الحالي بسبب الإتهامات المتعلقة بالفساد؟
في 18 كانون الأول/ديسمبر الماضي قال بينت إن سوريا “أصبحت فيتنام لإيران”. ومع ذلك، قد يجد نفسه في لبنان، “الذي سيصبح فيتنام إسرائيل مرة أخرى”، يقول بن كاسبيت
أما وزير الدفاع الجديد نفتالي بينت، “فهو شاب مليء بالحيوية ويتلهف للتعامل” مع الجبهة الشمالية “بأي ثمن تقريبًا”. لقد أدلى بتصريحات عدوانية متزايدة طوال الأسابيع القليلة الماضية، وفي 18 كانون الأول/ديسمبر الماضي قال بينت إن سوريا “أصبحت فيتنام لإيران”. ومع ذلك، قد يجد نفسه في لبنان، “الذي سيصبح فيتنام إسرائيل مرة أخرى”، يقول بن كاسبيت.
وينقل بن كاسبيت عن مقربين من رئيس الأركان السابق غابي أشكينازي، وهو رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست وأحد أركان حزب أزرق أبيض، أنه منذ تعيينه رئيسًا للجنة ومنحه حق الوصول إلى أحدث تقارير الاستخبارات، “أصبح أكثر قلقًا مما كان عليه في الماضي”، فهل يمكن أن يكون هذا هو السبب في أنه كان الشخص الوحيد في قيادة “أزرق أبيض” الذي أيّد الدخول في ائتلاف بالتناوب مع نتنياهو؟
ويوضح بن كاسبيت أن التقدير السائد في أوساط أجهزة الأمن الإسرائيلية أن إمكانية ذهاب إسرائيل لضربة استباقية ضد الحزب ومشروعه الصاروخي “منخفضة جداً”. مثل هذا القرار “يتطلب من نتنياهو إجماعا سياسيا لا يتوفر له الآن”، في حين أن المنظومة الأمنية “بحاجة للمزيد من المعلومات الاستخبارية الدقيقة، ومن غير الواضح إذا ما توفرت لها الآن”.
ويسأل بن كاسبيت هل يمكن أن يستغل نتنياهو الفرصة الضيقة المتاحة أمامه، برغم تعقيدات ظروفه الشخصية، ويوجه ضربة لمشروع الصواريخ الدقيقة التي ينتجها حزب الله؟ هذا السؤال “أشعل أضواء حمراء في المنظومة الأمنية الإسرائيلية”.
من ناحية أخرى، فإن فرص نشوب إحتكاك في الجبهة الشمالية “قائمة وتزداد مع مرور الوقت. قد يكون إندلاع هذا الإحتكاك نتيجة لما يسمى عادة “سوء التقدير”، وربما عملية إسرائيلية يتبعها رد إنتقامي من حزب الله ثم تصعيد متبادل وتدهور الوضع (“معركة بين الحروب”، كما يسميها عدد من المحللين الإسرائيليين). هذا هو السيناريو الأكثر ترجيحاً من إحتمال الحرب الشاملة على طول الجبهة الشمالية، وهي حرب لا يريدها أحد الآن، لكن يمكن أن تحدث من تلقاء نفسها.
لقراءة المقال بالإنكليزية على موقع “المونيتور”: