مطار دمشق الدولي يخرج من الحرب… بانتظار مسافريه

إلى الشرق من العاصمة السورية كان مطار دمشق الدولي الوجهة التي ودعت واستقبلت ملايين السوريين طيلة أكثر من تسع وأربعين عاماً، والمكان الذي  انطبعت عليه يوميات الدم والنار  في السنين الماضية  قبل، أن يعود  بوابة أساسية  لعودة الحياة في البلاد ومحطة تستعيد  ركابها من مطارات مجاورة.

خمسة وعشرون كيلومتراً هي المسافة الفاصلة بين وسط دمشق والمطار الدولي والأكبر في سوريا، وهي ذاتها تختصر الكثير من وقائع سنوات الحرب وآثارها الباقية على طول الطريق.

تتراجع معالم الأبنية تدريجياً لصالح  مساحات زراعية خضراء كانت هي عينها  مسرحاً لعمليات عسكرية ولسلسلة قذائف وهجمات صاروخية  امتدت حتى  محيط المطار الذي نال نصيبه من الاعتداءات الإسرائيلية اليومية.

يحتفظ القاطنون في تلك المناطق، وأولهم في “جرمانا”، بذكريات مريرة عن يوميات النار وعواقبها الدموية، شأنهم شأن من حكمته  ظروف عمله بالتنقل يومياً على طول الطريق.

كل شيء انتهى اليوم، وصمتت المدافع، ليرتفع صوت ضجيج، فالمنشآت السياحية على محيط  الميناء الجوي  وفعاليات حكومية عديدة عادت لتستقطب أصحاب الاختصاص وعموم السوريين على حد السواء، وربما كانت احتفالية معرض دمشق الدولي  أبرزها،  لا سيما وأن غالبية المشاركين فيه قصدوا العاصمة عبر مطارها  الذي تبدو إجراءات الدخول إلى مبناه اعتيادية.

داخل المطار كل شيء يوحي بترقب المزيد من المسافرين:  لوحات العرض تنتشر، ومكاتب السياحة  تحتل حيزاً من مساحة مبنى الصالة الأساسية، شأنها شأن مكاتب النقل من قلب العاصمة وإليها، مع  تجهيزات حديثة اكتست بها هذه الصالة التي يعود إنشاؤها إلى أكثر من ثلاثين عاماً.

خلف المبنى الضخم تختفي صالة أصغر تبدو شبه مهجورة  بعدما كانت مخصصة لنقل الحجاج والمعتمرين وجزء من المسافرين في الرحلات الداخلية التي لم تعد بغزارة السنين الماضية (الوجهات الداخلية  اقتصرت على القامشلي  بالدرجة الأولى).

لم يتغير الكثير بالنسبة إلى رواد المطار كما يشير مغادر شاب إلى الشارقة. المباني والتجهيزات على حالها منذ ما قبل الحرب. يقول الشاب: “المطار هو الواجهة الأولى، وما زلنا في حاجة إلى الكثير لننافس  مطارات دول مجاورة لنا”.

أما حركة المسافرين  فليست بالزخم عينه الذي كانت عليه  قبل الحرب. صحيح أنها ترتفع عاماً تلو الآخر منذ العام 2017 ولكن الحصيلة ما زالت تميل لصالح مطار بيروت.

شاشات العرض  وحركة المسافرين تتقاطع حول مسألة واحدة: مواعيد الإقلاع أو الوصول… ثمة حالة لا تشبه باقي المطارات حيال أزمة مواعيد الرحلات، لا سيما وأن حركة الإقلاع والهبوط هي للخطوط السورية وبضع شركات خاصة. ويتزايد الأمر صعوبة مع التراجع الحاد في أسطول الطائرات التابعة للمؤسسة الرسمية الجوية، بالتوازي مع انسحاب الطيران العربي والغربي عن أجواء الشام، فغالبية شركات الطيران أبعدت رحلاتها عن دمشق سواء بفعل العقوبات الغربية أو خشية الأوضاع غير المستقرة في المنطقة، وفق تعقيب موظف في إحدى مكاتب السفر، قبل أن يردف قائلاً “سمعنا الكثير عن عودة بعض الشركات العربية ولكن شيئاً لم يحدث… ما زالت الخطوط السورية تتكفل بنقل غالبية المسافرين.

يجانب كلام الرجل الثلاثيني الكثير من الواقع، فالحديث عن استئناف الخطوط العراقية رحلاتها، وإمكانية عودة شركات إماراتية لتسيير رحلات نحو الشام بقي مجرد أخبار، فيما  اكتفت الخطوط القطرية باستخدام الأجواء السورية للعبور.  ربما يفسر المشهد السابق  توجه كثير من السوريين إلى أن يقصدوا مطار بيروت الدولي  في بعض رحلاتهم، وهو ما تؤكده سيدة أربعينية  تقف منتظرةً رحلتها إلى القاهرة. الموازنة بين المحطتين  تميل لجهة جوار بلادها  لكنها  هذه المرة اختارت دمشق للمغادرة قائلة: “باتت الفوضى تتحكم بمطار بيروت  جراء الازدحام المتكرر وإجراءات تعقد معاملات السوريين هناك. اضطر هنا للانتظار فترة زمنية أطول لكن المسافة اقرب في دمشق، والإجراءات اقل  صعوبة”.

يتقاطع  رأيها مع ما يردده آخرون من العاملين في مجال السفر والسياحة، فكثيرون لا يعرفون بوجهات الخطوط السورية، وآخرون كانوا قلقين من الأوضاع الساخنة في محيط المطار. ولكن كل شيء تغير اليوم، ففضل  قاصدو بعض الدول العربية (الكويت، البحرين، قطر، الإمارات، الجزائر، مصر، السودان)  المغادرة والعودة من بلادهم   فيما يبقى آخرون محكومون بالتنقل عبر بيروت ما دامت الوجهة  الدول الأوربية أو تركيا وغيرها. هي مسألة  يردها البعض في الوقت ذاته إلى تأشيرة الدخول إلى هذه البلدان باعتبار أن الحصول عليها يتطلب التنقل بشكل مستمر على السفارات في بيروت.

لا تفضل غالبية العاملين في المطار الحديث. لكن  معرفة تفاصيل يوميات عملهم  تكشف عن بعض المعطيات يبدو لافتاً فيها على سبيل المثال انتشار ورشات للصيانة تتنقل  بين أرجاء المباني الأساسية وصولاً إلى مدرج المطار ليتبين أن الأمر يتعلق بقرار بالاعتماد على الذات بدلاً من الخبرات الخارجية وخاصة في صيانة الطائرات.

أما في صالة المغادرة والوصول فقد باتت إجراءات السفر اقل تعقيداً من باقي المطارات لدرجة التساهل، مثلاً بقبول الوثيقة الرسمية (الهوية) بدل جواز السفر  للرحلات القادمة من بيروت، بالتزامن مع  قبول الأخير للوثيقة ذاتها  بالنظر إلى الأوضاع الحالية لبنانياً.

إقرأ على موقع 180  2022 عام ترحيل الأزمات.. وإيران في كل "الجبهات" 

يعلق آخرون بالقول إن بعض الإجراءات باتت شبه معروفة للسوريين القادمين أو المغادرين. لا توجد فترة انتظار طويلة  عند ختم جواز السفر أو وزن الحقائب أو استلامها. ربما يفسر ذلك قلة المسافرين، ولكن أحدهم  يردف أن الحال ذاتها  في المطار والمراكز الحدودية.

Print Friendly, PDF & Email
Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
online free course
إقرأ على موقع 180  الحريري ودمشق.. مسألة وقت