“قمّة برلين”.. تتبنّى الجزائر وتنتظر الفشل في ليبيا (1 من 2)

في نسخة منقحة للمشهد السوري، تزداد الأزمة الليبية تعقيداً. الصراع على النفوذ في ليبيا ليس بعيدا عن الطمع بالنفط الليبي، تماما كما كان حاضراً في طيات الأزمة السورية، ويبقى الخاسر الأكبر هنا وهناك الليبيون والسوريون أنفسهم.

تتواصل أعقد فصول الأزمة الليبيّة قاطبةً، في ظلّ صعوبة تقريب وجهات النظر بين رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج منذ توقيع اتفاق الصخيرات في 17 كانون الأول/ديسمبر 2015، والمدعوم علناً من تركيا وقطر،  وبين قائد “الجيش الوطني الليبي” الجنرال خليفة حفتر، الذي تحوّل إلى مسمّى “القوات المسلحة العربيّة الليبيّة”، المدعوم من قبل الإمارات ومصر وفرنسا وروسيا وميل أميركي حذر نحوه، والذي يسيطر ـ أيّ حفتر- على أكثر مناطق شرق وجنوب ليبيا، حيث يوجد ما يُعرف بـ”الهلال النفطي”، الممتدّ من طبرق شرقاً إلى السدرة غرباً (يشغل هذا الهلال النفطي ما نسبته 80 في المئة من أصل أكثر من 45 مليار برميل نفطي و52 تريليون قدم مكعب من الغاز)، منذُ 14  أيلول/ سبتمبر2016 إثر ما عُرف وقتذاك بـ “عملية الكرامة”، ولم تتبقَ لهُ سوى العاصمة طرابلس وضواحيها ومصراتة.
وينجمُ هذا التعقيد عن سببين هامّين:
الأول، انهيار آخر اتفاق بين حفتر والسرّاج، جرى انعقادهُ في 13 كانون الثاني/ يناير 2020 في موسكو، بعد أكثر من تسعة أشهر من القتال العنيف أسفر عن هزائم متلاحقة، مُني بها قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر، وكانت أكثرها ضراوةً تلك التي جرت في مدينة غريان (100 كلم جنوب طرابلس) التي تُعد بوّابة العاصمة الليبية والمركز الجيوستراتيجي لقوّات ما يُعرف بـ”الجيش الوطني الليبي”، ممّا اضطرهُ ربما إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات برعاية روسيّة، وبتفاهم تركي، أفضى في نهاية المطاف إلى رفض حفتر التوقيع على مذكرة التفاهم و”الفرار” من العاصمة الروسيّة، بإيعاز من حلفائه، تسبّب في غضب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ووصفه لـ حفتر بـ”الانقلابي؛ الذي سينال الدرس المستحق إذا اقترب من العاصمة وواصل هجومه على حكومة فايز السراج الشرعيّة”، وهو الوصف الذي تأدّى عنهُ ردّة فعلٍ تصعيديّة للغاية، ترجمهُ تهديد الناطق باسم المشير خليفة حفتر اللواء أحمد المسماري الصريح بـ”ضرب السفن والمصالح التركيّة، ومنع الرحلات الجويّة من وإلى تركيا”.

الأرض الليبيّة هي بمثابة ترجمة عملية لأقصى درجات الصراع بين الحلفاء، الذي سيبلغ ذروة المواجهة في أرضٍ محايدة، لا تكلّف الأطراف/ الأعداء أيّ أعباء سياسيّة داخليّة وخسائر بشريّة وماديّة على أراضيهما

الثاني، تواضع الآمال المعقودة على قمة برلين، وانخفاض مستوى التفاؤل بسبب انعدام وجود رؤية واضحة لطرفيّ النزاع في ليبيا، وتراجع العلاقة بين حلفاء كل طرفٍ على حدة مع الآخر، الأمر الذي حدا إلى الاعتقاد بأنّ الأرض الليبيّة هي بمثابة ترجمة عملية لأقصى درجات الصراع بين الحلفاء، الذي سيبلغ ذروة المواجهة في أرضٍ محايدة، لا تكلّف الأطراف/ الأعداء أيّ أعباء سياسيّة داخليّة وخسائر بشريّة وماديّة على أراضيهما.
وفضلاً عن استبعاد جلوس الطرفين المباشرين في الأزمة على طاولة واحدة، فإنّ وزير الخارجيّة الروسي سيرجيه لافروف استبعد وجودهما “في غرفة واحدة”! هذا الأمر يزيد في منسوب اليأس من وصول مسار برلين إلى نوعٍ من السلام المشترك ولو كان مرحلياً فقط، لكنّ ثالثة الأثافي فيها تصريح  وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو للصحفيين بالقول بأنّ توقعاته “متواضعة”، وهو التصريح الذي يعكس المزاج الأميركي “الموضوعي” جداً إزاء قضيةٍ؛ باتت لدى الأدبيّات السياسيّة الأميركيّة في الحاضر المزعوم تجاه المنطقة، باعتراف بومبيو؛ أساسيّة ومُختزِلةً للصراع السوري أيضاً.
في المقابل، بدا موقف الموفد الأممي الخاص غسان سلامة أكثر حزماً عندما دعا إلى تجاوز الانقسام والكفّ عن القتال والحثّ على ضرورة التمسّك بحكومة فايز السراج، وهو الموقف الذي غابَ عن الطرح الأميركي الذي جاء رمادياً وحذراً للغاية.

الموقف الجزائري: لا جديد عمّا مضى

بادرت الجزائر منذُ اشتعال الأزمة الليبية إلى تحصين حدودها البالغة ما يقارب 1000 كلم، وإجراء تدابير احترازيّة من أي خرقٍ محتمل، جسّدهُ اجتماع مجلس الأمن الوطني بحضور رئيس الجمهوريّة وقائد الأركان الفريق سعيد شنقريحة في 27 كانون الأول/ ديسمبر الماضي. موقف الجزائر يدعو إلى ضرورة وقف العدوان والجلوس إلى طاولة المفاوضات لحلّ المشاكل العالقة بين الطرفين، والابتعاد كلياً عن أيّ شكلٍ من أشكال التدخل الخارجي. وقد قال الناطق باسم الخارجيّة الليبيّة محمد القبلاوي إنّ “الجزائر ستلعب دوراً في وقف العدوان واستقرار ليبيا والحفاظ على أمنها”، وأشار إلى أن ليبيا “ركزت جهودها مؤخراً على إشراك الجزائر في أي مبادرة تسوية في الأزمة الحالية”؟ وعدَّ القبلاوي حضور الجزائر إلى “قمة برلين” بوصفها دولةً جارة “أمراً ضرورياً”.
ولقد “أعرب رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبيّة، خالد المشري، خميس في 16  كانون الثاني/ يناير الماضي، عن “اعتقاده بأنّ الجزائر هي “الثقل العربي الوحيد القادر على إعادة التوازن” في الملف الليبي، مثمّناً “عودة الدبلوماسيّة الجزائرية” لهذا الملف، حسب وكالة الأنباء الجزائرية.

إقرأ على موقع 180  حادثة نطنز ومحادثات فيينا.. و"بيض التخصيب الإيراني"!

هل موقف الجزائر محايد في الأزمة الليبيّة حقاً؟

حسب وكالة الأنباء الجزائريّة الرسميّة فإنّ المقاربة الجزائرية “تبقى” نفسها منذ اندلاع الأزمة في ليبيا، ألا وهي عدم التدخل في الشأن الداخلي (الليبي) والحث على العودة إلى الحوار بين الإخوة الفرقاء من أجل تكريس حل سياسي طويل الأمد، خاصة مع حالة التصعيد الأمني المتواصل منذ نيسان/أبريل الماضي.

الجزائر لم تهضم يوماً الجنرال خليفة حفتر، وما زادَ في تأكيد هذا ودعمه، إقدام هذا الأخير خلال لقاء مع مؤيديه في شرق ليبيا، على القول بأنّه “أبلغ السلطات الجزائرية بقدرته على نقل الحرب داخلها في لحظات”

وتتجاوز الرؤية المتبنّاة من قبل الجزائر، بخصوص الصراع في ليبيا، العامل الجغرافي بحكم أنّ البلدين يتقاسمان شريطاً حدودياً يمتد على طول 982 كيلومتر، لتشمل عقيدة ثابتة لديها ترسم سياستها الخارجية وترتكز أساساً “على احترام سيادة الدول والنأي عن التدخل في شؤونها الداخلية مع تغليب الحلول السلمية والخيارات الدبلوماسية”. كما نبّه الرئيس عبد المجيد تبون ـ كما أوردت وكالة الأنباء الجزائريّة – إلى “أنّ الجزائر يجب أن تكون شريكاً في أي مسار لحل الأزمة وأنّها لن تقبل أن يتمّ إبعادها عن أيّ حل في ليبيا، ليتقرر في هذا الصدد، وخلال اجتماع للمجلس الأعلى للأمن، إعادة تفعيل وتنشيط دور الجزائر على الصعيد الدولي، خاصة فيما يتعلق بالأزمة الليبية والوضع في مالي”.
والحال أنّ الجزائر لم تهضم يوماً الجنرال خليفة حفتر، وما زادَ في تأكيد هذا ودعمه، إقدام هذا الأخير خلال لقاء مع مؤيديه في شرق ليبيا، على القول بأنّه “أبلغ السلطات الجزائرية بقدرته على نقل الحرب داخلها في لحظات”، إثر ما اعتُبر خرقاً من قبل الجزائر للحدود الليبيّة في أيلول/ سبتمبر 2018، أعقبهُ تقديم وزير الخارجيّة الليبي محمد الطاهر سيّالة اعتذراً هاتفياً، حسب التلفزيون الحكومي. ممّا يدلل أنّ عبور النهر مرتين يبدو صعباً بالنسبة لبلادٍ تحتفظ بأسماء أعدائها جيداً كما تفعل مع أصدقائها، سواءً بسواء.
دون أن نسهو، والحال هذه، عن أنّ حضور الجزائر في “قمّة برلين” هو امتحان دولي لرئيسها الجديد، أكثر ممّا هو حضور يروم الحلول الصعبة لأزمةٍ تزوّج فيها المال بالسياسة، وأدّى فيها النفط دور المحلّل الشرعي بين طليقين، فقبل خمسين عاماً من الآن، قال الوزير الفنزويلي وأحد مؤسسيّ منظمة “الأوبيك” خوان بابلو بيريز الفونسو: “النفط براز الشيطان”!، وليبيا أكثر دولة خبرت نتائج هذا القول ونتائجه.
(في المحور الثاني غدا (الإثنين) نقارب موقف تونس من الأزمة الليبية ونبحث في الأسباب غير العاطفيّة التي ذهبت تونس ضحيتها دبلوماسياً).

Print Friendly, PDF & Email
ضيف حمزة ضيف

كاتب وصحافي جزائري

Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
free online course
إقرأ على موقع 180  بايدن رئيساً.. بصلاحيات أوبامية