ليس جديداً الخلاف بين رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية فايز السراج (المدعوم تركياً وقطرياً)، وبين قائد “الجيش الوطني الليبي” الجنرال خليفة حفتر، الذي تحوّل إلى مسمّى “القوات المسلحة العربيّة الليبيّة”. إنه خلاف قديم بين الرجلين، وبات مع الوقت متأصّلاً بسبب نوازع الزعامة وخلوّ الساحة الليبيّة من أي طرح سياسي من خارج العنف المليشيوي، لكن ما يلفت الإنتباه حقاً في الأزمة الليبيّة هي الحالة المغاربيّة التي رافقت أجواء الوساطة بين الطرفين، والتي عكست المدى الذي أحدثتهُ الانتخابات الرئاسيّة الجزائريّة في التأثير على الملف الليبي بصورة خاصة.
هذا التأثير، أوحى وبشكلٍ لا يرقى إليه شكّ، بأنّ الجزائر كانت تعيش “عزلاً صحياً” حقيقياً، ولم يكن لمساهمتها من خلال مواقفها المُعبّر عنها من قِبل وزير خارجيّتها السابق رمتان لعمامرة أيّ أثر مسنودٍ بشرعيّة داخليّة، برغم أنّ لعمامرة لم يخرج يوماً عن النص التقليدي للسياسة الخارجيّة الجزائرية، ممّا يعزّز الاعتقاد بأنّ الثقل الذي اكتسبهُ وزير الخارجيّة الجزائري الحالي صبري بوقادوم، ناشئ، على غرار ما سبق، من وجود رئيس منتخب أسفر عنهُ حراك 22 شباط/ فيفري 2019.
بدا أنّ حظّ بوقادوم أحسن من لعمامرة بمراحل، برغم أنّ الأخير لا تنقصه الكفاءة والخبرة، بقدر ما ساءهُ أن يوجد ضمن منظومة حكمٍ فاسدة استفادت من الانكفاء داخلياً، وطغى على سيرها تعدّد الأذرع والرؤوس.
هذه الحالة المغاربيّة، أبرزت الثقل الدبلوماسي الجزائري مقابل التغييّب الممنهج للدور التونسي الهام في ليبيا، الذي تترجمهُ علاقات المصاهرة بين الشعبين، فضلاً عن الحدود البريّة (تمتدّ إلى 461 كلم، وهي الحدود البريّة الوحيدة من الناحيتين الشرقيّة والجنوبيّة باستثناء الحدود الغربيّة مع الجزائر التي تصل إلى 965 كلم)، وحالة السبات السريري شبه التام للمغرب بالدرجة الأولى وموريتانيا تالياً، فكأنّما تمّ تصفية الورثة باستيقاظ المنخرط في غيبوبة قسريّة، هذا الأمر، بحاجة إلى الكثير من التحليل الموضوعي.
لقد أثّر الصراع الدائر في ليبيا على تونس أكثر من الجزائر، جسّدهُ إحساسٌ تونسي بذلك، فضاعفت الدولة التونسيّة ميزانيّة الدفاع والداخليّة بثلاث مرات عمّا سبق
مع تجاهل المستشارة الألمانيّة إنجيلا ميركل لدعوة تونس إلى مؤتمر برلين، وتصحيح هذا “التجاهل” بدعوة متأخرة، عكست المزاج الأوربي ونظرتهُ لمركز تونس المغاربي بعامة، اعتذر رئيس الجمهوريّة التونسية قيس سعيّد عن الحضور، وأردف تسبيبه للرفض بالتجاهل والتأخر، مذكّراً بأنّ “تونس ستبقى متمسكة بالوقوف إلى جانب الشعب الليبي”، وهو لجوء ديبلوماسي إلى العموميّات، لا سيما أنّ الحلّ في ليبيا ينبغي أن يكون بدعم أحد الأطراف (إما حفتر أو السراج)، أو بتقديم مبادرة بديلة.
ولعل السبب في تجاهل تونس يعود إلى ضبابيّة موقفها من مخرجات زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المفاجئة في 29 كانون الأول/ ديسمبر من السنة المنصرمة إلى تونس، والتي خلطت أوراق الخارجيّة التونسيّة، وأظهرت رئيس الجمهوريّة التونسية قيس سعيد في وضعٍ ضعيف، قياساً بحجم الآمال التي انعقدت عليه بعد فوزه، حيث لم يتصدّر المشهد بالشكل الكافي، بلّ إنّ مستشارته رشيدة النيفر التي دحضت ما اعتبرتهُ مجرد إشاعة عن طلب أردوغان، استعمال المجالين الجوي والبري التونسيين في تدخله في ليبيا، مؤازرةً لحكومة فايز السرّاج المعترف بها دولياً، بدت أكثر حضوراً وتداولاً من رئيس الجمهوريّة!
وفي حالة سلمنا بالبيان التونسي المفنّد لما سبق، جاز لنا أن نتساءل: ما الذي جاء يفعلهُ الرئيس التركي في تونس في زيارة لم يتمّ الإعلان عنها مسبقاً من تركيا ولا التحضير لها سلفاً من تونس في أجواءٍ مشحونة بالخلاف؟ وغنيّ عن القول بأنّ أردوغان ليس طرفاً محايداً!
ربما كان لتونس أن تعلن رفضها استعمال مجالها البري والجوي من قبل تركيا، حتى تبدو في موقفٍ أكثر وضوحاً وأقل غموضاً.. ممّا يؤهلها للعب دورٍ يليق بهذا البلد الذي يتحسّس طريقهُ بصعوبة، في ظلّ الفشل السياسي في تكوين حكومة تليق بطموحات شعبٍ افتتحَ الزخم الثوري في البلاد العربيّة.
لقد أثّر الصراع الدائر في ليبيا على تونس أكثر من الجزائر، جسّدهُ إحساسٌ تونسي بذلك، فضاعفت الدولة التونسيّة ميزانيّة الدفاع والداخليّة بثلاث مرات عمّا سبق، إضافةً إلى الأثر الاقتصادي الفادح على بلدٍ صغير مثل تونس، فكما نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن الأكاديمي والخبير الاقتصادي التونسي رضا الشكندالي قوله بأنّ الحرب في ليبيا: “تسببت في فرار نحو مائة ألف عامل تونسي منها، وفي إفلاس عشرات الشركات التونسية التي كانت تستثمر فيها أو تصدّر إليها، معظمها في قطاعات البنية الأساسية والبناء والصناعات الغذائية والملابس”.
(1 من 2) “قمّة برلين”.. تتبنّى الجزائر وتنتظر الفشل في ليبيا: ( http://180post.com/archives/7869 )