التصعيد الأميركي الإيراني.. يعمّق الأزمة العراقية

برغم إنشغال العالم بفيروس كورونا، ثمة معركة مفتوحة على أرض العراق. قطباها الولايات المتحدة وأذرعة ايران. الانقسام الداخلي العراقي لا يفسح في المجال أمام موقف وطني جامع. الأمور تعود إلى نقطة الصفر بعد تنحي محمد علاوي عن رئاسة الحكومة. الصراع المحتدم على مسرح بلاد الرافدين، أعاد إلى الأذهان المشهد الدموي الذي تلا اغتيال الجنرال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس. الخروج من الازمة الداخلية الحادة التي تعصف بالعراق لم يعد أمراً سهلاً، وبالتالي، حكومة عادل عبد المهدي تمضي في تصريف الأعمال حتى إشعار آخر.

تسقط زخة من صواريخ “الكاتيوشا” مجهولة المصدر على معسكر التاجي يوم الأربعاء الماضي. يرد الأميركيون، في اليوم نفسه، بقصف قاعدة “الامام علي” (تضم فصائل إيرانية وأفغانية وعراقية) في منطقة الهري في البوكمال بين سوريا والعراق. لم ينته الأمر عند هذا الحد. ضربات جديدة شنتها مقاتلات أميركية وبريطاني أمس على مواقع لفصائل منضوية في “الحشد الشعبي” في محافظتي بابل والأنبار. الكل يدور في المربع نفسه. الإنتقام لمقتل قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس لم يكتمل بعد. تريد إيران ثمناً أقله خروج القوات الأميركية من العراق. هدف سياسي كبير دونه تعقيدات وحسابات عراقية وأخرى خارجية، ما يعني أن الموقف سيحتدم أكثر فأكثر، كلما إقترب موعد الإنتخابات الرئاسية الأميركية في الخريف المقبل.

ليس خافياً أن الولايات المتحدة تسعى إلى إستخدام “الفيتو” الذي يعرقل أية جهود عراقية رامية إلى إخراج القوات الأميركية من العراق، وفي المقابل، تحاول إيران أن تشكل قوة دفع للقوى العراقية التي شكلت رأس حربة في جعل البرلمان العراقي يتبنى قرار إخراج القوات الأجنبية. من هذه الزاوية تحديدا، يسعى الإيرانيون إلى ضبط الإيقاع الداخلي العراقي، ولعل زيارة رئيس الأركان الإيراني الجنرال علي شمخاني الأخيرة إلى بغداد، تصب في هذا الإتجاه تحديدا، من دون أن تتضح وجهة تعامل طهران مع ملف الأزمة السياسية في ضوء إنحسار الخيارات حالياً على الشكل الآتي:

-تمديد فترة تصريف الأعمال برئاسة عادل عبد المهدي حتى يحين موعد الإنتخابات النيابية العراقية المبكرة قبل نهاية العام الحالي، وهو خيار يبقى نجاحه أو فشله مرهوناً بمباركة أميركية وإيرانية.

-إعادة تكليف عبد المهدي مجدداً لرئاسة الحكومة الجديدة، في ظل إستشعار الجميع، في الداخل والخارج، أن المأزق السياسي الراهن ليس سهلاً الخروج منه.

– دعم المرشح الأبرز لرئاسة الحكومة مدير المخابرات العراقية مصطفى الكاظمي، وهو خيار يحظى بتأييد أميركي وعدم ممانعة إيرانية، ونجاحه أو فشله مرهون بالدرجة الأولى بإجماع المكون الشيعي.

هل يمهد التصعيد الاميركي – الايراني على أرض العراق لتسويات لا على مستوى العراق فقط، إنما على مستوى المنطقة، أم أنه سيبقى سمة المرحلة الممتدة من الآن وحتى موعد الانتخابات الاميركية؟

وفيما تسعى إيران لإبقاء الساحة العراقية واحدة من أبرز “ساحاتها”، في المواجهة المفتوحة مع الأميركيين، لا تنزع من حساباتها وجود قوى وشخصيات عراقية (تحديداً من العرب السنة والكرد تؤيد بقاء القوات الأميركية لعدة أسباب بينها وجود الضد النوعي خصوصا وانها موجودة بورقة شرعية)، وهذه لا تخفي إرتباط مصالحها بمصالح الأميركيين وإستمرار تواجد قواتهم على الأرض العراقية، ما يعني أن المرحلة المقبلة مفتوحة على كل الاحتمالات، وعلى المزيد من الفوضى الداخلية والقلاقل العسكرية والأمنية، وهي أمور كانت قد تخوفت منها الرئاسات العراقية الثلاث التي استنكرت مجتمعةً، وبالمفرق، الهجوم على معسكر التاجي  شمال بغداد، ما أدى إلى مقتل جنديين أميركيين وثالث بريطاني وإصابة آخرين. وتعهدت الرئاسات بفتح تحقيق بالهجوم.

وعلى الرغم من أن الجهة التي أطلقت الصواريخ على معسكر التاجي لا تزال مجهولة حتى الآن، إلا أن الرد الأميركي جاء سريعا حيث نفذت طائرات أميركية غارات على “قاعدة الإمام علي” قرب الحدود السورية العراقية، علماً أنه ليس خافياً على أحد أن الولايات المتحدة تسيطر عمليا على الأجواء العراقية، من خلال سيطرتها على الرادارات العراقية، بدليل أن الطيران الأميركي، الحربي والمسير، لا يغادر الأجواء العراقية، على مدار الساعة.

في المقابل، أعلنت “كتائب حزب الله ـ العراق”، أنه على “قوات الاحتلال تحمل نتائج وجودها غير الشرعي على ارض العراق”، كما باركت لمنفذي “العملية الجهادية”، واعتبرت أن اختيار التوقيت “كان دقيقا ولا يخلو من توفيق”، ورأت “أنه الوقت الأنسب لاستئناف القوى الوطنية والشعبية عملياتها الجهادية لطرد الأشرار والمعتدين من أرض المقدسات”. وفي إشارة جازمة إلى أنه لا يد لحزب الله ـ العراق بالعملية، طالب البيان “من الإخوة الذين يعتقدون ضرورة العمل ضد القوات المحتلة في هذه المرحلة أن يعرفوا عن أنفسهم حفظا لتاريخهم وتضحياتهم ودرءا للشبهات”.

هل يمهد التصعيد الاميركي – الايراني على أرض العراق لتسويات لا على مستوى العراق فقط، إنما على مستوى المنطقة، أم أنه سيبقى سمة المرحلة الممتدة من الآن وحتى موعد الانتخابات الاميركية؟

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  بوتين يمسك عصي الشرق الأوسط... من دمشق
ملاك عبدالله

صحافية لبنانية

Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  إسرائيل "قوة نفطية عظمى".. هل ترد إيران؟