مالك أبو حمدان, Author at 180Post - Page 5 of 13

dahia.jpg

مهما كانت التّسميات التّفصيليّة المعتمدة الآنَ أو بعدَ حين، فلا شكّ في أنّنا دخلنا في نوع حقيقيّ وخطير من أنواع المواجهة المفصليّة مع العدوّ الاسرائيليّ في الساعات والأيام الأخيرة.. خصوصاً بعد عشرة أيام حافلة بالاستهدافات دشّنتها مجزرة تفجير أجهزة الاتّصالات ("بيجر" وأجهزة اتصال لاسلكية)، ولم تنته باستهداف قيادة حزب الله وقصف أحياء بكاملها في الضاحية الجنوبية لبيروت أمس (الجمعة).

1-3.jpg

في الجزء السّابق، بدأنا نرى كيف أنّ مُشكلة أساسيّة في ما يخصّ النّظرة السّبينوزيّة العامّة، لا سيّما من زاوية حرّيّة الإرادة أو الإرادة الحُرّة (Free Will): تكمن، ضمنيّاً ربّما، وعمليّاً بالتّأكيد.. في مفهوم سبينوزا حول "الإله" (أو "الكون"، أو "الوجود"). فإله سبينوزا نفسه، في الظّاهر من بعض خطاب الفيلسوف الكبير (لا كلّ خطابه برأيي): هو ذو إرادة خاضعة للضّرورة عمليّاً، أو بالأحرى، هو ذو ارادة خاضعة للقوانين المنطقيّة والعقلانيّة الضّروريّة الطّابع والتي تحدّثنا عنها في ما سبق.

sghdv.jpg

لا شكّ في أنّ فرضيّة الإرادة الحُرّة (Free Will) هي في أحسن الأحوال صعبة التّرجيح و/أو الاثبات منطقيّاً وعقلانّياً وتجريبيّاً[1]. وفي أسوأ الأحوال، إن جاز التّعبير أيضاً، كما رأينا مع سبينوزا: فهي تُشكّل وهماً كبيراً من بين الأوهام التي يرزحُ الإنسان تحت حُكمها منذ بلغَ هذا الحدّ من اكتمال وَعيِه - على الأقلّ - في هذا العالم الظّاهر أمامنا وفي هذه الحياة الدّنيا العجيبة.

983.jpg

رأينا في الجزء السّابق لماذا تؤدّي نظرةُ الفيلسوف البرتغاليّ-الهولنديّ المولود ضمن عائلة يهوديّة، باروخ سبينوزا: كيف تؤدّي نظرةٌ كونيّة كهذه، في المبدأ، إلى استبعاد فرضيّة وجود "إرادة حرّة" أو "خيار حُرّ" (Free Will) لدى الإنسان في حقيقة الأمور.

malek.jpg

كلّما وصلْنا إلى تاريخ الذّكرى السّنويّة لتغييب الرّمز الرّوحيّ واللّبنانيّ والإسلاميّ والشّيعيّ، الإمام السّيد موسى الصّدر (وأخَوَيه)، كلّما تزداد قناعة البعض، وأنا منهم، بأنّ الحركة الصّدريّة (التّموضع الصّدريّ في لبنان إذا صحّ التّعبير).. لم تكن مجرّد "نزوة" طائفيّة شيعيّة عابرة، في بلد الطّوائف والطّائفيّة، كما لم يزلْ يعتقد البعضُ للأسف.

My-Family.jpg

منذ اليوم التّالي لـ"طوفان الأقصى" في ٧ تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٢٣، وأغلب المحلّلين والمراقبين الجدّيّين ومن ذوي الخبرة والتّجربة يُرجّحون - عن حقّ وعن دراية - عدم حصول حرب اقليميّة شاملة، أو عدم حصول حرب شاملة مع لبنان تشبه حرب ٢٠٠٦ أقلّه. لماذا؟ لسبب جوهريّ وأساسيّ برأيهم، ألا وهو: عدم وجود مصلحة بذلك عند اللّاعبَين الأساسيَّين في المنطقة، أي الولايات المتّحدة من جهة، وإيران من جهة ثانية.

89a529f43cc8d2810dc53e4c54068f8f.jpg

مع التّأكّد من قوّة البراهين والأدلّة والقرائن العلميّة-التّجريبيّة-الاستقرائيّة من جهة، والفلسفيّة المبنيّة على القياس المنطقيّ (Déduction logique) بشكل خاصّ أو على غيره من جهة ثانية: تنامت ظاهرة العلماء وغيرهم، من المؤمنين بوجود "الإله" فعلاً.. لكن مع الادّعاء، بأنّه إمّا "إلهٌ" لا يتدخّل بشؤون خَلقِه ومصائرِهم (كما يظهر من بعض كلام ألبيرت آينشتاين مثلاً)؛ أو بأنّه "إلهٌ مُحايد" في القضايا الإنسانيّة وما إلى ذلك.

f.jpg

بالفعل، عندما تتنقّل بين أبواب كتاب بولوريه وبوناسييس الذي بدأنا الحديث حوله في الجزء السّابق: تشعر وكأنّ "الإله" قد قام، وما يزال، منذ ما يقارب النصف قرن بانقلاب حقيقيّ وكبير وعميق، داخل الجامعات والمختبرات ومراكز الأبحاث الخاصّة بالعلوم الطّبيعيّة، ولا سيّما في الدّول الغربيّة.

1c63aa54a40dd29d80ee9f586ae03aa9.jpg

نحن في عام ٢٠٢٤ للميلاد: هل لدينا اليوم، كبشر، أدلّة علميّة – بالمعنى الحديث المتعارف عليه عموماً في هذا الزّمان – على وجود "الإله" (أو على وجود "الله")؟ عندما نقول أدلّة "علميّة"، فذلك لا يتوقّف بطبيعة الحال على البراهين والأدلّة والحجج والقرائن العقلانيّة-المنطقيّة-الفلسفيّة المُعتادة، بل نتحدّث هنا فعلاً وبالذّات عن أدلّة من النّوع الاستقرائيّ-التّجريبيّ أو الأمبيريقيّ (Empirique) كما يُعبَّر عادةً في هذا الزّمان.